ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
اكتسب عمر الشريف شهرة واسعة لدى الجمهور ليس فقط بفضل أفلامه ولكن أيضًا من خلال ظهوره في البرامج التلفزيونية، وتوفي هذا النجم المصري عن سن يناهز 83 سنة يوم الجمعة في القاهرة نتيجة أزمة قلبية، بعد أن كان يعاني من مرض الزهايمر.
منذ فترة طويلة، كان هذا الممثل يعمل لصالح مجلة سباق الأحصنة من خلال مداخلاته التلفزيونية، كما عرف من خلال شعاره: “السباقات، كما تعلمون، هي شغفي الكبير”، هذا الرجل الذي كان محبوبًا لدى النساء، كان مدمنًا على لعب القمار، وفي أغسطس من سنة 2001، أوضح لصحيفة ليبراسيون الفرنسية أنه “كان يقضى فصل الشتاء في نزل الشيراتون في القاهرة وفصل الصيف كان يقضيه في نزل رويال باريير في دوفيل وبضعة أشهر من السنة كان يقضيها في رويال مونسو في باريس، ودائمًا تمر عليه الأيام في نفس الغرفة، ولم يكن يفتح الستائر حتى لمشاهدة الطقس، معلقًا على تصرفاته قائلاً: “ما الفائدة من فتح الستائر ورؤية الطقس، فقد سبق لي رؤية كل المناظر الطبيعية”.
لكن عمر الشريف ظل على الدوام مصريًا، رغم أنه النجم العربي الوحيد المعروف دوليًا، وقد ولد باسم ديمتري ميشال شلهوب في الإسكندرية في عام 1932، من عائلة ثرية من أصل لبناني، وديانته كانت المسيحية، وسبق له أن صرح لمجلة باري ماتش سنة 2010 قائلاً:”عندما كنت طفلاً، كنت أكولاً، حتى أن والدتي خشيت علي من أن أصبح بدينًا، ووضعتني في مدرسة بريطانية معتقدة أن الأغذية الإنجليزية كانت سيئة لدرجة أنني سوف أتوقف عن الأكل بنهم”، ثم بعد أن هاجر إلى مصر انخرط عمر الشريف في المسرح، ثم درس العلوم في القاهرة، وبعد أن قضى فترة من الزمن في شركة العائلة المتخصصة في مجال تجارة الأخشاب، انتقل إلى لندن للدراسة في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية.
لدى عودته إلى مصر في عام 1954، التقى بمخرج شاب يبلغ من العمر 28 سنة، وهو يوسف شاهين، وفي عام 2004، يتذكر هذا المخرج لقاءه مع عمر الشريف حيث قال لصحيفة ليبراسيون: “كان جميلاً جدًا، ومن غير المعقول أن تقع على شاب بهذه الجاذبية في مصر […] ثم أخذ مني صديقتي، فقد وقعت في حب جماله وسيارته الحمراء”، وصديقة يوسف شاهين في هذه الحكاية هي الفنانة فاتن حمامة التي ستصبح أكبر نجوم السينما المصرية، والتي توفيت في يناير الماضي.
تزوج ديمتري ميشال شلهوب بفاتن حمامة، بعد أن اعتنق الإسلام حتى يتمكن من الزواج بها، وأصبح اسمه عمر الشريف، أدى أدوار البطولة في أفلام الواقعية الجديدة: “المياه السوداء” للمخرج يوسف شاهين، و”ميت بين الأحياء” للمخرج صلاح أبو سيف.
في بداية الستينات، لعب ديفيد لين دور لورنس العرب، وقام عمر الشريف بدور الشريف علي، ومثل فيلم لورانس العرب بالنسبة لعمر الشريف نقلة هامة في حياته، فقد حصل على جائزة جولدن جلوب، ورشح لجوائز الأوسكار، لينجذب إلى هوليوود ويغادر مصر عبد الناصر لأنه لا يحب التسلط، وانفصل عن فاتن حمامة “خوفا من عدم القدرة على البقاء وفيًا لها” (لم يتزوج بعدها مرة ثانية).
وقع عمر الشريف عقدًا بسبع سنوات مع شركة كولومبيا، وفي عام 1988، صرح عمر الشريف لصحيفة ليبراسيون: “لدي بنية جسدية لا تنحصر بنوع واحد من الأدوار، بل تصلح لأي دور في هوليود”، وهكذا أعاد ديفيد لين منحه دور دكتور زيفاجو، الطبيب المثالي الذي يبحث عن المرأة التي أحبها في السابق في روسيا، وحقق هذا الفيلم العديد من الجوائز، ست جوائز أوسكار.
في فيلم مايرلينغ، للمخرج تيرينس يونغ، قام بدو الدوق رودولف من هابسبورغ، الذي وقع في حب ماريا فيتسرا (الممثلة الفرنسية كاترين دونوف)، وفي فيلم فتاة مضحكة، مثل مع الممثلة الأمريكية باربرا سترايسند، ولعب دور يهودي داعم لإسرائيل، في نفس الفترة التي جرت فيها حرب الأيام الستة، وهذا جلب له انتقادات كبيرة من قِبل الصحافة المصرية، ما جعله لا يعود إلى القاهرة إلا سنة 1977.
وبعد هذه النجاحات عمل عمر الشريف مع هنري فيرنوي وبليك إدواردز، ولكن عمله لم يكن ملحوظًا، وبدأ نجمه يخفت، وها هو يعترف بكسله قائلاً: “ما يعجبني في التمثيل هو أني لا أهتم بأي شيء”، وبدأ عمر الشريف بلعب القمار بسبب الملل أكثر من أن تكون عاطفة، موضحًا أن الكازينوهات هي الأماكن الوحيدة التي تبقى مفتوحة في الليل، وأصبح قليل الظهور في السينما، ليظهر في عام 2003 في فيلم فرنسي مكّنه من الحصول على جائزة سيزار لأفضل ممثل، وكان آخر ظهور له في السينما سنة 2013، في فيلم للمخرجة المغربية ليلى المراكشي.
مع اختفاء عمر الشريف اختفت حقبة من تاريخ السينما، حيث كان يعبّر عن دوره في السينما قائلاً: “أحببت أن أعيش الحياة التي منحوني إياها”.
المصدر: صحيفة ليبراسيون الفرنسية