مع استمرار تدفق مقاتلي ميليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية حول مدينة الفلوجة (55 كيلومترًا غربي بغداد)، للأسبوع الثاني، إيذانًا بقرب بدء ساعة الصفر لاستعادتها من تنظيم الدولة (داعش)، ازدادت المخاوف من تحول المدينة إلى كوباني ثانية، خصوصا مع التلويح بـ “سياسة الأرض المحروقة”.
رتل تابع للمليشيات في طريقه للمدينة
وتُعدّ مدينة الفلوجة من أولى المدن التي فقدتها القوات العراقية لصالح تنظيم الدولة “داعش”، مطلع العام 2014م، ومنذ ذلك الحين اتخذها عناصر التنظيم مقرًا لقيادة وانطلاق عملياتهم في المناطق المحيطة بالمدينة.
وتكتسب الفلوجة أهمية دينية كبيرة ورمزية لدى العراقيين السنّة، خصوصًا وأن أول شرارة للمقاومة ضد الأمريكيين، انطلقت منها، وخاضت معركتين كبيرتين ضد الاحتلال، ظفرت بالأولى وخسرت الثانية.
قاسم سليماني من جديد
الحشود العسكرية حول المدينة بلغت ذروتها نهاية الأسبوع الماضي، بوصول قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بعد أن غاب عن الأنظار لمدة ليست بالقليلة، برفقة أبرز قادة المليشيات العراقية هادي العامري وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس، فيما قُدّر عناصر المليشيات هناك بنحو 20 ألف عنصر، وفق ما أفاد موقع “المسلة” المقرّب من الحكومة.
وشنّت هذه العناصر على مدى الأيام الماضية عمليات تعرضية في المحورين الشمالي والشرقي للمدينة، لجس نبض عناصر التنظيم.
قاسم سليماني يتوسط أفراد من المليشيات العراقية بضمنهم القيادي هادي العامري
رأس أفعى أم فجر جديد؟
عنوان العملية المرتقبة اختلف ما بين المليشيات ووزارة الدفاع العراقية، فالأولى أطلقت عليها “عملية قطع رأس الأفعى”، بينما أسمتها الوزارة “عملية فجر الفلوجة”.
إلا أن هذا الاختلاف لم يُغيّر من الواقع شيء، فمنذ مطلع شهر رمضان وإلى اليوم، طائرات الجيش تلقي بالبراميل المتفجرة المحرّمة دوليًا على أحياء المدينة عشوائيًا، في حين تقصف مدفعية وراجمات المليشيات بشكل عشوائي أيضًا، ما أوقع أكثر من 190 مدنيًا بين قتيل وجريح، في النصف الأول من هذا الشهر، بحسب النائب في البرلمان حامد المطلك.
الـ 190 مدنيًا، يضافون إلى الإحصائية التي كشف عنها النائب في البرلمان أحمد السلماني، والذي أكد أن 7882 من أهالي المدينة، سقطوا بين قتيل وجريح منذ مطلع العام الماضي، نتيجة القصف العشوائي، مطالبًا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بإيقاف القصف على القضاء والحفاظ على أرواح المدنيين.
آثار الدمار الذي خلفه برميل متفجر سقط على منازل في الفلوجة
سياسة الأرض المحروقة
المخاوف من تحول الفلوجة إلى كوباني ثانية، ازدادت بعد دعوة قاسم الأعرجي، النائب البارز في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى تدمير المدينة بقوله: “الفلوجة رأس الأفعى، فمن أراد الحل عليه بالفلوجة، اجعلوا عاليها سافلها قربةً لله”.
النائب قاسم الأعرجي، مرتديًا الزي العسكري خلال زيارته لمعسكر تابع للمليشيات
هذه الدعوة أثارت موجة واسعة من ردود الأفعال المنددة، متهمين إياه بالتحريض وتهديد السلم الأهلي في البلاد، واعتبر وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي، أن سياسة “الأرض المحروقة”، التي تتبعها الحكومة العراقية لا تخدم العلاقة بين الحكومة والشعب، على حد قوله.
وزير التخطيط سلمان الجميلي
بدوره دعا عضو مجلس عشائر الأنبار الشيخ، محمود الجميلي، المجتمعَ الدولي إلى التدخّل لإنقاذ المدنيين مما وصفها بـ “المجازر الجماعية” مؤكدًا أن الحشد الشعبي طوّق المدينة من أغلب الجهات، وكثّف من إطلاق الصواريخ والمدافع فضلًا عن البراميل المتفجرة على المناطق السكنية فيها، مستخدمًا أسلوب إحراق الأرض.
المدنيون بين نارين
وعلى وقع القصف بالبراميل المتفجرة وما ستحمله الأيام من مفاجآت، عاد سلمان الجميلي بتصريح آخر، حمّل فيه، التحالف والمجتمع الدوليين، المسؤولية الأخلاقية، تجاه ما يحصل من خروقات بحق السكان الأبرياء في المدن التي يحتلها تنظيم داعش، خصوصًا الفلوجة.
وأشار إلى أن المدنيين وقعوا بين نارين، فمن جهة يمنع تنظيم داعش خروجهم من المدينة ويجبرهم على البقاء، ومن جهة أخرى ممارسات الجهات الأخرى تمنع لجوءهم إلى مناطق آمنة – في إشارة إلى القوات العراقية والمليشيات -.
اتهام تنظيم داعش بمنع خروج المدنيين لم يتطرق إليه الجميلي وحده، فنائب محافظ الأنبار مهدي النومان أكد أن التنظيم، بدأ يحتمي بالمدنيين واستخدمهم كدروع بشرية مع اقتراب ساعة الصفر لتحرير الفلوجة، مضيفًا “هناك طرق ومعابر بديلة سيتم اتخاذها لضمان خروج المدنيين وعدم المساس بهم”.
فرغم أن أهالي الفلوجة يزيغون بأبصارهم عن تسمية “عملية قطع رأس الأفعى” ويتشدّقون بتسمية “عملية فجر الفلوجة” إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن ولادة الفجر الذي يخرج المدينة من ظلام الحرب إلى نور السلام، سيصاحبها استئصال بنيتها التحتية وشق نهر ثانٍ يفيض بدماء الآلاف من أبنائها، إلى جوار نهر الفرات، إنْ لم يتم تحييد المدنيين عن العملية المرتقبة والسماح لهم بالمغادرة قبل انطلاق ساعة الصفر.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل ستفتح القوات العسكرية والمليشيات المرافقة لها، منفذًا يخرج منه السكان المحليون؟ وإذا ما تم ذلك، فهل سيسمح لهم تنظيم الدولة بالمغادرة خصوصًا وأنه يمنع كل شخص من الخروج من مناطق سيطرته؟ أم أن المدنيين سيُذبحون على مقصلة همجية من يقصفهم، وتعنّت من يمنع خروجهم؟