إسراء الطويل هي فتاة مصرية أكملت عامها الثالث والعشرين قبل عدة أيام. إسراء لمن يعرفها، غالبًا ما تكون هي الأقرب بين الأصدقاء، ولمن لا يعرفها، فهي الأكثر “جدعنة” كما يقول المصريون، فتاة قريبة من الجميع، يحبها الجميع، ويدركون أن وجودها كاف ليضفي بهجة وبراءة من نوع خاص.
اختُطفت إسراء الطويل قسريًا في ضاحية المعادي بالقاهرة، واختفت لمدة تزيد على الـ15 يومًا قبل أن تظهر في السجن، كان معها اثنين من أصدقائها، صهيب سعد (المعتقل في قضية صحفيي الجزيرة والذي أُفرج عنه لركاكة التهم والمحاكمة)، وعمر محمد علي، الشاب الذي ليس مهتمًا بالسياسة، لا لإحباط أصابه كما أصاب “جيل الثورة”، لكن لأنه ببساطة لا يهتم!
إسراء كتبت الرسالة التي نوردها في الأسطر التالية من محبسها في السابع من يوليو الجاري، واستطاعت إعطاءها لأهلها في الزيارة القصيرة، ورغم أننا في نون بوست لا نُفضل نشر مقال بلهجة محلية، إلا أن قضية الاختطاف القسري للمواطنين تستحق ذلك، وإسراء – طبعا – تستحق أن ننشر رسالتها بلا تعديل أو تحرير أو مراجعة.
رسالة من سجن القناطر / إسراء الطويل
(1) بيننا صديق لا يعرف الكلل، مخلص رقيق إن قال فعل
يوم الإتنين 1 يونيو كانت جلسة صهيب، بكلم عمر في التليفون بحكيله خايفة على صهيب وياريت لو كنت أقدر أشيل عنه، عمر يحكيلي لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وكل واحد وقدَره وملناش غير إننا نقف جنبه، يلا نتفسح، هخلص شغل وننزل نركب خيل.
(2) In Time
في نفس اليوم الصبح عمر حكالي أشوف فيلم In Time، وكنت بحكي مع عمر إنه الحمدلله إننا منعرفش الغيب ولا هنموت إمتى ولا إيه اللي هيحصل وحاولت أتخيل لو كنت أعرف كنت اترعبت، وإحنا راكبين الخيل سرحت، عمر سألني سرحانة في إيه، وكنت بفكر خايفة الوقت يخلص وإحنا مع بعض.
(3) العشاء الأخير
بعد الخيل أنا وعمر محتارين نروح ناكل فين، من أكتر الحاجات اللي بحبها في عمر إنه بيحب يجرب الأكل الجديد، كل أسبوع لينا نجرب مكان جديد عالأقل، هو مكانش أكل في تشيليز قبل كدا وأقرب فرع في نايل سيتي الزمالك، قعدنا وطلبنا الأكل وكنا مبسوطين، صهيب بيتصل على عمر: أنا جاي، أكل سلطة بس، خرجنا لقينا مراية وقفنا نتصور فيها إحنا التلاتة اتصورنا كتير، صهيب وقف يصلي العشاء، خلص، خرجنا، 3 رجالة بيوقفونا، بطاقاتكو، موبايلاتكو، اركبوا الميكروباص دا، فكرت الأول إننا بنتخطف، حاولت كتير أقولهم عايزة أكلم أهلي بس مفيش فايدة، ببص ورايا لاقيت صهيب وعمر متغميين، سألت اللي شكله كبير فيهم هو حضرتك أستاذ مين؟ قال حسام فرج، طب الـ title بتاعك إيه؟ ضحك وقال أنا ظابط واقعدي ساكتة، دقيقتين وطلب مني أغمي عيني بطرحتي، بس الطرحة قصيرة، صهيب قلع تي شيرت وقال له اديهولها تغمي عينها بيه.
(4) 15 يومًا في أمن الدولة
تحقيقات، صهيب وعمر مشيوا، أنا لوحدي، مفيش بنات تانية هنا، 15 يومًا عيني متغمية، رعب، مش عارفة أحكي إزاي، مش قادرة أحكي لكنها تجربة مرعبة، أول خمس أيام فضلت كل يوم أقول لنفسي إنهم هيروحوني النهاردة، سادس يوم فقدت الأمل، طول الوقت عياط، كنت حاسة إن كل دا مش حقيقي، كإنه عذاب القبر، مش عارفة، كنت هتجنن على أهلي، بابا وماما حصلهم حاجة، وأدعي، وأدعي، وأدعي، مكنش عندي غير الدعاء والعياط، مش عارفة أحكي، في اليوم الـ 15 خرجوني على عربية الترحيلات، لقيت نفسي في نيابة أمن الدولة العليا، 18 ساعة متواصلة تحقيق في حياتي كلها، وأنا مش فاهمة أي حاجة من اللي بيحصل، بقالي 16 يوم ماستحمتش، ورجلي مش قادرة تشيلني بسبب إصابتي اللي مخفتش منها (اتصبت برصاصة يوم 25 يناير 2014 جزء منها دخل في عمودي الفقري سببلي شلل مؤقت لسه بعاني منه بمشي بعرج) أرجوك عايزة أكلم أهلي بس، وكيل النيابة يقولي هتروحي السجن النهارده وهنكمل تحقيق بكره.
(5) سجن القناطر
أنا لابسة بنطلون وبلوزة وكارديجان وطرحة قصيرة، التهم الموجهة ليا الانضمام لجماعة الاخوان، إمداد الجماعة، فبركة الأخبار خارج وداخل مصر، إيه ده؟ هوا أنا مين أصلا؟!! طب الحاجات دي كلها محصلتش ومفيش أي حاجة عليا، دخلت السجن، أول مرة أشوف ناس كتير وستات كتير، ودوني عنبر “الإيراد الجديد”، معيش هدوم غير الجلابية بتاعت السجن اللي وكيل النيابة بعد كدا قاللي اسمها “الشُلّ”، مبطلتش عياط ومش ببطل، أنا ضغيفة جدًا في الحقيقة وطول الوقت بعيط، عادي، الدموع جميلة، أنا جالي جرب 17 يوم ماستحمتش، أهلي عرفوا إني في سجن القناطر وجولي تاني يوم الموافق واحد رمضان، الحمدلله، الحمدلله، الحمدلله، كأنني ربنا أحياني من القبر، فضلت أعيط بعدها وأقول آمنت بالله، إحساس غريب، كإني خرجت من القبر فعلاً، السجن مرعب، عالم تاني، اللي جايين مخدرات ودعارة وأداب ونشل وأموال عامة، أشكال عجيبة وقصص عجيبة كإنهم وحوش، كل الناس بتفتن على كل الناس، وكلهم عايزين مشاكل لبعض وبيكرهوا بعض، وكل الستات بتدخن، السجن وحش أوي أوي أوي، أنا بكره السجن، لما أتعب بنام وأصحى مفزوعة أنا فين؟! باحس طول الوقت إنه كابوس، إزاي أنا جيت هنا وإزاي كل ده حصل وبيحصل؟ أنا عايزة أروح لماما وبابا، قعدت 9 أيام في الإيراد بعد كدا ودوني زنزانة الإخوان، معروف إن أنا مش إخوان ولا أي حد من عيلتي، المهم إن محدش بيدخن في الزنزانة عشان كنت بموت من السجاير في الإيراد، كل حاجة صعبة أوي، البيت وحشني، عيلتي وحشتني، أصحابي وحشوني، أنا عايزة أروح البيت.
(6) وتهدينا الحياة أضواءً في آخر النفق، تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه
أنا مش عارفة إيه اللي بيحصل، بس كل يوم وكل وقت بدعي، ربنا كريم، أنا زعلانة جدًا من مصر، في كل حاجة، بس كل يوم في السجن مستنية يقولولي يلا هتروحي البيت النهارده، عشان أنا زعلانة جدًا بجد، يارب الكابوس ده يخلص، أنا ضعيفة في الحقيقة وبعرفش أكتب، بس عايزة أحكي مع إني مش فاهمة حاجة من اللي بيحصل كله بس أنا مستنية حاجة تفرحني، يارب، وأنا بحب بابا وماما وإخواتي، وبحب أصحابي جدًا جدًا، يارب كل حاجة تبقى كويسة.
(7) إخلاء سبيل
وأنا بكتب الرسالة جه خبر إخلاء سبيل سمر النجار وطنط فريدة، أنا فرحانة وحاسة إني هخرج قريب، الحمدلله كتير وعقبالي، 😀 كفاااااية شقا بقى.
* آه صحيح، اي حد هيقول عليا حرائر وحياة أمي هافشخه لما أطلع ، بس كدا! :3