قبل عدة أيام صدر قرار من عبدالفتاح السيسي بتعيين عميد جديد للكلية التي أدرس بها (طب المنصورة) بعد إلغاء قانون انتخاب القيادات الجامعية الذي تم إقراره بعد ثورة يناير قبل أن يتم العودة لأسلوب التعيين من جديد وهذه المرة تم إضافة موافقة رئيس الجمهورية وإمضائه على قرار التعيين!
ضمن عدة خطوات بدأ بها العميد الجديد مهمته جاء طلبه من كل دفعة باختيار 4 طلاب من بينهم لعقد لقاء شهرى معهم، بدا ذلك تعويضًا عن دور اتحاد الطلاب الذي تنص اللائحة على وجوب وجوده ومن المفترض أن يتم انتخابه كل عام إلا أنه ما يزال غائبًا بقرار من السلطة العسكرية الحاكمة التي ترفض إجراء الانتخابات حتى الآن، بينما على الجانب الآخر فإن قيادات آخر اتحاد طلابي منتخب في الكلية يقبعون في سجون النظام أو مطاردين من قِبل الأمن وإدارة الكلية كذلك.
بشكل بديهي تساءل الطلاب عن ماهية الدور الذي سيلعبه هؤلاء الطلاب المختارين لتمثيل زملائهم والصلاحيات الممنوحة لهم، خوفًا من أن يكون الأمر ليس سوى محاولة لاستيعاب الطلاب، إذ كيف يمكن لسيادة العميد أن يجتمع مع 24 طالبًا خلال لقاء واحد شهري أي بمعدل 6 لقاءات على الأكثر خلال العام الدراسي؟ وهو معدل أقل بكثير من احتياج المنظومة للتواصل المستمر والفعّال بين الإدارة والطلاب لحل مشاكلهم أو التعاطي بفعالية مع مقترحاتهم.
كما بدا من لهجة الدعايا لهذه الطريقة أن الأمر لا يعدو كون العميد الجديد يريد الاستماع لكل عناصر المنظومة التعليمية ومن بينهم الطلاب؛ إذ قال عضو هيئة التدريس المسؤول عن إتمام الأمر إنه اذا تأخرت دفعة في اختيار ممثليها فسيقوم باختيار 4 طلاب ممن يعرفهم هو بشكل عشوائي!
هذه واحدة من صور تعامل الإدارات مع الطلاب اليوم، فبعد أن انتخب الطلاب اتحاد طلاب يمثلهم بصورة رسمية ويدافع عن حقوقهم لأول مرة منذ سنوات طويلة، وبعد إقرار اللائحة الطلابية بواسطة الطلاب أنفسهم وإن حدث خلاف حول عدد من بنودها وقتها إلا أنها سمحت لكل الطلاب بممارسة النشاط الطلابي بحرية وبتسهيلات لم تكن موجودة من قبل، كما أنها حددت اختصاصات الاتحاد والعلاقة بينه وبين الإدارة بوضوح؛ الأمر الذي جعل الطلاب بمختلف أفكارهم ورؤاهم يندفعون لإثراء النشاط الطلابي في كافة المجالات الخدمية والعلمية والسياسية وغيرها بصورة مذهلة لم ترها الجامعات من قبل، كان ذلك في أعقاب ثورة يناير التي شعر الطلاب أنها حققت مكسبًا غاليًا لهم، وتعمق ذلك الشعور في وجدانهم بعدما انقلبت الآية فور انقلاب العسكر على الثورة والعودة إلى ما هو أسوأ وأبعد مما قبل يناير لتتوقف تمامًا الأنشطة الطلابية ويتم إسكات صوت الطلاب كما غيرهم بالقتل (شهيد الكلية أحمد الخولي – رحمه الله -) والاعتقال (ما يقارب 22 طالبًا بالكلية معتقل حسب مؤسسات طلابية حقوقية) وغيرها من وسائل القمع المعروفة.
إحدى أسوأ القصص التي ستظل تروى لسنوات طويلة هي حادثة اعتقال الطالب بالكلية محمد صبري، الذي هو أيضًا رئيس اللجنة العلمية على مستوى الجامعة والذي تم اختطافه بعد أدائه آخر امتحان له بالكلية وبتواطؤ من الإدارة التي سمحت للشرطة بمراقبته عبر كاميرات من داخل لجنة الامتحان وكاميرات أخرى ترصد تحركه بعد خروجه من الامتحان، ثم بعد اعتقاله تم اتهامه بالتظاهر في ذكرى ثورة يناير في مدينة المنصورة وهو اليوم الذي فشلت فيه دعوات التظاهر بسبب الحصار الأمني المفروض على المدينة وشوارعها يومها، ومنذ أيام قليلة صدر حكم ضده بالحبس 5 سنوات.
الأسوأ على الإطلاق هو إيمان إدارة الكلية بأن الوضع الذي تلا ثورة يناير كان شاذًا وأن الصحيح هو أن الطلاب ليس لهم حق بالمشاركة في إدارة وتطوير المنظومة التعليمية وأنهم ليسوا سوى مفعول به، كما أن الأنشطة الطلابية ينبغى أن تكون مراقبة وموجهة طبقًا للمصلحة العامة التي تراها الإدارة!
القيادات الجامعية غالبًا ما تكون من أفضل الشخصيات على المستوى العلمي وقد يكون بعضها نظيف اليد أمينًا في عمله، لكن الحديث هنا عن استيعابهم لدور الجامعة في بناء الإنسان وتشكيل شخصيته وعن دور الطالب في العملية التعليمية كما هو عن إيمانهم بمعنى الحرية والدفاع عن حق الطالب فيها.
على سبيل المثال أذكر موقفًا حدث لي شخصيًا بعد الثورة مع وكيل الكلية حينما ذهبت لأخذ موافقته على عقد ندوة للحديث عن “تجارب النهضة في تركيا وماليزيا” وكنا نستضيف مدير مركز القاهرة للدراسات التركية لاستغرب من أسئلة وكيل الكلية وقتها من نوعية: وماذا سيستفيد الطلاب من معرفة تجارب النهضة؟ وما علاقتهم بتحقيق النهضة أو عدم تحقيقها؟ ونصحنى في النهاية بأن نعقد ندوات للطلاب عن كيفية احترام وتوقير أساتذتهم! بعد الندوة وجدت الضيف يسألني ألم يكن من الأفضل حضور ممثل عن إدارة الكلية؟ ابتسمت وقلت له يكفي أنهم سمحوا لنا بعقد الندوة.
عشرات القصص يمكن أن تُحكى عن تعامل إدارة كلية واحدة في جامعة إقليمية كالتي نتحدث عنها، هل يمكنك عزيزي القارئ بعد ذلك تخيل الصورة كاملة عن هذا الوضع؟
وإذا علمنا أن ما بعد يناير لم يكن الطلاب ينظرون بعين الاكتفاء إلى ما تحقق، بل كانوا يرونه مجرد البداية لتصحيح العديد من الممارسات والأساليب التى تراكمت على مر السنين حتى أصبحت ثقافة سائدة، يمكننا عندها تخيل حجم الفاجعة التي يعاني منها الطلاب اليوم في ظل سياسة السلطة الحالية بأسلوبها القمعي في الحكم وفي ظل إدارات متعاقبة لا تنظر للطالب كفاعل أو كأهم عنصر من عناصر العملية التعليمية ولا تدرك قيمة الجامعة في بناء الإنسان على قدر ما تعتبره مفعولاً به وعلى قدر ما تواجهه وتتصادم معه.