ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
كان سيف الدين الرزقي (23 عامًا) من عشاق الرقص الإيقاعي، وهو الابن الأكبر لزوجين يقطنان في قرية قعفور في الشمال الغربي التونسي، وكان يحلم بأن يصبح نجمًا تحت اسم فني “سيف سيسكو”، لكنه اكتسب شهرة سيئة بعد قتله 38 سائحًا مع عدد مماثل تقريبًا من الجرحى، يوم 26 يونيو 2015، على شاطئ مدينة سوسة.
وكان سيف الدين الرزقي غير معروف لدى الشرطة، كما أنه قام بالتسجيل لدراسة الماجستير في الإلكترونيات بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالقيروان، وبحسب أفراد عائلته فقد تأثر تأثرًا كبيرًا بسبب وفاة شقيقه الأصغر منذ عامين، ومنذ عام 2014، أصبح هذا المشجع لفريق كرة القدم الإسباني ريال مدريد يقود مجموعة تكفيرية ويتردد على مسجد تم غلقه بعد حادثة سوسة بسبب بثه لخطاب كراهية.
مندمج في الحياة المهنية
في الوقت نفسه، كان سيف الدين الرزقي يتابع دورات تكوينية في الدراسات الإسلامية في مدرسة خاصة في تونس العاصمة، وفي ديسمبر 2014، وعلى الرغم من أنه كان يحمل جواز سفر، إلا أنه سافر سرًا إلى ليبيا، وهناك، تعلم أبو يحيى القيرواني، كما لقبه تنظيم داعش عند تبنيه هجوم سوسة، التعامل مع الأسلحة في معسكر صبراتة غرب طرابلس، والتقى هناك بكل من ياسين العبيدي وحاتم الخشناوي، منفذي الهجوم على متحف باردو في 18 مارس 2015.
وتمكّن ياسين العبيدي (26 عامًا) من الاندماج في الحياة المهنية؛ وهو ابن أسرة متوسطة، قضى سنتين في الجامعة قبل أن يحصل على وظيفة كان يحصل منها على أجر محترم، واعترف أحد أبناء عمومته بأن هذا الشاب المنعزل، كان من هواة كرة القدم، كما كان “سلفيًا معتدلاً”، وعُرف ياسين لدى الشرطة بسبب قيامه بمخالفات بسيطة، ومؤخرًا ادعى هذا الشاب بأنه حصل على وظيفة براتب أفضل في مدينة صفاقس القريبة من ليبيا.
أما بالنسبة لصديقه الحميم، حاتم الخشناوي، البالغ من العمر 20 عامًا، فقد ولد في قرية عين الزهر في ولاية القصرين بالوسط الغربي التونسي، بالقرب من جبل الشعانبي، ولم يتمكن هذا الفتى المنحدر من أصول متواضعة من مواصلة دراسته، ولكنه “كان واسع الحيلة” بحسب أصدقائه، هذه الميزة التي وضعها في خدمة جماعة “أنصار الشريعة”، وفقًا لمصادر أمنية، حتى أن والديه أبلغا الشرطة بعد تغيبه لثلاثة أشهر، وأعلما الشرطة أن ابنهما اتصل بهما من رقم هاتف عراقي، ولكن لم يتم تتبع هذه المعلومات، ولدى عودته، لم يقدم حاتم أي توضيحات ولم يُظهر أي علامات تطرف.
كان ينتظرها مستقبل مشرق
أما بالنسبة لهند السعيدي، البالغة من العمر 21 عامًا، فقد كانت ترتدي النقاب عندما أُطلق عليها النار وهي تحمل مسدس يوم 24 مارس 2014، في مدينة وادي الليل، خلال الهجوم الذي شنته القوات الخاصة ضد مجموعة من المتطرفين المتحصنين في منزل، وكانت هند طالبة متميزة، وهي الفتاة الجميلة والدائمة التبسم، وبالرغم من عنادها بعض الشيء إلا أنها كانت حساسة للغاية، وفقًا لأساتذتها، التحقت هند منذ سنتين بكلية الحقوق بجامعة المنار في تونس، هذه الفتاة المغرمة بالرسم، والتي كانت تعيش مع والديها في المرسى وسط بيئة ميسورة، تغير سلوكها تدريجيًا إلى درجة الصدام مع عائلتها، واختارت ارتداء الحجاب ثم النقاب، كما انقطعت عن الدراسة، لتنعزل في غرفتها من غير أن تعلم عائلتها شيئًا عن علاقاتها وأنشطتها، وعندما تركت بيت والديها، حملت معها جهاز الكمبيوتر، وكانت عائلتها تخشي انضمامها إلى المقاتلين في سوريا، ما جعلها تقوم بتنبيه الشرطة. وهكذا كانت هند هي الطالبة الثالثة في كليتها التي تموت بسبب الانخراط في الجماعات المتطرفة، وتقول ليندا بن عثمان، أستاذة الرسم: “هذا غير مفهوم، لقد كانت فتاة تحب الحياة”، كما كتبت دجلة عبد الحميد، أستاذة الفرنسية التي كانت تدرّس هند: “موتها العنيف هو هزيمة لنا، وهو أيضًا هزيمة للمجتمع بأكمله”.
نفس الشيء يمكن قوله فيما يخص كمال القضقاضي، القاتل المزعوم للزعيم اليساري شكري بلعيد، الذي اُغتيل يوم 6 فبراير 2013، كما أنه شارك في ذبح ثمانية جنود في جبل الشعانبي في يوليو 2013، قبل أن يُقتل بالرصاص بعد ملاحقته لمدة 12 شهرًا، يوم 4 فبراير 2014، ولد كمال في عائلة متواضعة في قرية واد مليز في الشمال الغربي التونسي قرب الحدود الجزائرية، وكان ينتظره مستقبل مشرق، فبعد دراسة الاقتصاد، حصل على منحة لمتابعة دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه طرد سنة 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر، وبعد خيبة الأمل لجأ كمال إلى الدين، حيث وصفه والده على أنه “رجل تقي، ولكنه ليس متعصبًا ولا مهتمًا بالسياسة”، ومع ذلك فإن هذا الشاب الذي كان يفترض أن يصبح خبيرًا ماليًا، سيصبح في سن الخامسة والثلاثين، أحد رجالات أنصار الشريعة.
مسار هؤلاء الشباب، الذين كانوا من الممكن أن تكون لهم مكانة مرموقة في المجتمع، يسلط الضوء على استثناء تونسي يبعث على القلق الشديد، فخلافًا للـ 13 شابًا من الانتحاريين المغربيين من حي سيدي مؤمن، الذين قاموا بتفجيرات الدار البيضاء في مايو 2003، وخلافًا لمحمد مراح، ومهدي نموش أو الإخوة كواشي المسؤولين عن الهجمات المسلحة الأخيرة في فرنسا، فإن معظم الجهاديين التونسيين في الآونة الأخيرة لم يكونوا ممن يعانون الفشل الاجتماعي والأكاديمي، فجميعهم أكملوا مسارهم الدراسي وبنجاح، كما كانوا من بين المسجلين بالجامعة، وانحرافهم القاتل هو دليل على فشل المدرسة، التي كان من المفترض أن تهذب النفوس وتبني الوعي. فسياسة الدولة التونسية، من بين جميع الدول العربية، هي الأكثر استثمارًا في التعليم، وكان من المفترض أن تكون خط الدفاع الأول ضد التشدد.
المصدر: صحيفة جون أفريك