انتصرت دبلوماسية إيران وانتصرت دبلوماسية الغرب، وهزمت الدبلوماسية العربية والإسلامية، قد لا يعجب ذلك البعض، ولكنها الحقيقة المرة التي يجب أن تقف عندها الأمة بشكل فاحص، فمن يقول إن إيران هزمت بعد تنازلها الواضح والكبير في نسبة التخصيب من 20% إلى 3.67% فهذا قصور بالرؤية، لأن من قال إن إيران تطمح بامتلاك سلاح نووي في ظل الحرب الباردة المشتعلة بين أقطاب النظام الدولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وموقع إيران في تلك الحرب يغنيها مرحليًا عن امتلاك السلاح النووي، فعين إيران منذ الثورة الإسلامية في نهاية سبعينات القرن الماضي على تصدير الثورة وإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية بالمنطقة، وبدأت تلك الإستراتيجية وحققت ما حققته منها ولكن حربها مع العراق وحصار الغرب لها استنزف قدراتها، إلا أنها لم تستسلم وبصادرات متواضعة من البترول والفستق والسجاد الإيراني وغيره استطاعت إيران الهيمنة على أربع عواصم عربية (اليمن – لبنان – سوريا – العراق، والنفوذ الإيراني قائم في البحرين والإمارات وفلسطين (قطاع غزة).
فكيف عندما يُرفع الحصار وتبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران وتتسلم الجمهورية الإسلامية أموالها المجمدة التي تِقدر تقريبًا بمائة مليار دولار.
قد يقول البعض إن المائة مليار دولار يشكلون 35% من ميزانية إيران السنوية، وإن الاقتصاد الإيراني بحاجة للكثير حتى يستطيع تعويض الخسائر التي ألمت به، هذا صحيح ولكن بالمقارنة بين مليارات الأمة العربية والإسلامية التي تصرف على مظاهر الترف والبذخ، ومليارات إيران التي تصرف على تمرير إستراتيجية واضحة المعالم تقوم على الهيمنة والسيطرة على المنطقة فإن القادم يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن خارطة جديدة بدأت تتشكل في منطقة الشرق الأوسط، وأن الفواعل الرئيسيين ليسوا عربًا، وهم: تركيا -إيران – إسرائيل، وهذا يدلل على تراجع القومية العربية في مواجهة القومية الفارسية والتركية، ويدلل كذلك بما لا يدع مجالاً للشك بأن اتفاق إيران النووي بغض النظر عن حجم التنازلات التي قدمتها إيران للغرب هو انتصار للدبلوماسية الإيرانية، وهزيمة للدبلوماسية العربية التي وقع الاتفاق على أنقاضها وجثث شعوبها، وفي حال لم تستدرك تلك الدول حجم الخطورة فإن القادم هو مزيد من استنزاف مقدرات الدول العربية مقابل زيادة النفوذ الإيراني بالمنطقة العربية وبموافقة دولية.
لمواجهة اتفاق إيران النووي فإن الدبلوماسية العربية أمامها ثلاث سيناريوهات هي:
الأول: سيناريو الانتظار والترقب
قد تتبنى الدبلوماسية العربية هذا السيناريو وهو الانتظار والترقب لحيثيات تطبيق الاتفاق، وتراقب آليات التنفيذ، وتتابع السلوك الإيراني الجديد تجاه دول المنطقة، وبناءً عليه تتخذ المواقف والخطوات المستقبلية.
الثاني: سيناريو الفعل على الأرض
قد تذهب تلك الدول في اتجاه آخر وهو مواجهة الأدوات الإيرانية بمزيد من الحزم والحسم ولكن ليس بنكهة سعودية خالصة وإنما بتحالف عربي إسلامي جامع يستهدف بكل أشكال القوة: الناعمة والخشنة تلك الأدوات التي قد تكون أدوات مفترضة في المستقبل لتعزيز التمدد الإيراني بالمنطقة والذي سيكون على حساب الدول العربية وعقيدتها الدينية.
الثالث: سيناريو التصالح
قد تذهب بعض الدول للتصالح مع إيران واستثمار هذا الاتفاق اقتصاديًا من أجل مصالحها، وهذا لو تم بشكل فردي دون إستراتيجية عربية جامعة فإن الموقف العربي سيكون أمام تشرذم وانقسام، وبذلك ستستغل إيران تلك المساحة لتنفيذ مشروعها التوسعي، وحينها ينطبق المثل الذي يقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
الوجه الآخر لهذا السيناريو أن تلتئم جامعة الدول العربية على مستوى رؤساء الدول، ويخرجون بإستراتيجية تؤسس لبناء تصالح مع دولة مهمة مثل إيران، وتؤسس أيضًا لإنهاء الانقسامات بالساحة العربية، لأن حالة الفوضى تسهل عمليات الاختراق والعبث بالساحات العربية.
وأختم مقالي بمحاذير مرتبطة بالقرارات التي قد تتخذها بعض الدول العربية تتمثل في تقاطع المصلحة بين تلك الدول وإسرائيل فيما يتعلق بملف إيران النووي، وهذا سيكون بمثابة انتحار سياسي لتلك الدول نظرًا لصورة إسرائيل بالذهنية العربية والإسلامية وهذا سيصب في صالح طهران.