الأفضل
قد لا نجد صعوبةً في انتخاب الأفضل بين رياضيي الألعاب الفردية كالتنس أو السباحة أو ألعاب القوى، كونها منافساتٍ تعتمد على جهد الفرد المحض، والأفضل فيها – على الأغلب – هو من يحقق الفوز في النهاية ويصل إلى منصة التتويج، ولكن الأمر يختلف تمامًا عندما يتعلق الأمر بالألعاب الجماعية، فالفوز فيها هو محصلة تعاضد جهود الفريق بأكمله، ولا يمكن نسب الفضل فيه للاعبٍ دون آخر، لذا فاختيار أفضل الأفراد ضمن منظومةٍ جماعيةٍ ينطوي على صعوباتٍ أكثر ويخضع لتقييماتٍ أدق، شأنه شأن انتقاء الممثل الأفضل ضمن طاقم فيلمٍ ناجح، أو العازف الأفضل ضمن فرقة أوركسترا مميزة، فمسألة اختيار الأكثر تميزًا بين المتميزين تبقى تقديرية ونسبية، وقد تختلف بين ناقدٍ وآخر، تبعًا للعوامل المُرجحة التي استند إليها في تقييمه، وفي النهاية يعتبر الأفضل هو من تفوق في العدد الأكبر من تلك العوامل، ففي الرياضات الجماعية عمومًا وكرة القدم خصوصًا، تُعد عوامل ثبات المستوى، والقدرة على الحسم في الأوقات الحرجة، والتأثير المعنوي على مستوى الجماعة، من الصفات المُرجِحة التي يُلجأُ إليها عند تساوي المعايير الرئيسية كالمستوى الفني والإنجاز الجماعي، وعلى هذا الأساس سنبني اختياراتنا في “سلسلة الأفضل” التي سنبدأ اليوم في تقديم أول حلقاتها، والتي سنخصصها لحراس المرمى، الذين لطالما وُصفوا بأنهم نصف الفريق، ولمن وصفهم الحق في ذلك، فلا فريق قوي دون حارس مرمى متمكن، يدير دفة خط الدفاع من أمامه، ويحرم الخصوم من التسجيل إلا بشق الأنفس.
أساطين الحراس عبر التاريخ
إذا أبحرنا بعيدًا في أغوار التاريخ بحثًا عن عظماء حراس المرمى، يطالعنا اسم الحارس الإسباني الأسطوري ريكاردو زامورا الذي برز في حقبة العشرينيات والثلاثينات، ولازال اسمه مرتبطًا بجائزة أفضل حارس في الدوري الإسباني حتى الآن، وفي الحقبة ذاتها ظهر أيضًا التشيكوسلوفاكي بلانكا الذي اشتهر بتقدمه وانقضاضه على المهاجمين، وخلت حقبة الأربعينات من الحراس البارزين، فيما شهدت حقبة الخمسينات والستينات ظهور حراسٍ كبار يتقدمهم الأسطورة السوفييتية ليف ياشين الذي يُعد من أشهر أساطين حراس المرمى عبر التاريخ، وفي نفس الفترة برزت أسماءٌ أخرى كالأرجنتيني أماديو كاريزو والبرازيلي جيلمار، وكانت فترة نهاية الستينات والسبعينات شاهدةً على تألق عددٍ من أصحاب القفازات الذهبية، كالإنجليزي جوردن بانكس، والألماني سيب ماير، والإيطالي الفذ دينو زوف الذي قاد إيطاليا إلى الفوز بكأس العالم عام 1982 وهو ابن 40 عامًا.
وكان للقفازات العربية نصيبٌ من التميز العالمي، حيث صعد اسم الحارس المغربي بادو الزاكي في مونديال المكسيك عام 1986، ومن بعده المصري أحمد شوبير في مونديال 1990، كما لمعت أسماءٌ أخرى خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، كالسوفييتي رينات داساييف، والبلجيكيين جان ماري بفاف وميشيل برودوم، والإنجليزيين بيتر شيلتون ودافيد سيمان، والإيطالي والتر زينغا، والإسباني أندوني زوبيزاريتا، والبرازيلي كلاوديو تافاريل، والسويدي توماس رافيللي، إضافة إلى الأسطورة الدانماركية بيتر شمايكل الذي استمر في توهجه حتى نهاية التسعينات، وهي الفترة التي شهدت تألق الألماني الفذ أوليفر كان، ومعه الهولندي إيدوين فان ديرسار، إضافةً إلى الباراغواني المذهل خوسيه لويس تشيلافيرت، الذي تحول إلى هداف لمنتخبه عبر إتقانه تنفيذ الركلات الثابتة.
الألفية الجديدة جاءت بحراسٍ مازال توهجهم يخطف الأبصار حتى يومنا هذا، وعلى رأسهم الأسطورة الإيطالية الحية جيانلويجي بوفون، ونظيره الإسباني الرائع إيكر كاسياس، والتشيكي العملاق بيتر تشيك، فيما خفت بريق أسماءٍ أخرى ظهرت في الفترة ذاتها تقريبًا، كالفرنسي فابيان بارتيز، والبرازيلي نيلسون ديدا، والألماني ينز ليمان، الذين أنهوا مسيرتهم بالاعتزال، تاركين الفرصة لظهور أجيالٍ جديدةٍ من حراس المرمى الكبار، يتقدمهم الألماني المدهش مانويل نوير.
العشرة الأفضل
إليكم قائمةً بأفضل حرّاس المرمى في العالم في وقتنا الحالي، تتضمن نبذة مختصرة عن حياتهم وإنجازاتهم الرياضية، إضافة إلى أبرز الأسباب التي دعتنا إلى تصنيفهم ضمن قائمة الأفضل:
مانويل نوير(ألمانيا- بايرن ميونيخ)
من أبرز نقاط قوة ناديه البافاري ومنتخبه الألماني، حيث يدين منتخب المانشافت إليه بالفضل في إحراز كأس العالم الأخيرة، بتصدياته الإعجازية وقيادته لخط دفاعه، بل والتغطية على أخطاء مدافعيه، وكلنا يذكر كيف تحول إلى مدافع قشاش وأنقذ منتخبه من الهزيمة أمام الجزائر، اختير كأفضل حارس في العالم لعامي 2013 و2014 من قِبل الفيفا، كما نافس بقوة على جائزة الكرة الذهبية التي تُقدم لأفضل لاعب في العالم العام الماضي، وحل ثالثًا بعد كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي.
دافيد دي خيا (إسبانيا – مانشستر يونايتد)
لفت الأنظار إليه منذ بداياته في أتلتيكو مدريد، مما دعا السير أليكس فيرغسون إلى استقدامه إلى مسرح الأحلام مقابل مبلغ قياسي عام 2011، فحقق نجاحًا كبيرًا هناك وأصبح نجمًا جماهيريًا، من خلال مستواه المتصاعد وتصدياته الخارقة التي حافظ فيها على نظافة شباك فريقه في أحلك الأوقات، فاختير كأفضل حارس في الدوري الإنجليزي للموسم الماضي، وهو الآن مرشحٌ للانتقال إلى نادي ريـال مدريد الإسباني ليخلف زميله في المنتخب إيكر كاسياس.
تيبو كورتوا (بلجيكا – تشيلسي)
قدم أداءً بطوليًا خلال إعارته إلى أتلتيكو مدريد لموسمين، حيث أحرز معهم بطولة الدوري وتأهل لنهائي كأس الأبطال، مما أغرى مسؤولي تشيلسي ومدربه جوزيه مورينو باستعادته مطلع الموسم الماضي، لينجح بكل جدارةٍ في خلافة العملاق بيتر تشيك في مركز الحارس الأساسي للبلوز، والفوز مع فريقه بلقب الدوري الانكليزي، بعد موسمٍ خطف فيه الأبصار وانتزع آهات الإعجاب.
جيانلويجي بوفون (إيطاليا – يوفنتوس)
كل ما يمكن أن يُكتب عن هذا الحارس لا يمكن أن يفيه حقه، ويكفي أن نعرف بأنه اختير كأفضل حارس مرمى عبر تاريخ كرة القدم من قبل الاتحاد الدولي للتاريخ والإحصاء، لنعرف ماذا يعني بوفون لمنتخب بلاده الآزوري الذي قاده بكل اقتدار إلى لقب كأس العالم عام 2006، ولناديه اليوفي الذي مازال يعتمد عليه رغم سنوات عمره الـ37 التي لم تزده إلا لمعانًا وتألقًا.
كلاوديو برافو (تشيلي – برشلونة)
يبدو أن عام 2015 هو عام كلاوديو برافو، فقد أحرز خلاله كل البطولات الممكنة، سواءً مع ناديه برشلونة الذي أحرز ثلاثيةً تاريخيةً، أو مع منتخب بلاده تشيلي، الذي أحرز منذ أيام لقب كوبا أمريكا لأول مرة في تاريخه، حيث كان للكابتن برافو حصة الأسد في هذا الإنجاز التاريخي، من خلال أدائه الرائع الذي مكنه من الفوز بجائزة أفضل حارس في البطولة.
جو هارت (إنجلترا – مانشستر سيتي)
استطاع أخيرًا الوصول إلى مرحلة الثبات والاستقرار في أدائه هذا الموسم، بعد سنواتٍ من التذبذب والتردد، الذي أثر كثيرًا على مردود الحارس الأفضل في إنجلترا، ورغم عدم إحرازه للألقاب مع المان سيتي هذا الموسم، إلا أن الأداء الثابت والمنتظم الذي قدمه مع فريقه، أثبت أن مشروع نجوميته اكتمل، وأصبح ضمن قائمة أفضل حراس المرمى في العالم.
هوغو لوريس (فرنسا – توتنهام هوتسبير)
بعد سنواتٍ من التألق مع ناديه السابق ليون ومنتخبه الفرنسي، وجد لوريس نفسه احتياطيًا في أول مواسمه مع السبيرز عام 2012، ولكن الحارس الفرنسي انتفض في الموسمين الماضيين، وقدم أداءً ممتازًا، أهله لاسترجاع مكانته ضمن قائمة أفضل حراس المرمى العالميين.
إيكر كاسياس (إسبانيا – بورتو)
أشهر من أن يُعرف، حارس المرمى التاريخي للميرينغي ومنتخب اللاروخا، وصاحب الإنجازات التي يطمح كل لاعب كرة قدم بالوصول إلى نصفها، على الرغم من الأوقات السيئة التي مر بها مع الريال مؤخرًا، والتي قادته إلى الرحيل عنه بعد مسيرةٍ 16 عامًا، إلا أن ما قدمه الموسم المنصرم مع ناديه أثبت أنه مازال ضمن صفوة الحراس على مستوى العالم، وأن مسيرته الرياضية الحافلة لم تنته بعد.
سمير هاندانوفيتش (سلوفينيا – إنتر ميلانو)
رغم تدني مستوى ناديه الإيطالي العريق إنتر ميلانو خلال السنوات الماضية، إلا أن الحارس السلوفيني الشجاع استطاع الحفاظ على مستواه المرتفع الذي أهله للفوز بجائزة أفضل حارس في الدوري الإيطالي مرتين سابقًا، فاستحق البقاء ضمن قائمة الأفضل.
بيتر تشيك (التشيك – أرسنال)
أنهى أفضل حارس في العالم لعام 2005، موسمًا صعبًا مع ناديه تشيلسي خسر خلاله مكانه الأساسي الذي حافظ عليه لعشر سنوات، لصالح الحارس الصاعد كورتوا، ولكن المتابع العارف يعلم أن سبب ذلك لا يعود إلى انخفاض مستوى العملاق التشيكي، فهو أثبت أصالة معدنه في الفرص القليلة التي أتيحت له خلال الموسم، وهذا ما أدركه مدرب أرسنال أرسين فينغر، الذي وجد في تشيك ضالته، فاستقدمه إلى الجهة الأخرى من لندن ليصبح حارس “المدفعجية” الأساسي بدءًا من الموسم القادم.
أسماءٌ تستحقّ الإشادة
بالإضافة إلى قائمة العشرة أعلاه، تعج ملاعب الكرة العالمية بالكثير من حراس المرمى الذين يستحقون الذكر والإشادة، منهم من لم تسعفه الظروف للعب في أنديةٍ كبرى رغم جودته وخبرته، كالأمريكي تيم هاوارد، والبرازيلي دييغو ألفيش، والأرجنتيني سيرخيو روميرو، والسويسري دييغو بيناليو، والفرنسي ستيف مانداندا، والكرواتي دانييل سوبازيتش، ومنهم من لم تنضج تجربته بعد ومازال أمامه الوقت الكافي ليصل إلى القمة، كالكولومبي دافيد أوسبينا، والبلجيكي سيمون مينوليه، والإيطالي سلفاتوري سيريغو، والهولندي ياسبر سيليسين، والبوسني إزمير بيغوفيتش، إضافةً إلى الألمانيين الصاعدين أندريه تير شتيغن وبيرند لينو، والسلوفيني الشاب يان أوبلاك، كلها أسماءٌ واعدةٌ تنتظر الفرصة المواتية لتنقض على قائمة العشرة الأفضل في أقرب الآجال.