ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
عرف مقر إقامة السفير الفرنسي في مدينة المرسى بتونس العاصمة أجواء احتفالية تذكرنا بأجواء مهرجان كان السينمائي، حيث تجمع عدد كبير من الضيوف على الرصيف قبل أن يمروا أمام نقطة التفتيش الأمني، وارتدى الحضور أبهى حللهم ليُحيُوا هذه السهرة في هذا المكان الفاخر في الضواحي الشمالية للعاصمة تونس، ولم يبق إلا فرش السجادة الحمراء لتكتمل المراسيم، ونتيجة للهجوم الذي حصل في مدينة سوسة، وبموجب حالة الطوارئ التي تعرفها البلاد، أحاطت قوات الأمن التونسية بالمكان، كما تعددت نقاط التفتيش التي أمنتها القوات الخاصة.
في عام 2014، تسببت عبارة صغيرة من فرانسوا هولاند حول “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” في نوع من المقاطعة لسهرة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي التي دعا إليها سفير فرنسا في تونس، حتى أن بعض التونسيين أشاروا عبر صفحاتهم على موقع الفيسبوك أنهم قاموا بتمزيق الدعوات بسبب موقف الرئيس الفرنسي، ولكن بالنسبة لحفل هذه السنة فقد نسي الضيوف ما جرى السنة الماضية ليحتشدوا أمام البوفيهات التي لا تعد ولا تحصى بعد أن حصلوا على دعواتهم عبر موقع الواب للسفارة الفرنسية.
بداية الحفل على الساعة السابعة بعد الزوال
بدأ الحفل على الساعة السابعة بعد الزوال، بفتح زجاجات الشمبانيا في الحدائق الواسعة المطلة على شاطئ البحر المتوسط، ومع سياسة الاقتصاد في النفقات التي انتهجتها الحكومة الفرنسية، فقد أمنت هذا الحفل ثلاثون مؤسسة راعية، لتتعدد المأكولات والمشروبات، فها هي الشركة الفرنسية لصناعة السيارات “سيتروين” تعرض إحدى سياراتها على عشب الحديقة، كما حضر مزارع كروم ليعرض منتجاته من النبيذ الفاخر إلى جانب حضور مؤسسات كبرى مختصة في بيع المرطبات والشوكولاته، كما لقيت بعض المقبلات من لحم الخنزير استحسان الحضور، إنها حفلة لديزني لاند لجمهورية علم الألوان الثلاثة.
وامتزجت البرجوازية التونسية مع الدبلوماسية الدولية، من اليابان إلى إيطاليا مرورًا بإنجلترا، حيث يتبادل الحضور وجهات النظر حول الوضع في البلاد، مع تبادل بطاقات العمل، ومع تقديم بعض النصائح حول أحسن الفنادق التي تزخر بها البلاد والتي يمكن زيارتها خلال عطلة الصيف، إنه كرنفال لكبار الشخصيات، فلا عداوات وإنما يتم تجنب مقابلة الشخص غير المرغوب فيه من خلال التنقل بين حلقات الضيوف، هذا ما يحدث في الساحة، أما ما يجرى وراء الكواليس، فتعقد الاجتماعات على انفراد، حيث تعتبر احتفالات 14 يوليو تمثيلاً للدبلوماسية الفرنسية النشطة.
مقياس للعلاقات الفرنسية – التونسية
تأخر إلقاء مداخلة السفير الفرنسي في تونس التي كان من المقرر أن تكون على الساعة التاسعة مساءً، فقد تم إعداد المنبر الذي سيلقي منه سعادة السفير كلمته، إلا أن مكتب الإعلام في السفارة بقي ينتظر وصول الضيوف المرموقين وعلى رأسهم رئيس الحكومة التونسي، الحبيب الصيد، الذي كان يرافق السفير الفرنسي في تونس فرانسوا غويات خلال إلقاء هذا الأخير لكلمته التي أكد فيها على علاقات “الصداقة” و”الدعم” بين البلدين، وذلك بهدف تهدئة الأمور في هذا السياق المعقد في أعقاب دعوة السلطات البريطانية رعاياها لمغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
ولم تغير فرنسا من توصياتها بشأن الوجهة التونسية، على الرغم من مقتل 38 سائحًا في نزل أمبريال مرحبا بمدينة سوسة، وهذه هي السنة الرابعة منذ تولي السفير الفرنسي فرانسوا غويات منصبه في تونس، وهو ما يؤكد اهتمام وزارة الخارجية الفرنسية بالشأن التونسي والذي تعتبره من أولوياتها، فالسفير الفرنسي فرانسوا غويات يتقن اللغة العربية وهو خبير في الشأن العربي.
بقاء السفير غويات هو إشارة قوية
تمر تونس بأزمات اقتصادية وأمنية واجتماعية وحتى أزمة هوية، ما يستدعى اهتمامًا خاصًا بالوضع في تونس من الجانب الفرنسي وما يجعل تنصيب السيد غويات في منصب سفير فرنسا في تونس اختيارًا صائبًا باعتبار خبرة هذا الرجل، وهو ما دفع بوزارة الخارجية الفرنسية إلى الإبقاء عليه في منصبه بالرغم من الشائعات حول إمكانية مغادرته تونس، كما حضر هذا الحفل وزراء سابقين من حركة النهضة، مع أنصار الرئيس السبسي، وصحفيين وممثلي السفارات المجاورة، والاتحاد الأوروبي.
عند منتصف الليل، كان هناك حشد على حلبة الرقص المقامة على الحجارة القديمة في ركن الحديقة، وعلى الرغم من الأجواء المشحونة بسبب العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت تونس إلا أن الجميع كان راضيًا، كما تم تحقيق نجاح في عدد الحضور الذي بلغ 3000 شخص على 8000 دعوة تم إرسالها، وهذا مقياس للعلاقات التي تجمع البلدين، التي يرى فيها التونسيون إشارة مطمئنة.
المصدر: صحيفة لوبوان الفرنسية