كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن أزمة كبيرة داخل العائلة المالكة السعودية على وشك أن تنتقل للعلن، بعد أن اتهم أمير كبير أميرا آخر بتنسيق عملية اختطافه، وتخديره وترحيله القسري من سويسرا.
ففي خطوة غير مسبوقة تقدم الأمير سلطان بن تركي بشكوى جنائية في سويسرا ضد ابن عمه الأمير عبدالعزيز بن فهد، وكذلك الوزير الحالي للشؤون الإسلامية صالح الشيخ، حيث يدعي بن تركي أنه أُصيب بجروح خطيرة نتيجة عملية الاختطاف التي جرت في يونيو من عام 2003.
ووفقا لمحامي الأمير سلطان، فقد أمر المدعي العام السويسري بإجراء تحقيق جنائي في هذه القضية، حيث تم تقديم شكوى نيابة عن الأمير في جنيف.
حاولت صحيفة الغارديان من جانبها الاتصال بالأمير عبدالعزيز والوزير الشيخ بشكل متكرر، كما أرسلت طلبات للتعليق على الخبر لسفارات المملكة في لندن وجنيف وإلى جناح الأمير عبدالعزيز في فندق جورج الخامس في باريس.
وكان الرد الوحيد الذي حصلت عليه الصحيفة البريطانية من المستشار الإعلامي لسفارة المملكة في لندن حيث قال إن طلبه تم توجيهه إلى الأشخاص المعنيين، مؤكدا أن “هذه ليست قضية سفارة المملكة ولا وزارة الخارجية، لكنها قضية شخصية بين الأمراء”.
الأميران المتخاصمان، أحدهما هو ابن الأمير سلطان، حفيد الملك المؤسس، وقد عُرف عنه أنه صوت نادر داخل العائلة من المطالبين بالإصلاح، أما الثاني فهو ابن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز والذي حكم البلاد بين 1995 و 2005
وتعود الأزمة إلى وقت مبكر من 2002 عندما بدأ الأمير سلطان باتهام وزارتي الدفاع والداخلية بالفساد، وفي مايو 2003 أعلن أنه سوف يعقد ندوة عامة في جنيف للكشف عن مدى الفساد في وزارة الدفاع. وبعد شهر، قام بحضور فعالية داخل قصر مملوك لأفراد من العائلة السعودية في مقاطعة كولون-بيليريف السويسرية بالقرب من جنيف، مع المتهمين الاثنين، عبدالعزيز بن فهد وصالح الشيخ.
وبعد حوار خاص مع المتهمين الاثنين، يقول الأمير سلطان إن خمسة رجال ملثمين ظهروا من وراء الستائر وبدأوا بمهاجمته وضربه حتى أُغمي عليه.
صورة القصر الذي اختُطف فيه الأمير سلطان بن تركي والمملوك لأمراء من العائلة السعودية بالقرب من جنيف
يروي الأمير أنه تعرض للتخدير، ونُقل إلى طائرة تنتظر في مطار جنيف حيث نُقل جوا إلى الرياض. كما أنه عانى من مضاعفات طبية وظل في حالة حرجة لمدة خمسة أيام في العاصمة السعودية. وبعد ذلك وُضع سلطان في حراسة أمنية مشددة داخل سجن الحائر حيث بقي هناك لعدة أشهر، قبل أن يُسمح له لاحقا بالعودة إلى منزله في الرياض، ويوضع تحت الإقامة الجبرية.
ولم يتحدث الأمير سلطان إلى الإعلام بشكل علني سوى مرة في 2004 حيث أعطى تصريحا لقناة الجزيرة، إلى أن جاء عام 2010 حيث نُقل إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج. وطبقا للأمير، فقد استطاع تجاوز الحراسة المفروضة عليه وقام بالهرب في نهاية 2010، ومنذ ذلك الحين بدأ في التخطيط لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد أولئك الذين اختطفوه.
ومنذ أن علم والده الأمير تركي بن عبدالعزيز بما جرى لابنه، بدأت جولة من تبادل الاتهامات داخل العائلة السعودية، إلا أن الدعوى العلنية كانت متوقفة لأسباب كثيرة.
لكن مع التغييرات الأخيرة في موازين القوى داخل البيت السعودي، ومجيء الملك سلمان على رأس السلطة، وهو أحد السديريين السبعة، والذين من ضمنهم أيضا الأمير تركي، والد سلطان، تبدو الدعوى القانونية على وشك المُضي قدما في سويسرا، حيث أن الأمير عبدالعزيز (والذي ينتمي للفرع السديري أيضا في العائلة) لا يتمتع بنفس القدر من الدعم داخل العائلة.
وقد قدم الأمير سلطان سجلات طبية تدعم شكواه، كما يُتوقع أن يتم سماع إفادات الشهود، على الرغم من أنه من التوقع أن يكون من الصعوبة بمكان إجبار المتهمين الاثنين على التحدث مع السلطات القضائية السويسرية.
وإلى جانب الاتهامات الجنائية، قال الأمير سلطان إنه سيطلق دعوى مدنية للمطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت به.
ورغم تعدد الأزمات داخل العائلة المالكة السعودية، لا سيما مع العدد الكبير من منتسبيها والذي يُقدر بالآلاف، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اتهام عضو بارز من العائلة بجريمة على هذا القدر من الخطورة أمام محكمة أوروبية.
القضية يمكنها إشعال فتيل خلاف دبلوماسي بين سويسرا والسعودية، حيث يقول الأمير سلطان إن العديد من الأجهزة السعودية تآمرت على خطفه بما في ذلك المخابرات العامة ووزارة الداخلية وسفارة المملكة في جنيف والخطوط الجوية العربية والسعودية وكذلك بعض الأمراء الأكثر نفوذا وتأثيرا في العائلة.
ووفقا لمحامي الدفاع، فقد بدأ المدعي العام السويسري بالفعل في استجواب الشهود الذين كانوا مع الأمير في زيارته إلى كولون بيليريف في 12 يونيو 2003.
والأمير سلطان، يبلغ من العمر 47 عاما، وهو حفيد الملك المؤسس للسعودية، وظهر إلى المجال العام لفترة وجيزة في عام 2002 حيث ندد بالفساد وأصدر نداء مطالبا بالإصلاح. كان والده الأمير تركي على خلاف مع العائلة المالكة وعاش في المنفى في القاهرة والولايات المتحدة لسنوات عديدة.
أما الأمير عبدالعزيز فيبلغ من العمر 42 عاما، وهو أيضا حفيد لابن سعود، والابن المدلل للملك الراحل فهد، الذي حكم السعودية لعشر سنوات. اهتماماته تجارية بالأساس، حيث تشمل شركات مثل سعودي أوجيه، وشبكة إم بي سي، ويقال إن لديه محفظة عقارية بأكثر من مليار دولار في الولايات المتحدة. لديه أسطور من الطائرات الخاصة، ويوصف دوما بأنه المسرف وتشتهر عنه صورة الفتى اللعوب.