انعكست هذه المناخات المختلفة بوضوح على نفوس الناس، وعلى طبيعة ومستوى تحركاتهم، فأصبح قـدوم العيـــد عند بعض العراقيين في هذه الايام يمثل مصيبة من نوع اخر، تتلخص هذه المصيبة بمواقف وذكريات تعلق في ذاكرة بعض العراقيين ناهيك عن حسرة بعض العوائل المفتقرة الى الامن واجواء العيد من فرحة وسرو، فظلا عن ما تمر به بعض الاسر من فقر وامكانيات محدودة سلبت الفرحة من وجوه افراد عوائلها في بلد تتنوع فيه الخيرات وتقل فيه اجواء الفرح والمسرات !
من سنن الله في كونه ان جعل للمسلمين اعياد تسبق بعبادات وطقوس دينية سامية ذات معنى مغزى ديني عميق، ترتبط هذه الاعياد بطقوس وتقاليد مختلفة من منطقة الى اخرى، تتفق طقوس المسلمين في اعيادهم بعيدا عن التقاليد في مختلف البلدان على نسك محددة شرعها الاسلام ضمن منظومته الراقية، هذه الطقوس والعبادات والنسك بمختلف محطاتها هي ذاتها دون نقص متواجدة في العراق !، الا ان هناك ما يميز هذا العيد في محطات من العنف والفتن وسفك الدماء، وذكريات من ايام المحن خلدت في ايام العراقيين، وحقوق سلبت يأبى اصحابها النسيان .
في العراق ينظر للعيد ومن بعيد فقط! حيث لا معنى للعيد ولا فرحة فيه، فالعراقيين في دوامة عنف يومية لا يجـدون من يلتفـت اليهـم في مصائبهم اليومية! وخلاصة الأمر إن العيد فـي مفهوم اغلب العراقيين هـو يوم للنفـس فقط، ينظر اليه نظرة تقليدية فقط، ويمارس طقوسـه بطريقة تغيب فيها اجواء الفرحة الجماعية تظم العوائل وتحتضن ابنائهم في اغلب المناطق لأسباب امنية كثيرة !
فبعد ان كانت للأعياد معانيها السامية ومغزاها العميق، بطقوسها وتقاليدها في كل بقعة من بقاع العالم، غير ان تلك الاجواء لم تطرق ابواب العراقيين كما ويصاحب العراقيين في مصائبهم هذا العام بلدان اخرى من بلدان الوطن العربي فبعد التدهور في العراق بعد عام 2003 وما تلاه من ربيع عربي عمت الفوضى والظلم في انحاء كثيرة من بلدان الوطن العربي
كثيرة هي المواقف والاحوال التي يمر بها العراقيين و ما يضاف الى مراسيم العراقيين في اعيادهم هو نفسه ما يمرون به يوميا من الفوضى التي تكتنف حياتهم من زمن بعيد، فمن ذكريات عيد الاضحى المبارك وابرزها هو ما حدث في عيد الاضحى في نهاية عام 2006 ، وهو الحدث الابرز من تاريخ العراق ومحطات التغيير فيه، هي ذكرى اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ولما لهذا الحدث من تطورات تلازمت مع الحدث سيبقى العراقيين منقسمين في نظراتهم وتفاسيرهم نحوها، وبين مؤيد ومعارض تكثر التحليلات وتتنوع اساليب الكلام واتخاذ المواقف في مجتمع يصعب فيه ان يجتمع الشعب على رجل واحد مهما كان صلاحه وورعه وتقواه ! اسباب كثيرة لنتائج واقعية ومريرة يتحمل اعبائها العراقيين يوما بعد يوم والى يومنا هذا !
جرب غيري تعرف خيري.. مثل عراق قديم يتندر به العراقيين في مجالسهم وهو نفسه ما اصبح مقياسا دقيقا للمقارنة بين الماضي والحاضر لتستنتج منه المستقبل، ففي عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي تحل ذكرى اعدامه هذه الايام كان الوضع اكثر امنا واستقرارا مما هو عليه الان، وهو ما يتفق عليه الجميع هنا بغض النظر عن تصرفات النظام السابق ومواقفه المختلفة في المنطقة، مواقف متنوعة وجريئة يأخذ الكثير من العراقيين تحفظات عليها، وفي نفس المواقف يفتخر الاخرون بما انجزوا بهذه المواقف! ولكن يتفق الجميع هنا انه؛ نعمتان خفيتان هما؛ الصحة والامان !
لم اشأ التذكر بهذه الذكرى ولكن لابد من ان يعيد الانسان النظر في محطات حياته فهل كل ما حدث للعراق بعد ان اعدم من كان يحكمه بقبضة من حديد كما يسميه البعض هنا، كان محط عبرة وعظة استفاد منها السياسيين والمسؤولين على ادارة هذا البلد؟ ام انها مجرد تحارب على سلطة فانية يخسر فيها الجميع والخاسر الاكبر هو ابناء هذا البلد؟
اكتـب هذه المرة وبطريقة مختلفة عن العيـد، واشـعر بأن ما يجـري حولي من أحداث ، قد سـلبت الفرحة من وجوه الكثيرين، اكتب عن العيد وقد وضعـت الحواجز بين العراقيين فتن ومحن تمنعهم الوصــول الى العيـد السعيد، العيد الذي يرتبط معناه بالسرور غاب طويلا عن حياة العراقيين ولا يزال غائبا مستبدلا بأعمال العنف وعجز الحكومة العراقية عن توفير الامن والامان لرعاياها .
ويبقى المعنى الحقيقي للعيد في العراق هو ما يصبو اليه الجميع هنا وحين يعيش المواطنون في حرية حقيقية تعتمد على الصدق والحق والشعور بالأمان، والعيد الحقيقي لكل ارجاء الوطن العربي عندما يتخلى حكامنا عن الظلم والاستبداد، ويأمل العراقيين هنا بان يعم الامن والامان بلادهم وجميع بلاد العالم العربي والاسلامي، وان يكون العيد المقبل بأذن الله عيد موحدة فيه صفوف الامة الاسلامية وقد رفع عنها البلاء والوباء .. وكل عام وانتم بألف خير !