بدأ الحديث منذ فترة عن إمكانية انزلاق الإخوان المسلمين إلى خيار العنف في حال استمرار التصعيد الذي تمارسه السلطة المصرية ضدهم، خصوصًا مع بدء التحضير لمرحلة إعدام الرئيس السابق مرسي وقيادات إخوانية، من خلال تبني حملة تهدف إلى شرح أسباب وملابسات هذه الأحكام للخارج وتهيئتهم لتقبل هذه النتائج دون إحداث ضجة من شأنها أن تزعج النظام المصري الحالي.
والكلام عن انزلاق محتمل للإخوان للعنف مبني على شواهد فعلية وعلى تجارب مماثلة للحالة المصرية، فمن المعلوم أن هناك اتجاهًا قويًا لدى القاعدة الشبابية نحو المواجهة، ورغم أن المصطلح فضفاض ويحتمل عدة أمور إلا أنه يشير ضمن أمور أخرى إلى الاعتماد على الشغب واستهداف المنشآت والتسبب في خسائر تؤدي إلى استنزاف قدرات النظام على أساس أن هذا الأسلوب أكثر فعالية، وأيضًا لتحقيق القصاص العادل نظرًا لما يُصب على مناضلي الجماعة من ألوان القمع والاعتداء، ويبدو أنه بالفعل قد حدثت عدة انشقاقات قد لا تعد بالأمر الجلل لكنها تحمل دلالة هامة، إذ لجأ هؤلاء المنشقون الى خيار المواجهة الذي كانت تصر القيادات الإخوانية على تفاديه.
تفادي الإخوان لخيار العنف مبني على تجربة سابقة للجماعة التي تحملت تكلفة باهظة نتيجة اللجوء إلى الأساليب غير السلمية في فترة سابقة؛ مما تسبب في تعرضها لمزيد من التنكيل والتهميش، إضافة إلى أن العنف سيؤدي إلى فقدانها الأساس الأخلاقي الذي كانت تتمتع به ضد نظام السيسي الذي كان يستخدم القوة الباطشة ضد مدنيين عزل، ومن ثم ستخسر تعاطف الشارع وحتى المعارضة المدنية الأخرى التي تقف في صفها، هذا إضافة إلى أن الخسائر التي تنتج عن اتباع خيار العنف لا يمكن التحكم بها مطلقًا، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى الانجرار نحو حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس وتمزق مصر، كما أن الرجوع إلى الحالة الأولى ما قبل النهج العنفي لن تكون ممكنة.
لكن رغم كل الأسباب المنطقية السابقة التي تجعل النهج السلمي هو الأكثر أمنًا للجماعة مازال التيار المنادي نحو الصرامة في المواجهة قويًا للغاية حتى إنه كان يتحكم بمجريات الأمور أحيانًا دون الرجوع إلى القيادات ولم يكن على أعلى الهرم سوى التأكيد على مبادئ الإخوان ونبذ العنف ورفضه والتبرؤ منه، إذن لا بد أن قضية الخيار الأنسب لتحقيق أهداف الإخوان يعد موضوع جدل أساسي لكن احتمالية الاستسلام لخيار العنف ليست الأزمة الوحيدة التي تعصف بالإخوان.
فلقد عانى تنظيم الإخوان طوال مراحله من أزمات مختلفة تختفي بعضها حينًا ثم تعود للظهور، لكن أهم هذه الأزمات هي تلك المتعلقة بالوضع القانوني للتنظيم أو مسألة الشرعية؛ فالتنظيم مثلاً كان محصورًا في عهد مبارك والفترة الوحيدة التي استطاع أن يبزغ فيها للنور كانت ما بعد ثورة يناير إذ تمكن من إنشاء حزب سياسي هو الحرية والعدالة وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية علنًا في حين كان مناضلو الإخوان سابقًا يتسللون إلى البرلمان بصفة مستقلين، الأمر نفسه يعود للظهور مجددًا الآن بعد عزل مرسي واعتبار التنظيم إرهابيًا، أصبح من غير الممكن للإخوان أن يمارسوا الحياة السياسية من خلال القنوات الرسمية وهو ما فرض عليهم فكرة التثوير الدائم للمطالب وظهور الرغبة المستمرة لإسقاط النظام وليس العمل من داخله، طبعًا المتسبب الرئيسي في تجديد هذه الأزمة ليس الإخوان أنفسهم ولكنه النظام الذي أراد إقصاءهم بصرامة، الأمر لم يقتصر على هذا فقط فحتى الأدوات الإعلامية للإخوان مهددة، إذ تم إغلاق عدد من القنوات والتضييق على الأخرى، انطلاقًا مما سبق لو كان لدى الإخوان رغبة بالعودة مجددًا إلى الحياة السياسية عن طريق انتخابات البرلمان مثلاً هل سيحظون بفرصة مماثلة لما حدث في فترة حكم حسني مبارك؟ الإجابة أبعد ما تكون عن الإيجاب، فالأوضاع أصبحت أسوأ بكثير بعد حكم السيسي.
كما يعاني التنظيم أيضًا من مشكلة في التكيف؛ فهو يتغير ببطئ شديد في حين أن نظام السيسي يحكم قبضته بشدة على أمور السياسة في البلاد ويجرد الإخوان والمعارضة المدنية من أدواتها التي تتمتع بقدر من الفاعلية، فقانون التظاهر وقانون مكافحة الإرهاب يعتبرا جزءًا من إستراتيجيته لشرعنة الاستبداد في مقابل تجريد الإخوان من ذلك، ولا يبدو أنه يوجد لدى الإخوان خطط بديلة، فكفاح الإخوان الأساسي كان يعتمد على الحشد والتظاهر في الميادين الكبرى والضغط من خلال هذه الوسائل، إضافة إلى عدم قدرتهم على التعامل مع الاستهداف المنهجي لمواقعهم داخل النقابات أو مؤسسات الدولة، حيث يتم فصل الإخوان من مناصبهم ومنعهم من الترقي داخل مؤسسات الدولة خاصة الأمنية.
هناك مسألة أخرى تتعلق بتراث التنظيم السري لجماعة الإخوان وتأثيره على ثقافة التنظيم وأدائه؛ فيبدو أن الاستبداد الممارس ضد الإخوان ترسخ داخل أجهزتهم وأثر عليها، فالتنظيم يحتاج إلى الديموقراطية الداخلية من أجل ضخ دماء جديدة له في حال شغور مناصب القيادات الحالية وهو ما يهيئ له الاستمرار رغم العوامل الخارجية المؤثرة، كما أن التنظيم لم يول أهمية للحفاظ على المناضلين، وإذا كانت هذه الإستراتيجية التي مكنت إخوان الجزائر من الاستمرار وعدم التورط في أحداث التسعينات من خلال اتباع القيادات تكتيكات تهدف إلى عدم تكليف القواعد بأي مواجهات غير ضرورية تؤدي إلى الاعتقال أو إلى إجراءات تعسفية نحوهم؛ فإن إخوان مصر يتم الدفع بمناضليهم وناشطيهم بشكل يومي تقريبًا في وجه قوات الأمن، وقد تم التفاؤل بعد تعيين محمود عزت مرشدًا عامًّا مؤقتًا للجماعة بأن الإخوان سيغيرون نهجهم هذا لكن هذا لم يحدث، ما حدث بالضبط هو نقل جزء من قيادات الإخوان نحو الخارج حتى لا يتم استهدافهم مع الإبقاء على نفس الخط والخطاب في الوقت الذي يتحمل فيه الشباب التكلفة الباهظة من الاعتقال والاختفاء القسري وحتى القتل في ظل عدم وجود أي أمل للتهدئة من قِبل نظام السيسي وهي أحد الأمور التي تغذي الرغبة في القصاص العنيف والانتقام حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بمصالح المدنيين.
الأمر الأخير يتعلق بخسارة الإخوان تعاطف أحزاب المعارضة من خلال تفكك التحالف من أجل الشرعية وهو ما أفقدها ثقلاً جماهيريًا، وقد كانت أحد أهم أسباب انفجار التحالف من الداخل فكرة لجوء بعض القواعد الإخوانية للتصعيد في حين أصبحت القيادات تفتقد للسيطرة على هذه النزعة.
في المقابل هناك دعوات صادقة من داخل الإخوان من أجل مراجعة ما سبق ووضع إستراتيجية متماسكة للتعامل مع مقتضيات المرحلة خصوصًا أن الأمور تزداد صعوبة وتدهورًا يومًا بعد يوم، وأيضًا لأن غياب الخطط هو ما أدى إلى استنزاف الإخوان في الفترة السابقة وظهور نزعات منادية إلى الاعتماد على العنف وتصعيد المواجهة وهو إن حدث سيؤدي إلى ضرب الحركة في مقتل ومنح شرعية تامة للسلطة المصرية لمواجهة الإخوان بكل الأساليب الممكنة، كما أنه سيؤدي إلى ارتدادات سيئة للتنظيم العالمي ولامتداد الجماعة في باقي الدول ولعل أزمة الإخوان في الأردن خير دليل كيف أن الأمور شديدة الترابط والتشابك والتأثير.