إلقاء القبض على الطالب عبادة أحمد جمعة المتهم بتصنيع الأسلحة والذخائر بمدينة نصر، هكذا عنوَن صحفيٌ بجريدة الوطن المصرية المعروفة بتبعيتها للنظام الأمني في مصر خبر اعتقال عبادة جمعة، لكن يبدو أن الصحفي قد غفل أن هذا الطالب عمره 16عامًا أي مازال لم يصبح راشدًا في نظر الأوراق الحكومية، أو نسي أن الصور التي أرسلها الأمن للصحيفة هي لطفل موثق الأيدي، أمامه “شنيور، مفكات، إسبراي” وهي آلات بالطبع لا تُفيد باستخدامها لِص غسيل مبتدأ لا صانع أسلحة افتخرت الداخلية المصرية العظيمة باعتقاله.
لا أريد سرد حكايات الأطفال القابعين داخل مقرات الاحتجاز في مصر بلا سبب “منطقي” يذكر، فالعالم كُله يعلم ما يحدث للأطفال منذ انقلاب يوليو الفاشي، على الهامش ربما يمكننا القول إن مصر أصبحت منطقةً خطرة على الأطفال نتيجة ما يحدث من انتهاكات بحقهم ربما تصل إلى الاغتصاب، أو تعليقهم لأيام دون أي رحمة.
أمثال عبادة داخل المعتقلات المصرية كثيرون، كثيرون جدًا إن أردت الدقة، وقصتهم واحدة أو متشابهة على الأقل، يُعتقل من الشارع، يُعذّب، يعترف على نفسه وأصدقائه، يُسجن إلى ماشاء الله، قصة متكررة، لكن في النهاية طالت المدة أو كثُرت هل تعلم عزيزي الضابط المسؤول عن انتهاك طفولة هؤلاء الفتية، حين يخرج هذا الطفل من زنزانته أين يكون مكانه في المجتمع، في أي الصفوف سيقِف، مع أي التجمعات سيكون نصيبه، لا أريد إجابتك إذًا، ما أريده هو أن تتخيل معي هذا المشهد قليلًا.
غرفة مظلمة، دخان في كل مكان، ذكرٌ ثلاثيني العمر مسؤول عن تعذيبك، يبدأ هذا الذكر في عمله المعتاد وهو انتهاك إنسانيتك أنت وغيرك، ثم شاء القدر ورأيت هذا الذكر خلال انتظارك عبور الشارع في إحدى إشارات مرور العاصمة، تُرى ما ستكون ردة فعلك؟
صحيح! أعتذر عن هذا الخطأ الدرامي، فأنتم تعصبون أعين معتقليكم حتى لا يرونكم فيفعلون بكم ما تفعلون بهم حين يخرجون، لكن هذا أشد ضررًا عزيزي الضابط، فهو لا يعلمك ولا يعلم من أنت، لكنه يعلم أين عُذب واُنتهكت إنسانيته، فلن يُفرّق بين من فعل ومن لم يفعل بل سينتقم من المنظومة كلها، أبشر.
أبي – رحمه الله – كان كُلما رأى طفلًا من أطفال الشوارع كان يقول جملة واحدة: “سيكون هذا قنبلة موقوتة في المجتمع”، لم أعِ هذا المشهد إلا حينما رأيت هؤلاء حين الانفلات الأمني إبان الثورة وهم يأتون على الأخضر واليابس في أنحاء القاهرة، فهم جوعى منذ زمن، وقد جاء الوقت ليشبعوا ممن جوعهم – هم يقولون ذلك -.
الآن ما يقوم به السيسي والنظام الأمني في مصر على كُل الأصعدة لن يُخرج إلا قنابل موقوتة، تأخذ حقها ممن ظلمها حتى وإن كان فيه إنهاء حياتها، المظلوم لا ينسى مظلوميته ما حيي أبدًا حتى يُشفى غليله، وتنطفئ ناره، طفلٌ عُذب واُغتصب وهُدد باغتصاب أمه وأخته، لو خرج من السجن صباحًا وانضم لولاية سيناء وفجر نفسه في قسم للشرطة، هل أقدر أنا أو أنت أن نلومه على ما فعل، منع ردة الفعل المتفجرة يأتي بمنع الفعل القمعي ذاته، واستمرار غياب القانون يعني استمرار شريعة الغاب، ولا أستطيع أنا أو أنت أن نمنع مظلومًا انتهك القانون ليأخذ حقه من ظالم، هذا ليس عدلًا بالتأكيد.
صناعة هذه الكارثة البشرية يؤذن بحربٍ أهلية لن تُبقي ولن تذر، يوميًا يزداد العنف في مواجهة السلطة كلما زادت السلطة في قمع معارضيها، وقف هذا القمع وآلته ومحاسبة القائمين عليه حسابًا عادلًا يضمن للمظلوم قصاصه الذي يرضيه هو الضامن الوحيد لوقف عجلة الزمن السريعة للغاية التي ستؤدي بمصر لحرب أهلية.
هي معادلة يعرفها كُل ذي عقل، القمع لا يأتي إلا بفوضى، فليتوقف القمع أو لا تلوموا الضحايا على فوضاهم.