كثر الحديث مُؤخرًا عن وجود أزمة دبلوماسية صامتة بين الجزائر وتونس على خلفية توقيع تونس لاتفاق تعاون عسكري مع واشنطن، وتقديمها لطلب عضوية في حلف شمال الأطلسي.
ورغم غياب مُؤشرات واضحة تنفي هذه القراءة أو تُعزّزها، اعتمدت أغلب التحليلات على ما تم رصده من تحركات لدبلوماسيين تونسيين وجزائريين بالإضافة لما تداولته بعض وسائل الإعلام القريبة من هذه السلطة أو تلك فيما يشبه تخاطبًا غير مباشر بين الدولتين.
أصل المشكل المُحتمل
انطلق مسار إمضاء هذه الاتفاقية في مايو الماضي مع إعلان الرئيس الأمريكي أوباما عن نيته منح تونس مكانة “الشريك الرئيسي من خارج الحلف الأطلسي” خلال زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي واشنطن.
وجاء التأكيد مع إعلان الإدارة الأمريكية، الأسبوع الماضي، استكمال إجراءات منح تونس وضع حليف رئيسي خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتصبح بذلك الحليف السادس عشر الرئيسي للولايات المتحدة.
وجاء في بيان صدر عن الخارجية الأمريكية، أن اعتبار تونس حليفًا رئيسيًا خارج الناتو يشير إلى العلاقات الوثيقة التي تربط بين الولايات المتحدة وتونس.
بدوره قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي في بيان إن “مكانة الشريك الرئيسي من خارج الحلف الأطلسي تؤكد على ما أسماه دعم بلاده لقرار تونس بالانضمام إلى ديموقراطيات العالم”، مشيرًا إلى أنه من شأن هذا الأمر أن يمنح تونس”امتيازات ملموسة، من بينها أن تصبح مؤهلة للتدريبات ومنحها القروض في إطار التعاون في مجال الأبحاث والتطوير”.
وليست تونس الأولى عربيًا التي تمضي هكذا اتفاق، حيث سبقتها إلى ذلك كل من مصر والمغرب والبحرين والأردن والكويت وتكون بذلك السادسة عربيًا وهي رقم 17 دوليًا.
وبحسب مختصين في العلاقات الدولية، لا يوجد انعكاس مباشر لهذه الاتفاقية على الأرض كما أنه لا يلزم الشريك، أي تونس، بأي شيء، بل ستمكنها (تونس) من الاستفادة من المخزون الإستراتيجي الأمريكي خاصة في السلاح والتدريبات وكذلك الحصول على تمويل أمريكي.
حساسية الجزائر من التواجد العسكري الأجنبي
وبالرجوع إلى تاريخ الجزائر وخاصة فترة العشرية السوداء، نجد أنها استماتت في رفض التواجد العسكري الأجنبي ولو كان بعنوان المخلّص والمنقذ وهو ما لن تستسيغه الآن وهي في وضع أفضل نسبيًا وإن كان حال الجيران متقلبًا.
ورغم غياب التحفظ الرسمي على هذه الاتفاقية، بادرت الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري لويزا حنون، بالتهجم عليها وعلى النظام التونسي جملة، إذ قالت إن الهدف من زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى واشنطن هو تمكين الولايات المتحدة من إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في تونس، واعتبرت ذلك “تهديدًا مباشرًا للجزائر، من شأنه أن يجعل الحصار شاملاً حولنا من كل الحدود التي تحيط بنا”.
رسائل إعلامية غير مباشرة
وعند الاطلاع على بعض المواقع الإعلامية الجزائرية التي تابعت الملف، نجد أن موقع “الإكسبرسيون” الناطق بالفرنسية مثلاً، يعتبر أن هذا التقارب التونسي الأمريكي لا ينظر له بالضرورة على أنه “إيجابي بالنسبة للمنطقة”، مذكرًا بأن دور الناتو كان سلبيًا جدًا في المغرب الكبير وسببًا في الاضطرابات التي شهدها بعد سقوط نظام القذافي وما قد يترتب عنه من توسع لتنظيم “داعش”.
واعتبر الموقع ذاته أن من سخرية القدر أن يتسبب الناتو “في خلق الفوضى في بلد ثم يعرض تقديم الدعم لجاره”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن جزءًا من الطبقة السياسية التونسية ترى في التقارب بين بلدها وحلف شمال الأطلسي محاولة من الأخير للحفاظ على نفوذه في “المنطقة التي قام بالاعتداء عليها”.
ويستطرد الموقع بالقول إن الجزائر، التي “تغار على سيادتها”، لم يحمل لها هذا التحول الإستراتيجي في المنطقة أي بشائر وأنه من الواضح، بالنظر إلى العمليات التي يقوم بها الناتو والقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) في البلاد، أن سيناريو إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في جنوب الجزائر أصبح مستبعدًا، وبالتالي فإن تونس “الصغيرة”، بحسب توصيف الموقع الجزائري، قد تشكل خيارًا بديلاً من أجل توفير موقع متقدم للولايات المتحدة في أفريقيا.
من جهة أخرى، ورد في تقرير على قناة KBC الجزائرية الخاصة عن تأزم للعلاقات على خلفية رفض تونسي لالتماس جزائري يتعلق بمشروع التعاون الأمني بين أمريكا وتونس.
قبول تونس بالتعاون الأمريكي يحرج الجزائر
وأشارت بعض التحاليل إلى رفض سابق صدر من الجزائر بخصوص إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي الجزائري ضمن برنامج “أفريكوم” (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا) لدواعٍ دستورية باعتبار أن الدستور الجزائري يمنع إقامة مثل هذه القواعد.
كما أرجعت رفض الجزائر لحادثة سابقة عندما تقدمت “الجارة الكبرى” بطلب شراء طائرات من دون تيار من الولايات المتحدة الأمريكية بهدف دعم جهود محاربة الإرهاب وكانت الإجابة بالرفض، وقدرت أن التحجج بالوضع الليبي مُبالغ فيه خاصة مع تعيين أمريكا سفيرًا لها فيها وهو ما يحيل على توجه الأمور نحو التهدئة.
واعتبر ملاحظون أن قبول تونس بإنشاء قاعدة للطائرات بدون طيار سيحرج الجزائر التي رفضت سابقًا باعتباره يقيم الدليل على الجزائر: “رفضت لكن جارتك تونس لم تعارض”.
تطمينات من الجانب التونسي
من جهته، سارع مستشار السبسي السياسي والأمين العام لحزب “نداء تونس”، محسن مرزوق، إلى التعامل من هذه التخوفات الداخلية والخارجية في كل التصريحات الصحفية التي تلت زيارة الولايات المتحدة، نافيًا إمكانية تأثير هذه المذكرة الموقّعة على سياسات تونس وعلاقاتها الإقليمية، وأكد مرزوق أن “الجزائر هي بيت تونس، وتونس هي بيت الجزائر”، موضحًا أن الموقف التونسي من ليبيا يغلب مصلحة هذا البلد، وأن “تونس لن تغادر الخيمة العربية، وتحافظ أيضًا على أفضل العلاقات مع أوروبا وتريد الانفتاح أكثر على أسيا وأفريقيا وروسيا واعتبر مرزوق أن حصول تونس على صفة الحليف الرئيسي خارج حلف الأطلسي سيمكّن من مضاعفة الدعم العسكري الأمريكي لتونس من أجل تطوير قدراتها الدفاعية والإستراتيجية.
كما زار خميس الجهناوي، المبعوث الخاص للرئيس التونسي السبسي، الجزائر، الشهر الماضي وسلم رسالة إلى الرئيس بوتفليقة، تتضمن تأكيد تونس وحرصها على علاقاتها الممتازة مع الجزائر، والتشاور حول الوضع في ليبيا.
ألا يكون هنالك تصريحات نارية بين البلدين بخصوص هذا الملف لا يمكن أن ينفي وجود قلق حوله على الأقل من الجانب الجزائري، فطالما أن المسألة أثيرت في الإعلام بمثل هذه الكثافة فهذا يقيم الدليل على وجود خطب ما، إلا أن هذا القلق يبدو أنه لم يتطور لمرتبة الأزمة.