ترجمة وتحرير نون بوست
قبل عامين تقريبًا، اجتمع مجلس العموم البريطاني ليتخذ قرارًا بشأن القيام بعمل عسكري ضد بشار الأسد، وقلة فقط من الأشخاص تنبأوا بأن تصويت النواب، والذي تم حينها بعد أسبوع من قيام الديكتاتور السوري بمهاجمة ضواحي دمشق التي تسيطر عليها المعارضة بالأسلحة الكيميائية، قد يفتح الباب أمام سلسلة من ردود الفعل في المنطقة وخارجها، والتي نختبر اليوم بدايات تكلفتها الباهظة، ولكن حرصًا منه على طرد شبح توني بلير، وتسجيل نقاط سياسية ضد خصومه، قام إيد ميليباند زعيم حزب العمال البريطاني، بشن حملة واسعة لجمع أصوات كافية لهزيمة التحرك الحكومي البريطاني، ومن جهته عمد الرئيس أوباما بسرعة إلى اتخاذ الإجراءات لشن حملة غارات جوية عقابية، وباقي الحكاية شكّلت – كما يقال – تاريخًا مؤلمًا.
ويا لفظاعة هذا التاريخ!، أربعة ملايين لاجئ سوري، ثمانية ملايين مشرد داخليًا، وثلاثمائة ألف شهيد مدني، الذين قضى غالبيتهم العظمى على يد قتلة آلة الحرب التقليدية الأسدية، لا تروي سوى جزء يسير من هذه القصة المروعة، كون الآثار التي نجمت عن هذا التصويت، وصلت إلى حدود تفوق ذلك بكثير، إلى حدود موسكو على أرض الواقع، حيث رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه قادر على اغتنام فرصة انعدام العزم السياسي لدى الغرب لمواصلة سياسته التوسعية في أوكرانيا.
آثار فشل مجلس العموم البريطاني في التصويت شهد عليها أيضًا سكان مدينة الرقة السورية، فما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والذي لم يكن حينئذ سوى ظل باهت لما هو عليه اليوم، استفاد من فشل الغرب في كبح لجام الأسد للمضي قدمًا في طرح أجندته الإعلامية، والتي بطرح يقول إن الغرب يتعاون بشكل وثيق مع الأسد وحلفائه الشيعة الإيرانيين لتحقيق مؤامرة تهدف لهزيمة وإذلال العرب السنة في المنطقة، وعلينا بالفعل أن نتمنى للغرب حظًا سعيدًا في محاولته لشرح تعقيدات السياسة الداخلية لويستمنستر أمام السكان الغاضبين والمفجوعين في ريف دمشق، الذي عانى من إرهاصات استخدام الأسلحة الكيمائية ضده.
وسط جو من تقاعس الغرب، وجنون عظمة الأسد، والطموحات الإيرانية الإمبريالية، وخيالات روسيا في الانتقام للحرب الباردة، وإجرام وجنون داعش، يعيش غالبية السوريين الذين كان يتمثل هدفهم الوحيد من الثورة، بالحرية والكرامة وتحسين حياتهم، ونحن في تجمع أحرار الشام وغيرها من الجماعات المسلحة الثورية، نناضل ونكافح من أجل هؤلاء السوريين، لقد رفعنا سلاحنا لأننا لم يكن أمامنا سوى خيارين، إما الاستسلام بدون قيد أو شرط، أو القتال لتحرير شعبنا من الأسد وإيران وداعش، ولهذا انصب خيارنا على الخيار الأخير.
تلك الروح التي كانت تغمرنا في الأيام الأولى للانتفاضة السورية لا تزال تغدق داخل نفوسنا، ولكن علينا أن ندرك أنه كلما طالت الحرب، كلما فوتنا فرصة إنقاذ جزء أكبر من سورية، وتجمع أحرار الشام يسعى لرؤية نهاية حكم الأسد، وهزيمة داعش الشاملة والكاملة، كما أننا نؤمن بتشكيل حكومة مستقرة وممثلة لكافة فئات الشعب في دمشق، قادرة على وضع سورية على طريق السلام والمصالحة والانتعاش الاقتصادي، ونتطلع لتأسيس نظام سياسي يحترم الهوية والتطلعات السياسية المشروعة للأغلبية في سورية، في الوقت الذي يحمي به الأقليات، ويمكّنهم من لعب دور حقيقي وإيجابي في مستقبل البلاد، نحن نسعى لرؤية سورية الموحدة ولسلامة أراضيها وللحفاظ عليها، ولإنهاء موطئ قدم الميليشيات الأجنبية على التراب السوري.
نحن ندرك أن تطلعاتنا ورؤيتنا لا يمكن تحقيقها من خلال السلاح فحسب، بل لا بد من إجراء عملية سياسية في البلاد، ونحن نعلم أن هذا يعني أن علينا أن نتخذ قرارات صعبة، ولكن هناك أمور من غير الممكن أن نفسح أمامها المزيد من الوقت؛ فالأسد وعصابته من الجنرالات المجرمة يجب أن يُطاح بهم، والجيش وقوات الأمن السورية يلزمهما إعادة إصلاح جذري وفرعي، ونحن نرفض بحزم أي وصاية إيرانية، أو تدخل إيراني بأي شكل من الأشكال في أي ضرب من شؤون بلادنا، بغض النظر عن الاتفاق النووي والصفقات السرية التي تم إبرامها مع آية الله لمحاربة داعش.
مؤخرًا، أشار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى احتمالية حدوث تغيير في سياسة الحكومة البريطانية تجاه التدخل العسكري في سوريا، فقد قال كاميرون إن المملكة المتحدة “يجب أن تبذل المزيد من الجهد” لمكافحة داعش في العراق وسوريا، هذا كله جيد ورائع! نحن في أحرار الشام فقدنا 700 من مقاتلينا في معارك مع داعش منذ يناير 2014، ونحن وحلفاؤنا نقف على الجبهة مقابل داعش في حلب لمسافة تزيد عن 45 كيلومترًا، ونحن على علم بما يعنيه الوقوف على خط المواجهة مع خطر داعش.
لكن كاميرون يجب أن يدرك أن أي تقويض لمصالح العرب السنة في المنطقة لصالح إيران أو وكلائها لن يصب إلا في صالح داعش، نحن نعتقد أن داعش ليست مجرد تهديد أمني أو عسكري، ولكنها أيضًا ظاهرة اجتماعية وفكرية تحتاج إلى المواجهة على مستويات عدة، وهذا يتطلب إيجاد بديل سني لكل من تنظيم الدولة والأسد.
أحرار الشام، كتيار إسلامي جامع متجذر في المشهد الثوري، يمكن أن يكون ذلك البديل، لكن هؤلاء الذين يتوقعون بديلاً سُنيًا يتمتع بالكمال وفقًا للمعيار الليبرالي الغربي سيخيب أملهم بالتأكيد، كما أن جميعنا يجب أن يدرك الآن، أن النظم السياسية ونماذج الحوكمة لا يمكن أن يتم استيرادها إلى الشرق الأوسط مع توقع بأن تزدهر وتنمو في منطقة ذات تباينات جذرية في التجارب التاريخية والثقافات السياسية والهياكل الاجتماعية عن تلك التي نشأت فيها تلك الأنظمة.
يجب أن يكون هناك دور كبير للدين وللعادات المحلية في أي اتفاق سياسي يخرج من بين أنقاض الصراع، كما أن ذلك الدين يجب أن يتوافق مع المعتقدات السائدة لدى غالبية السوريين.
إقامة شرعية سياسية جديدة الآن يتطلب تبني مقاربات عضوية من جهة، أي ناشئة من البيئة السورية، وعملية من جهة أخرى، وهو ما افتقدته محاولات الحل التي تم تقديمها من قِبل المجتمع الدولي حتى الآن.
بفضل موقف إد ميليباند، زعيم حزب العُمال البريطاني، الذي اتخذه قبل عامين، غابت فرصة توجيه ضربة مبكرة للأسد وإنهاء الصراع بشكل مبكر، عامان من التراخي نقلت الأمور من سيء إلى أسوأ، السياسة الحالية لتقويض المصالح السُنية في المنطقة، في نفس الوقت الذي يتم فيه التصالح مع إيران يضعف من كل الجهود لهزيمة داعش، أو للتخلص من الأسد أو حتى للوصول إلى حل سياسي للصراع.
وبينما تتجهز القوات الجوية الملكية البريطانية للمشاركة في التحالف العسكري ضد داعش، سيكون من الحكمة أن تفكر الحكومة البريطانية في طرق أخرى لمحاربة التنظيم المتطرف، طُرق تذهب أبعد من مجرد إلقاء القنابل.
المصدر: تليغراف