هذه الأيام، يعدّ قطبا السياسة الأمريكية العدة لسباق الانتخابات القادم في 2016، وبينما تهيمن هيلاري كلينتون حتى الآن على ترشيحات الحزب الديمقراطي، والذي يريد على ما يبدو عن صناعة التاريخ من جديد بأول سيدة في البيت الأبيض بعد أن كان منذ ثماني سنوات صاحب انتصار أوباما كأول أمريكي أفريقي يتولى الرئاسة، تبدو الأمور على الناحية الأخرى غير محسومة بنفس الدرجة، فرُغم أن جِب بوش هو المرشح الجمهوري الأكثر احتمالًا لخوض السباق بوجه كلينتون، إلا أن رجل الأعمال والملياردير المثير للجدل، دونالد ترامب، قد صعد بقوة في الأسابيع الماضية طبقًا لاستطلاعات الرأي.
من أقصى اليمين
“المكسيكيون.. إنهم يأخذون وظائفنا وصناعاتنا وأموالنا ويقتلوننا على الحدود.. علينا أن نستعيد بلدنا من جديد،” هكذا تحدث ترامب مؤخرًا أمام حشد من مؤيديه في ولاية أريزونا، في نبرة معادية للمهاجرين المكسيكيين الذين يتوافدون على الولايات المتحدة إلى شمالهم بحثًا عن لقمة العيش تمامًا كما يفعل العرب والأفارقة مع أوروبا، وهي تصريحات جذبت على ما يبدو الكثيرين ممن يتحفظون على باب الهجرة الموراب بين أمريكا والمكسيك، تمامًا كما تفعل تصريحات اليمين المتطرف في فرنسا وبريطانيا والدنمارك وهولندا على الناحية الأخرى من الأطلنطي.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يطلق فيها ترامب العنان لتصريحات تقارب على العنصرية في أمريكا، ففي العام الماضي بعد حصول المخرج المكسيكي أليخاندرو جونزالِز إنياريتو على جائزة الأوسكار عن فيلمه بِردمان، صرّح ترامب ساخرًا بأن ليلة الاحتفال كانت “ليلة ممتازة بالنسبة للمكسيك، كما هي العادة في بلدنا،” في إشارة واضحة إلى عدم رضاه عن الفُرَص التي يجدها المكسيكيون في أمريكا ويدّعي أنها تأتي على حساب الأمريكيين.
من بين قواعد الجمهوريين الانتخابية بشكل عام، تجد آراء ترامب صدى كبير في الجناح المؤيد لحزب الشاي اليميني المتطرف، كما يشي بذلك استطلاع مونماوث للرأي، حيث أشار إلى أن الذين يدعمونه من بين تلك الشريحة تصل نسبتهم لحوالي 55٪، ويتجاوبون مع خطابه الداعي إلى تشديد الإجراءات الحدودية مع المكسيك والذي وصل إلى التعهد ببناء جدار بطول الحدود بين البلدين!
ليس المكسيكيون فقط هم ضحايا تصريحات ترامب، بل السود كذلك، فقد قال مرة ساخرًا في حوار مع قناة إن بي سي أنه لو كان قد بدأ أعماله الاستثمارية في السنوات الأخيرة، لتمنى أن يكون أسود اللون نظرًا للميزات الكثيرة التي كان ليحصل عليها، في إشارة ساخرة إلى الاهتمام بالسود وتعزيز فرصهم في المجال العام الجارية منذ سنوات، لا سيما مع انتخاب أوباما.
عنصرية ترامب التي تتخلل شركاته نفسها تعود إلى عقود طويلة، حيث تمت مقاضاة شركة العقارات الخاصة به من جانب وزارة العدل الأمريكية في السبعينيات نتيجة تمييزها العنصري بين البيض وغيرهم في نشاطاتها بعدة مُدُن، وهي قضية قررت الشركة التجاوب معها آنذاك قبل أن تقاضيها الوزارة مرة أخرى نتيجة عدم التزامها المستمر.
ترامب بين الثروة والسياسة
برج ترامب الأسود في قلب نيويورك
حتى الآن، لا يزال الكثيرون يعتقدون أن ترشح ترامب لسباق الرئاسة ليس سوى حملة إعلامية له كرجل أعمال، والكثيرون في الحقيقة ينظرون له بشكل سلبي، وكمرشح غير جدي، خارج دوائر الجمهوريين، حيث أظهر استطلاع مونماوث أن 40٪ يعتقدون أنه ترشح للحصول على المزيد من الشعبية كشخص وجذب الأنظار إلى ممتلكاته المنتشرة حول الولايات الأمريكية وفي شتى دول العالم.
فنادق ترامب، مجلة ترامب، خطوط ترامب الجوية، عقارات ترامب، جامعة ترامب، شوكولاتة ترامب، نبيذ ترامب، ملاهي ترامب الليلية، وغيرها العشرات من المجالات التي دخلها دونالد بعد أن ورث مجموعة “إليزابيث ترامب وأولاده” الاستثمارية عن أبيه فريد ترامب، ليعيد تسميتها بمجموعة ترامب القابصة، والتي جعلته واحدًا من أهم الشخصيات في عالم رجال الأعمال بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى إثارته للجدل المستمر في الإعلام بتصريحاته اليمينية العنصرية، ليصبح شخصية معروفة إعلاميًا.
لطالما دعّم ترامب مرشحي الحزب الجمهوري على المسرح السياسي الأمريكي، كما اقترب خلال العقد المنصرم من دوائر حزب الشاي، ليعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2012 ثم يتراجع عن ذلك ويدعم المرشح الجمهوري ميت رومني بوجه باراك أوباما، علاوة على ذلك، يُعَد ترامب من أنصار اليمين الإسرائيلي، وقد أعلن مرارًا دعمه لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وهو شخصية معروفة نسبيًا في إسرائيل ويمتلك استثمارات عدة هناك أبرزها برج ترامب في تل أبيب الأطول في إسرائيل.
دونالد ترامب على غلاف نيويوركر
يرى الكثير من الجمهوريين أن ترامب هو المرشح المناسب عوضًا عن جِب بوش نظرًا لخطابه اليميني الواضح، والذي يعتقدون أن الحزب بدأ يفتقده لصالح مرشحين أكثر وسطية يعتمدون على تبني بعض ملامح برامج الحزب الديمقراطي في الداخل لمنافسته، دون التخلي عن الأيديولوجية المحافظة في مسائل مثل الدعم غير المشروط لإسرائيل ورفض الاتفاق مع إيران والتعامل بصرامة مع الإرهاب والهجرة، وهي محاولات يقولون أنها أدت مؤخرًا إلى بروز حزب الشاي كبديل يميني أكثر صراحة وتعبيرًا عن الشرائح المحافظة جدًا التي بدأ خطاب الجمهوريين “المائع” من منظورهم في فقدانها.
من ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أن ترامب قد يتكبد في الحقيقة خسائر كثيرة كرجل أعمال في المقام الأول، بسبب لهجته المتطرفة تلك، والتي أدت بالفعل إلى قطع بعض الشركات لعلاقاتها مع مؤسسة ترامب التي يرأسها، مثل قناة إن بي سي، وشبكة ماسيز Macy’s المعروفة للتسوق، وهو ما دفع مجلة نيويوركر المعروفة لنشر صورته على غلافها في عدد هذا الأسبوع وهو يقفز في حمام سباحة بكامل وزنه، إشارة إلى الهزة التي يحدثها في السباق الجمهوري، ولكن في نفس الوقت أيضًا إلى الألم الذي سيعانيه هو من حملته الانتخابية تلك.