بعيدًا عن نظرية المؤامرة وأصحابها، وقريبًا من حجم التحالفات والمصالح المَهول في المنطقة، والذي يتقنه أعداء الإسلاميين جيدًا، خاصة وأن الإسلاميين يمتلكون حقيقةً “مشروع أمة”، وهو متناقض ومتعارض مع الكثير من المشاريع المصلحية الفرعية للقوى الداخلية المنافسة والساعية إلى السلطة، والمدعوم بعضها إقليميًا ودوليًا.
إن التحالفات التي شُكلت ضد الإسلاميين، في كل مرحلة يصلون فيها إلى السلطة، ليست تحالفات سهلة أبدًا كما يُصور أصحاب نظرية المؤامرة، بل هو عمل دؤوب ومَكر الليل والنهار؛ لذا لا يتوجب أخذ المؤامرة على إطلاقها، فهناك إجراءات معقدة وعمليات بخطوات مدروسة وبعمل مُنظم حتى تنجح، لكن يبقى السؤال، لماذا يفشل الإسلاميون بالمحافظة على السلطة من الناحية الإجرائية؟
تٌثبت التجارب أن التخصص في العمل هو أساس النجاح والاستمرار فيه والمحافظة عليه، هذا في أي مجال من المجالات، ولو رجعنا إلى القوى المضادة للربيع العربي والمعادية للإسلاميين لوجدناها متخصصة في كل الأدوات والآليات التي تستخدمها ضد خصومها بل محترفة في الكثير منها، لذا نجحت مرحليًا على الأقل، وهذه الأدوات الإعلامية، الأمنية، الاقتصادية، والسياسية،….إلخ لها الأثر الكبير في التأثير على مجتمعاتنا المتخلفة ديمقراطيًا، والتي تعيش مرحلة التحول نحو الديمقراطية.
إن معظم القوى الإسلامية قوى متخصصة بالعمل الدعوي والتربوي أساسًا، فهي قوى غير متخصصة لا في السياسة، لا في الإعلام، لا في الاقتصاد، ولا في غيرها من التخصصات وإن وِجدوا فهم أفراد وليسوا جماعات، وعددهم لا يلبي حجم المسؤولية بعد الوصول إلى السلطة، ومنهم من يُصاب بالعجب فيسقط ومنهم من يعتزل.
إن المشكلة التي تواجه الإسلاميين أساسًا أن تدخلهم في السياسة جاء بعدما وجدوا أن السياسة تتدخل فيهم وبمشاريعهم، وذلك بعد سقوط الخلافة العثمانية التي كان الاهتمام بالسياسة ملقى على عاتقها، وكردة فعل على سقوطها نشأت حركات الإسلام السياسي، ولكن بخبرة سنوات وربما عقود في العمل الدعوي وبالعمل التربوي القيمي الأخلاقي، فحالهم كحال لاعب كرة سلة على سبيل المثال أو أي لاعب في أي لعبة أخرى، قضى سنوات من عمره يمارس اللعبة إلى أن وصل إلى مرحلة الاحتراف وفهم جميع قواعدها وتفاصيلها الدقيقة وفنونها، ثم تحول فجأة للعب في فريق لكرة القدم والمنافسة مع الفرق الأخرى ليس لتمثيل حي من الأحياء، أو مدينة من المدن وإنما لتمثيل الإسلام!
فهم يبذلون قصارى جهدهم وأوقاتهم وأموالهم وأعراضهم وأنفسهم، لكن المحافظة على النتائج لا شيء يذكر، سوى التباكي وتأكيد وجود مؤامرات تُحاك ضدهم وأنهم مستهدفون، فمن السخف السعي للوصول إلى السلطة وعدم تَوقع وجود أعداء يكيدون لك وعدم امتلاك القدرة والاستعداد لمواجهتهم بنفس الأساليب والأدوات، فلا سبيل للتعامل مع لا أخلاقية السياسة، مع أخلاق الدعوة إلى الله، ولا سبيل للتعامل مع تخطيط ومكر السياسة بعفوية الكثير من الدعاة، ولا سبيل للتعامل مع تعدد الحقوق في السياسة مع الحق والباطل في العمل الدعوي والوعظي….إلخ.
إضافة إلى أن اللعب باليدين أعوامًا عديدة ثم التحول إلى اللعب بالقدمين ليس سهلَا أبدًا؛ لذا عليهم فهم قواعد اللعبة جيدًا قبل وبعد الدخول في السياسة ومواجهة القوى الأخرى بنفس الأساليب والأدوات والآليات، وبنفس الكفاءة والجودة والحجم؛ فالإعلام بالإعلام، العسكر بالعسكر، التظاهر بالتظاهر، رجال الدين برجال الدين، الاقتصاد بالاقتصاد، والاحزاب بالاحزاب، والبلطجية بالبلطجية والبادئ أظلم، ومن لا يقتل لا يحلم أن يحكم، فمن غير الممكن ولا المنطق في شَرع السياسة توقع النصر في مواجهة مُجرم مأجور، وبيده سكين وعاقد العزم على قتلك، بسلاح الدعاء، على أهميته.
أخيرًا، المستقبل للجيل الجديد من الشباب الذي يَعد لمستقبله اليوم في داخل القوى الإسلامية في الوطن العربي، هذا الجيل الواعي في هذه القوى بدأ يفهم قواعد اللعبة ويُجيب على السؤال “لماذا فشل الشيوخ”، كما بدأ يفهم قيمة القيادة الشبابية وتأثيرها، وهو متململ بضياع أحلامه وحريته ومن أن يكون له دور، كما ويفصل بين الأعمال الدعوية والسياسية، ويتخصص في العمل، ويرفض الخطاب الإسلامي التقليدي البائس، الذي لم يعد مقبولًا للاستهلاك المحلي والحواضن الدينية، فما بالكم بالاستهلاك العالمي ومخاطبة الغرب، والعيش في عصر العولمة.