الثورة السورية التي انحنت سريعاً نحو العمل المسلح بعد أن أوغل النظام في بطش المتظاهرين السلميين واطلاق النار المباشر عليهم، لم يتوقف الأمر الى هذا الحد بل تجاوز الى قصف الآمنين والمدنيين واستخدام الطائرات والصواريخ البعيدة المدى في محاولة فاشلة منه حتى اللحظة لايقاف فتيل الثورة التي انتقلت الى حرب دوليّة بالوكالة على جميع الأصعدة.
بين ذلك كله انشقت أعداد كبيرة عن الجيش السوري رداً منها على أوامر قادة الجيش باطلاق النار على المدنيين والتي تظهر عدم ايمان أعداد لا بأس بها من الجيش السوري بغايات القضاء على الثورة والتي تبرر اطلاق النار مما دفعهم الى الانشقاق بعيداً عن الجيش استطاع عدد منهم ذلك وآخرون لم يتمنّكوا من الانشقاق حتى اللحظة خوفاً من القتل او البطش بهم، اضافة الى ذلك أعداد لا بأس بها ممن يؤمن ويقتل ويبرر ذلك بالغاية الأسمى والتي تجاوزت ذلك الى التمثيل والحرق والتفنن في القتل من قبل عناصر من الجيش السوري مما يظهر حقداً أعمى سواء ذا خلفية طائفية او عرقية أو مجرد اختلاف آراء ودفاعاً عن رأس الحكم.
ما بين الموت المحتم في ساحة المعركة أو عند محاولة الفرار والتهديد اليومي بعائلات المجندين يعيش المجندون في الجيش السوري أياماً من الرعب ما بين سنديان المواجهة ومطرقة الهرب أملاً في الخلاص من هذي الحرب التي سيقوا اليها تماماً كما الشعب، آلاف من المنشقين من الجيش السوري اما اختاروا اللجوء الى دول الجوار أو انضموا الى كتائب الجيش الحر ليكملوا العمل المسلح وينتقلوا الى الطرف الآخر من المواجهة.
أحد اولئك الذين انشقوا هو كرديّ برتبة نقيب يقول : استدعيت للتجنيد في عام 2010 معتقداً أني سأنهي السنتين الالزاميتين من خدمتي دون أي مشاكل، جلّ تفكيري كان عما يتحدث به أصدقائي من الاهانات والضرب والاستيقاظ منتصف الليل، اضافة الى رشوى الضباط والمنع من الاجازات وكم التعب والجوع الذي سيرافق الخدمة، بعد 6 أشهر من خدمتي قدمت اليّ عربة BMP وأصبحت مسؤولاً عن 14 مجند آخرين جلّهم من العرب السنة، الأكراد والسنة هنا قليلوا الرتب ومعظم الضباط هم من العلويين الذي يتحكمون في كل شيء دون أن يحاسبهم أحد.
يضيف: في آذار 2011 تم ارسال وحدتنا الى منطقة درعا حيث أن المتظاهرات والاحتجاجات قد بدأت تجتاح المدينة، ولأنه لم يكن لدينا مقرّ استويلنا على مدرسة ابتدائية لتتحول الى مقر لنا، لم نكن قلقين حيال تعرضنا لهجوم مسلح، تفكيرنا كان منصبّاً على التعامل مع الاحتجاجات وحسب وكنا نظن أنها مسألة أسابيع لتعود الامور الى سابق عهدها، وجهت الينا أوامر مباشرة من عدم التحدث أبداً مع أهل المدينة وأن هناك عناصر عربية وأفغانية وأخرى أمريكية وغربية قد اندست بين أهل المدينة في محاولة منها للقيام بأعمال تخريبية، مع التهديد بالسجن لأي مجند يتكلم مع المدنيين أو يتودد اليهم أثناء الجولات الميدانية أو الاعتقال أو غير ذلك، لم نكن نعلم وقتها السبب من كل ذلك ولكن معظم المجندين كان قد ابتلع الطعم بأن ثمة محاولات للتخريب والارهاب قائمة وأن علينا ان نكون جاهزين وحذرين دائماً .
في البدايات كان يمنع منعاً باتاً اطلاق النار على المتظاهرين وكان الضباط حذرين للغاية في مواجهة أهالي درعا، ولكن لما بدأت المظاهرات بالتكاثر بدأ الضابط المسؤول باطلاق النار من سلاحه ثم تبعه باقي العناصر وأمرت باطلاق قذيفة من عربتي على مبنى قريب من التظاهرات ولم يصب وقتها من تلك القذيفة أحد، في أحد الأيام سمع أحد الضباط ان المحتجين مزقوا صور للرئيس السابق حافظ الأسد فاستشاط غضباً وتحرك مع وحدته وفتح النار بشكل جنوني على المتظاهرين وأوقع عشرات القتلى، بعد تلك الحادثة بدأ الجميع بالتصرف كما لو أنك أطلقت النار بشكل أكبر يعني اظهار ولاءك لبلدك وقائدك بشكل أكبر، ولم نسأل بعضنا البعض لماذا نطلق النار على المدنيين، كل شيء كان يحدث بسرعة، بعد ذلك بدأت ألاحظ أن هناك خمسة جنود آخرين في وحدتي أدركوا أن قتل المتظاهرين كان خاطئا والبعض بدأ يتساءل بصوت مرتفع عن غاية قتل المدنيين.
بدأت الأمور تتطور والأسئلة تزداد، كل تلك الأسئلة كانت تقابل اما بالقمع او الكلمة المعتادة في الجيش السوري” نفذ ثم اعترض” مع كلمة ” اخراس ” المعتادة من قبل الضباط، بعد ذلك بدأت الاحظ اختفاء بعض العناصر التي كانت تسأل عن غاية قتل المدنيين والتي تطورت الى رفض اطلاق النار، بعض هذه الحالات تم اطلاق النار عليها بشكل مباشر من قبل الضباط أمام باقي العناصر في محاولة لترهيب كل مجندي الجيش من أي محاولة لعصيان الأوامر او عدم اطلاق النار او التعاطف مع المدنيين.
في احدى الليالي تعرضت مركبتي لقنبلة يدوية أصيب بها أحد جنودي لكنه عاش، بدأ بعد ذلك قتال استمر طوال الليل مع كتائب المقاومة التي تركت ايمانها بالعمل السلمي واتجهت الى العمل المسلح، ونظراً لتشتت هذه المجموعات المسلحة وعدم تجانسها كنا نفقد في الجيش قدرتنا على التركيز وتقع حالات من القتلى بين صفوفنا بنيران صديقة ظنّاً من أنها مجموعات ارهابية، في احدى المرات قتل أكثر من 20 جندياً بنيران صديقة.
في الجيش السوري لا يحق لك اعتناق او اظهار أي من المشاعر الدينية، لا يحق لأي من المجندين الصلاة او الصوم ليوم واحد حتى في شهر رمضان، ولا يوجد مع أي منا نسخة من القرآن الكريم او مسبحة حتى أنك لا تجرؤ على القول بكلمة ” يا الله ” ، عندما سجنت لديهم وكانوا يعذبونني حاولت أن أقسم لهم فقلت ” والله ” فقاطعني أحدهم وقال ” أقسم باسمننا، نحن آلهتك هنا”.
في احدى المرات جمعنا أكثر من 2000 دراجة نارية كانت لأهالي القرى والناس البسطاء في احدى الساحات ودسنا عليهم بالدبابات والعربات، أنا دهست العديد منها بعربتي كذلك، كنا نأخذ ما يحلوا لنا من المتاجر التي يملكها الأهالي ودائماً ما كان الشيء المفضل لجنودي هو سجائر المالبور عوضاً على أننا كنا نتفنن في تخريب الممتلكات، في احدى المرات قمنا بتكسير جميع واجهات المحلات، ودفعت عربتي على واجهة سوبر ماركت ذات مرة فانها السقف بأكلمه، ومرة اخرى أطلقت النار على خزان مياه فوق مبنى سكني مما أدى الا افراغه بالكامل وبالتالي عدم حصول سكان ذاك المبنى على جاتهم من المياه، نحن ذاتنا كنا لا نعلم سبب قيامنا بكل ذلك.
في احدى المرات ونحن نداهم أحد المنازل برفقة المخابرات، الكل كان يصرخ والأطفال يختبؤون خلف أمهاتهم وهم يبكون حتى الرجال كانوا لا يعلمون ماذا يفعلون يرافق ذلك كله صراخ الضباط والعناصر على أهل البيت، كل ذلك جعلني أفكر للحظات ماذا لو أن هذا البيت بيتي وهؤلاء هم أهلي، رفضت بعد ذلك اطلاق النار ليتم اعتقالي وسجني وتعذيبي لأكثر من 3 أيام لأعود بعدها الى قاعدتي العسكرية أملاً مني في اكمال واجبي الوطني واطلاق النار على المدنيين لأتمكن من الانشقاق والخروج خارج سوريا.
المصدر: The Daily Beast