في زيارة مفاجئة للمملكة العربية السعودية، ظاهرها دينيًا (أداء مناسك العمرة)، وباطنها سياسيًا، التقى خلالها وفد رفيع من حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي خالد مشعل بالملك سلمان وولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان.
حماس وصفت الزيارة بالناجحة، بينما لم يصدر عن المملكة سوى بيان مقتضب عن الزيارة وأهدافها.
وهذا يجعلنا نطرح أهم محطات العلاقة بين المملكة وحركة حماس، والفرص والتهديدات التي تحكم على مستقبل العلاقة، ونتائج الزيارة وانعكاسها على خيارات الرئيس عباس.
أولًا: تاريخ العلاقات الحمساوية السعودية
وجهت الاستخبارات السعودية دعوة رسمية للدكتور موسى أبو مرزوق لزيارة المملكة ولقاء رئيسها الأمير تركي الفيصل، وكان ذلك في عام 1988م بمدينة جدة، وتطورت العلاقات بين حماس والسعودية نظرًا للمحدد الديني الذي يحكم السياسة الخارجية للسعودية والتقاء هذا المحدد مع الحركة الإسلامية في فلسطين، ورغم أن المملكة تربطها علاقات متينة بمنظمة التحرير الفلسطينية إلا أن موقف المنظمة من حرب الخليج المؤيد لصدام حسين واحتلاله للكويت، في المقابل كان موقف حركة حماس رافضًا للغزو على دولة الكويت الشقيقة، ما دفع السعودية لتوفير دعم مالي كبير كان يقدمه الشعب السعودي بموافقة من المملكة لحركة حماس، وانعكاسه الإيجابي في دعم قدرات الحركة وتطوير أداء مؤسساتها الدينية والاجتماعية والثقافية والرياضية .. إلخ.
تكررت اللقاءات بين الاستخبارات السعودية وحركة حماس، وتطورت العلاقات حتى وصلت للسماح بفتح مكتب اتصال لحركة حماس داخل المملكة.
قادت المملكة جهود المصالحة الفلسطينية عام 2007م، وتمخض عن تلك الجهود ولادة اتفاق مكة، وبموجبه تم تشكيل أول حكومة وحدة وطنية، ولكن التدخل الخارجي حال دون صمود ذلك الاتفاق حتى جاء الانقسام السياسي، للتوقف العلاقات بين المملكة وحركة حماس حتى وصول الملك سلمان لسدة الحكم، وعقد اللقاء بينه وبين السيد خالد مشعل في مكة في أول أيام عيد الفطر السعيد.
ثانيًا: الفرص والتهديدات التي تحكم مستقبل العلاقة بين حماس والمملكة
1- الفرص: هناك العديد من الفرص التي تؤشر لعلاقات قوية بين المملكة وحركة حماس، ولعل توقيع الاتفاق النووي الإيراني قد يعزز من الفرص، فهناك مكاسب للسعودية ومكاسب لحماس.
أ. مكاسب السعودية
الهدف الإستراتيجي للمملكة هو وقف التمدد الإيراني بالمنطقة العربية، وخطاب إيران الداعم للمقاومة الفلسطينية يساعد إيران بالتغلغل لدى الوعي الجمعي العربي، وبذلك يسهل عمليات الاختراق والهيمنة، ويبعد عنها شبهة الطائفية كون حركات المقاومة الفلسطينية (حماس – الجهاد الإسلامي) حركات سنية تدافع عن شعبها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتصنفها بعض الدول العربية بالإرهابية وتقاطعها دول أخرى.
إيران نجحت في تعزيز نفوذها بقطاع غزة، ولكن بشكل محدود، فلم تنجح الملايين الإيرانية من دفع حركة حماس لتصدير موقف مؤيد للثورة السورية، بل على العكس أيدت حركة حماس الثورة السورية؛ ما دفع إيران لحرمان حركة حماس من الدعم المالي، وزادت المقاطعة بعد موقف حماس المؤيد ضمنيًا لعاصفة الحزم باليمن.
ونفس المشهد انتقل لحركة الجهاد الإسلامي التي تعاني أزمة مالية خانقة نظرًا لوقف الدعم الإيراني للحركة وتوجيه الدعم لحركة الصابرين التي يرى فيها الغزيون بأنها حركة موالية بشكل كامل لإيران وهناك من يذهب بعيدًا ليقول بأنها تنظّر للمذهب الشيعي بقطاع غزة مستغلة حالة الفقر والحصار التي يعاني منها القطاع، حيث خصصت إيران حسب مصادر إعلامية ميزانية قدرها 12 مليون دولار سنويًا لتغطية أنشطتها.
مشهد قطاع غزة مدخل مهم لإستراتيجية المملكة الجديدة، بحيث ينبغي أن تملأ السعودية كدولة عربية إسلامية قائدة لأتباع المذهب السني الفراغ وأن تحتضن المقاومة، وتعمل على تعزيز صمود الفلسطينيين؛ وبذلك يتعزز الدور السعودي بالقضية الفلسطينية بملفاتها المتعددة: المصالحة – الهدنة – عملية السلام.
ب. مكاسب حماس
السعودية دولة مركزية بالمنطقة وفي حال نجحت حماس في إعادة العلاقات لسابق عهدها مع السعودية فهذا من شأنه منح الحركة العديد من المكاسب لعل أهمها:
– تمنح حماس قوة سياسية على الصعيد الإقليمي والدولي.
– قد تساهم المملكة في رفع حماس من قوائم الإرهاب الدولي.
– إنهاء الأزمة المالية التي تعاني منها الحركة بعد وقف الدعم الإيراني على خلفية موقف حماس من عاصفة الحزم والثورة السورية.
– قدرة السعودية وبالتعاون مع الشقيقة مصر للعمل سويًا على إنهاء الانقسام، وترميم علاقة حماس بمصر وما يترتب على ذلك من فتح لمعبر رفح البري.
– تسوية بعض المسائل بين المملكة وحماس مثل الإفراج عن معتقلين لحماس بالمملكة، وإعادة فعالية مكتب الحركة بالسعودية.
2- التهديدات
أهم التهديدات تتعلق بمتغير مفاجئ يحدث بالمملكة يطيح بكل التوجهات الجديدة، أو ضغوط دولية قد تمارس من أجل تقويض الجهود المبذولة للتقارب بين حماس والمملكة.
ثالثًا: نتائج الزيارة وانعكاسها على خيارات الرئيس عباس
أعتقد أن الزيارة ناجحة بغض النظر عن نتائجها المباشرة أو غير المباشرة، وعليه وحسب بعض المعلومات التي وصلت فإن هناك مساعٍ تبذلها المملكة لإنهاء الانقسام، وأن دعوة قد توجه بالقريب العاجل للرئيس محمود عباس لإتمام ذلك، وفي حال صحت تلك المعلومات فإن خيارات الرئيس عباس هي:
1- القبول بتطبيق اتفاقيات المصالحة وإنهاء أزمة موظفي غزة، وبذلك يحافظ الرئيس على العلاقات المتينة بين السلطة وبين المملكة التي تمول ميزانية السلطة بما قيمته 52%.
2- رفض الطلب وبذلك سيكون لذلك انعكاس مباشر على شكل العلاقة المستقبلية بينهما.