لم تكن زيارة ساركوزي لتونس لتمر مرور الكرام خاصة إذا ما استحضرنا ولع الأخير بإثارة المشاكل أينما حل؛ مُرفقًا بوفد من أعضاء في مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي وأعضاء في حزب الجمهوريين، أبرزهم رشيدة داتي وزيرة العدل السابقة، حل الرئيس الفرنسي السابق وزعيم حزب الجمهوريين بتونس ليلتقي بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ثم محسن مرزوق أمين عام حزب “نداء تونس”.
تاريخ مهتز ووعود بروتوكولية
تزامنت فترة حكم ساركوزي مع السنوات الأخيرة لحكم المخلوع بن علي، ويُعتبر الرئيس الفرنسي السابق أحد أهم دعائم النظام الديكتاتوري التونسي في الخارج.
ولا يمكن للتونسيون أن ينسوا مساندة ساركوزي للمخلوع بن علي أيام الثورة، ولا كلام السيدة “أليو ماري” أمام البرلمان الفرنسي زمن الثورة الذي لم يكن يمثلها وحدها بل يعبر بوضوح عن السياسة الخارجية الفرنسية تجاه تونس “التي لا تستحق الديمقراطية”.
وفي محاولة لتجاوز هذه الضغائن، تحدث ساركوزي على ضرورة أن تلقى تونس دعمًا فعليًا من الدول الديمقراطية في مجابهتها للإرهاب الذي يستهدفها بسبب نجاحها الفريد في الانتقال الديمقراطي، حسب تعبيره.
وشدد على ضرورة مرافقة تونس في إنجاح برامجها الرامية لتحقيق التنمية، مضيفًا أن تحكّم أوروبا في الهجرة السرية يمر عبر المساعدة على تحقيق النمو الاقتصادي في جنوب بلدان الحوض المتوسطي وإعطاء دفعة جديدة لعلاقات التعاون بين بلدان ضفتي المتوسط، داعيًا إلى “عقد قمة لأصدقاء تونس وإيجاد حل لأزمتها الاقتصادية في إطار الاتحاد من أجل المتوسط”.
الزيارة لتونس والعين على فرنسيي تونس
وبحسب بعض الملاحظين، تندرج هذه الزيارة أساسًا ضمن سياق انتخابي يحاول فيه ساركوزي إقناع “فرنسيّي تونس” أو الفرنسيين من أصل تونسي بالتصويت له في الانتخابات القادمة لأن نسبة صغيرة منهم لم تتجاوز الـ 28% ساندته في الانتخابات الماضية، وقد التقى أيضًا عددًا من الفرنسيين المقيمين بتونس، ويعول “الجمهوريون” الجدد على مساهمة المهاجرين في امتحان الانتخابات الجهوية القادمة التي ستضعهم ربما وجهًا لوجه مع الجبهة الوطنية الفرنسية (اليمين المتطرف) في “جهة الالب كوت دازور”.
خطاب إعلامي مثير للمشاكل
وخلال زيارته لمتحف باردو وزيارة النصب التذكاري لضحايا العملية الإرهابية التي وقعت فيه، وعلى نحو غريب تحدث ساركوزي بما معناه أن تونس تدفع ثمن تموقعها جغرافيا بين الجزائر وليبيا، وأن مستقبل الجزائر غير واضح ويبعث على القلق، وأنه يجب مُناقشته ضمن إطار الاتحاد من أجل المتوسط، وهو ما اُعتبر تدخلاً في الشؤون الجزائرية انطلاقًا من الأرض التونسية.
وأثارت هذه التصريحات تحفظات السلطات الجزائرية، وفق ما أوردته جريدة “البلاد” الجزائرية نقلاً عن مصدر دبلوماسي جزائري، وأضاف نفس المصدر أنّ السلطات الجزائرية ترفض إبداء موقف حول زيارة ساركوزي، لأن لتونس مطلق الحرية في دعوة واستضافة من تشاء من الشخصيات، مشيرا إلى أن الجزائر تحتفظ بحقها في قراءة دلالات هذه الزيارة.
كما ذكر المصدر الدبلوماسي أن وزارة الخارجية طلبت من السفارة الجزائرية في تونس إفادتها بتقرير مفصل حول فحوى وسياق تصريحات ساركوزي.
استياء تونسي جزائري من تصريحات ساركوزي
وقد خلفت الزيارة ردود فعل متنوعة، إذ عبرت الصحف الجزائرية عن استيائها من تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تجاه الجزائر مؤكدة أنها تتضمّن تهديدًا مبطنًا لاستقرارها وتشير إلى توتر الأوضاع فيها وتأزمها مستنكرين استقبال تونس له.
ووصفت الصحف الجزائرية تصريحات ساركوزي بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية للجزائر وتشكيك في مستقبلها، مشيرة إلى أن ساركوزي عرف بمواقفه وقرارته المعادية لبلدهم وللمسلمين والعالم الإسلامي، كما أنه عُرف بعدائه للمهاجرين من خلال طرده لهم وتضييقه على المسلمين، إضافة إلى ما فعله في ليبيا من خراب.
من جهته، اعتبر حمة الهمامى الناطق الرسمى باسم الجبهة الشعبية أن الهدف من زيارة الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى إلى تونس هو إثارة المشاكل مع الجارة الجزائر، وقال الهمامى على هامش ندوة صحفية عُقدت يوم الثلاثاء بمقر حزب التيار الشعبي لتقديم برنامج إحياء الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد محمد البراهمى إن ساركوزى غير مرحب به فى تونس لأنه المسؤول عن تدمير الشقيقة ليبيا رغم ما كان يربطه من علاقات ود وصداقة مع الراحل معمر القذافى.
واحتجّ الهمامي على زيارة ساركوزي إلى تونس واستقبال رئيس تونس قايد السبسي له، متهمًا إياه بالتواطؤ ضد أمن الجزائر مع تونس من خلال تصريحات أدلى بها أمس بشأن رؤيته لمستقبل الجزائر، معلقًا بالقول في رسالة مباشرة إلى ساركوزي: “لا أهلاً ولا سهلاً بك في تونس”.