المعركة ضد “ولاية سيناء” التنظيم التابع لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم داعش لها أثرها البالغ على الجيش المصري ميدانيًا ليس هذا فحسب، بل صدرت تقارير إعلامية تتحدث عن أصداء المعركة على مستوى القيادة العسكرية في مصر بداية من الرئيس الحالي ذي الخلفية العسكرية السابقة الجنرال عبدالفتاح السيسي نزولًا إلى وزير الدفاع المصري المحصن بحكم منصبه الفريق صدقي صبحي وكذلك رئيس الأركان الفريق محمود حجازي صهر رئيس الجمهورية ورئيس الاستخبارات الحربية اللواء محمد فرج الشحات.
ميدانيًا نجحت ولاية سيناء فيما يبدو في اختراق القوات المسلحة المصرية أكثر من مرة ونفذت عمليات هجومية كبدت الجيش المصري خسائر فادحة، ولكن تُفضل قيادة الجيش المصري وجهاز الشؤون المعنوية بالجيش التكتم على ذلك الأمر، إذ تُعلن نتائج العمليات الهجومية على الجيش عبر المتحدث العسكري وفقط وتُصر على تجاهل أي مصادر أخرى، بينما يشكك النشطاء على الأرض في صحة الأرقام والمعلومات التي ينشرها المتحدث العسكري باسم الجيش المصري.
تقف القوات المسلحة المصرية في هذه اللحظات بين عملية الهجوم على قطعة بحرية مصرية منذ عدة أيام وبين نجاح تنظيم ولاية سيناء في تجنيد أحد ضباط سلاح البحرية في عملية سابقة، حيث وردت رواية على لسان الناشط إسماعيل الإسكندراني نُشرت على موقع جريدة المدن الإلكترونية اللبنانبة.
تعود تلك الرواية إلى نوفمبر من العام الماضي تتحدث عن ضابط بالجيش المصري يُدعى أحمد عامر، أخفى خمسة أشخاص داخل لنش عسكري قبل الإقلاع من قاعدته العسكرية في دمياط، وقد قام بمعاونة هؤلاء الخمسة بتصفية الطاقم كاملاً بضباطه وجنوده واستولوا على اللنش، قبل أن تغرقهم صواريخ الطيران الحربي، ناهيك عن قتلى الجيش يوميًا وعن تطور الأداء العسكري النوعي للتنظيم في عدة عمليات ككرم القواديس والفرافره، كما وصل حد هذا التطور إلى تنفيذ هجوم موسع على أكثر من 15 نقطة عسكرية في سيناء في آن واحد، حتى امتدت عملياته إلى قلب القاهرة.
كل ذلك يفضل الجيش التعامل معه بالطيران الحربي فقط لإخفاء كافة معالم الحقيقة بالتعاون مع أبواقه الإعلامية، لكن تكرار الأمر وضع القيادة السياسية والعسكرية المصرية في مأزق، بعد استنفاذ كافة التبريرات الممكنة والوعود بعدم تكرار هذه الأحداث.
بعض الجنرالات المحيطين بالسيسي نصحوه بأن يقوم الجيش بتوجيه ضربة عسكرية لمدينة رفح الفلسطينية تحت مزاعم مرور العناصر الإرهابية منها إلى سيناء لتنفيذ هجماتهم ضد قوات الجيش، وهو ما أحدث شبه انقسام بين القيادة العسكرية والسياسية، حيث يتزعم هذا الطرح رئيس الأركان، الفريق محمود حجازي، ورئيس الاستخبارات الحربية، محمد فرج الشحات وفي المقابل يرفض هذا الأمر وزير الدفاع صدقي صبحي.
نشرت صحيفة العربي الجديد تقريرًا عن مصادر خاصة تقول فيه إن هذا الأمر أحدث خلافًا جزئيًا بين السيسي وصدقي صبحي، حيث قالت الصحيفة إن “صدقي صبحي اشتكى إلى بعض الأصدقاء المشتركين من إصرار السيسي على التدخل في الشؤون الدقيقة للقوات المسلحة”، وقد يبدو تدخل السيسي بهذه الصورة لإنقاذ ماء وجهه أمام الرأي العام بعد تكرار الهجمات على قوات الجيش في سيناء دون أن تقوم كافة إجراءاته السابقة المتخذة في وضع حد أو ردع لتنظيم ولاية سيناء.
فالسيسي يرى ضرورة إحراز انتصار إعلامي سريع بخطوة قصف مدينة رفح الفلسطينية ويتم ترويج الأمر إعلاميًا على أنه قصف لمواقع تابعة للمجموعات التكفيرية في قطاع غزة والتي تتسلل إلى سيناء عبر الأنفاق، إذ يأمل السيسي بهذه الخطوة تهدئة الرأي العام المصري بعد تكرار الهجمات على الجيش، هذه الفكرة تعد تكرارًا لما حدث في ليبيا بعد توجيه سلاح الجو المصري ضربة إلى مدينة درنة الليبية عقب إقدام عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” على ذبح 22 من العمال المصريين العاملين هناك، بحسب ما أورد المصدر للعربي الجديد.
صدقي صبحي يرى أن هذا الأمر لن يمر وستكون له عواقب على الجيش بينما يبحث السيسي عن الترويج لنصر إعلامي كعادته، وقد تحدث البعض عن تجليات هذا الخلاف بعد الهجوم الأخير على نقاط الجيش في سيناء بأنه السبب الرئيسي في عدم ظهور وزير الدفاع صدقي صبحي، وقائد منطقة سيناء العسكرية، الفريق أسامة عسكر، إلى جوار السيسي خلال زيارته مقرّ الجيش الثاني في مدينة العريش، في حين ظهر رئيس الأركان، وقائد الجيش الثاني فقط.
هذا الخلاف وصل إلى أجهزة الاستخبارات أيضًا فبينما يرى جهاز الاستخبارات العامة إن الإقدام على قصف قطاع غزة ليس بالقرار الصائب، يرى على النقيض جهاز الاستخبارات الحربية أنه مع الترويج لمسؤولية حركة حماس عن الأحداث في سيناء سيكون لهذه الضربة العسكرية في رفح الفلسطينية أثر على الرأي العام المصري، في الوقت نفسه الذي يرى فيه جهاز المخابرات العامة ضرورة التنسيق مع حركة حماس بشأن الوضع الأمني على الحدود مع القطاع لضبطها، بينما يُصر المقربين من السيسي على شن حملات إعلامية ضد حماس.
هذا الخلاف في الرأس بين السيسي وصبحي حول هذه القضية بالتحديد انتقل إلى الأطراف في أجهزة الاستخبارات العامة والحربية، لكن اتخاذ قرار كهذا لن يكون بالسهولة التي يُصورها البعض للجنرال السيسي، بحيث سيكون له توابع سياسية بعد التقارب الحمساوي مع القيادة السعودية في الفترة الأخيرة، والضغط السعودي على النظام المصري لوقف الحملة الإعلامية ضد حركة حماس والدعوة إلى تنسيق مشترك بين الجانبين في قضايا الحدود.
فالإعلام المصري دأب على بث تقارير تزعم تسلل مسلحين من قطاع غزة إلى سيناء لتنفيذ هجمات ضد الجيش المصري، ما دعا القيادي بحركة حماس صلاح البردويل، إلى اتهام وسائل الإعلام هذه بشن حملة تحريضية جديدة على حماس، لتهيئة الأجواء لتوجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة.
يتزامن هذا الانقسام حول توجيه ضربة إلى مدينة رفح الفسلطينية مع الحديث عن طلعات جوية لسلاح الطيران المصري على الحدود مع قطاع غزة وتصوير مناطق برفح وخان يونس ربما بغرض إعداد بنك أهداف في حال الإقدام على هذه الخطوة.