أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم تقريرًا يتحدث عن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر، واعتبرت المنظمة في تقريرها أن ضباط الأمن الوطني يعملون خارج نطاق القانون لأن غالبية حالات الاختفاء القسري التي تتم للمعارضين تكون بواسطتهم.
أكدت المنظمة في تقريرها أن الإخفاء القسري يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإذا تم على نحو ممنهج كسياسة متبعة فإنه يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وأضافت المنظمة أنه على حلفاء مصر، وبالأخص الولايات المتحدة وبلدان أوروبا، ألا يشاركوا في أية معونة لقوات الأمن الداخلي المصرية حتى تُجري مصر تحقيقات شفافة في الانتهاكات الجسيمة من قبيل عمليات الإخفاء القسري المزعومة، بحسب ما أوردته منظمة هيومن رايتس ووتش.
وقد صرح جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة بقوله: “يبدو أن قوات الأمن المصرية اختطفت عشرات الأشخاص بدون إشارة إلى أماكنهم أو ما حدث لهم، ويعمل إخفاق النيابة العامة في التحقيق الجدي في تلك القضايا على تعزيز الإفلات شبه المطلق من العقاب الذي تمتعت به قوات الأمن في عهد الرئيس السيسي”.
فيما وثقت المنظمة حالات خمسة أشخاص اختفوا قسريًا، وشخصين يرجح أن يكونوا قد اختفوا قسريًا، بين شهري أبريل ويونيو من العام 2015؛ وفي ثلاثة من الحالات، شوهد الأشخاص للمرة الأخيرة في عهدة مسؤولين رسميين، رغم أن سلطات الدولة أنكرت في البداية احتجاز الأشخاص أو رفضت الكشف عن أماكنهم، وفي ثلاثة حالات قال أقارب للأشخاص المختفين أو آخرون ممن يعرفونهم إن قوات الأمن قبضت على الضحايا، وما زالت طبيبة من المختفين في أبريل 2014 مجهولة المصير حتى الآن.
المنظمة تقول إن الحالات التي وثقتها تظهر نمطًا واضحًا من إخفاق النيابة في إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة، ففي ثلاث حالات تحددت أماكن الأشخاص بعد أيام أو أسابيع، إما لإقرار سلطات الدولة في النهاية باحتجازهم، أو لقيام آخرين بمشاهدتهم تحت التحفظ الرسمي، وفي ثلاث حالات أخرى تم العثور على أشخاص كان يسود اعتقاد بإخفائهم قسريًا من جانب قوات الأمن ووجودهم تحت التحفظ الرسمي، موتى بعد فترة كانت أماكنهم خلالها غير معلومة، وهذا ما يعني وجود مسؤولية للنيابة العامة في هذه الحالات.
أنكرت وزارة الداخلية المصرية مزاعم الإخفاء القسري، وقد صرح مسؤول شرطي رفيع المستوي لم تتم تسميته لوكالة الأنباء الفرنسية في يونيو 2015 بقوله: “نحن لا نلجأ إلى تلك الأساليب، وإذا كان لدى أي شخص دليل فعليه التقدم بشكوى رسمية إلى وزارة الداخلية”، في حين أن السلطات لم ترد على معظم الشكاوى المقدمة من منظمات مستقلة، ويبدو أن الأمر نفسه ينطبق على الشكاوى المرفوعة بواسطة المجلس القومي لحقوق الإنسان.
فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري في تقريره الأخير، في سبتمبر 2014، أوضح أنه يراجع 52 قضية عالقة في مصر، وقد أبدى الفريق “القلق من استمرار تدهور الوضع في مصر، مما قد يسهل حدوث انتهاكات حقوقية متعددة، بما في ذلك الإخفاء القسري”.
وقد تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش عن روايات لحالات الاختفاء القسري، حيث أكدت المنظمة أنها أجرت مقابلات مع 3 محامين و5 نشطاء حقوقيين و4 صحفيين، علاوة على الأقارب وثيقي الصلة بالضحايا في جميع الحالات، لكنها وافقت على عدم تسمية بعض من أجريت معهم المقابلات لأسباب أمنية، وقد قامت هيومن رايتس ووتش بمكاتبة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر للاستعلام عن بعض حالات الإخفاء القسري.
وحصلت هيومن رايتس ووتش أيضًا على توثيق لـ 14 حالة من الحالات التي حققت فيها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وقائمة حالات الإخفاء القسري الـ 164 المزعومة التي جمعتها حملة “الحرية للجدعان”، و3 قوائم تضم ما مجموعه 786 شخصًا يزعم أنهم اختفوا قسريًا في مارس وأبريل ومايو، من إعداد التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وذكرت المنظمة روايات اختفاء في تقريرها بالتفاصيل.
وأكدت المنظمة أنه على السلطات المصرية أن تكشف فورًا عن أماكن احتجاز المختفين قسريًا وأن تحاسب المسؤولين عن ذلك، كما أكدت أنه يتعين على السلطات إما أن تفرج عن أي محتجز بالمخالفة للقانون أو أن توجه إليه الاتهام بجريمة معترف بها، وأن تعرضه فورًا على قاضٍ لمراجعة احتجازه، وأن تحاكمه أمام محكمة تلبي المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
صدر هذا التقرير بعد تفاقم استخدام السلطات المصرية لأسلوب اختطاف المعارضين وإخفائهم قسريًا لفترات متفاوتة، وبعد فترة من التعذيب الممنهج يخرج هؤلاء المختفون قسريًا ليعترفوا بتهمٍ ملفقة عبر جهاز الأمن الوطني، كانت آخر هذه الحالات التي أحدثت ضجة هي اختطاف شابين وفتاة من شوارع القاهرة وإخفائهم لفترة تجاوزت الأسبوعين مع إنكار السلطات لوجودهم في أي من مقارات الاحتجاز الرسمية، حتى تم الإفصاح عن أماكنهم، وقد عُرض اسم الشابين في مقطع مصور يتهمهم بالضلوع في تكوين خلايا إرهابية، وهو ما يؤكد نهج السلطات المصرية في استخدام الاختفاء القسري كأداة لتلفيق التهم.