ترجمة وتحرير نون بوست
كما هو متوقع، يخيم شبح عودة اندلاع العنف في إقليم كشمير من جديد، فمقتل مدني كشميري آخر، محمد يوسف بهات، في يوم 2 يوليو، يذكرنا بالكراهية المستشرية في إحدى أقدم النزاعات الإقليمية في العالم، ونزع فتيل هذا التهديد يحتاج إلى عناية خاصة، بغية تجنب حرب أخرى في المنطقة، كون شعب كشمير ببساطة غير قادر على تحمل حرب أخرى، ومن هذا المنطلق، علينا ألا نتجاهل التقرير المُجرِّم الأخير لمنظمة العفو الدولية، والذي تمت عنونته بحق “مرفوض: الإخفاقات في المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي أفراد قوات الأمن في جامو وكشمير”، وكما هو واضح من العنوان، ينتقد التقرير القوات المسلحة الهندية بسبب انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، التي مضت بدون عقاب.
يمثل التقرير تعقيبًا لامعًا يأتي في الوقت المناسب حول موضوع الصراع في كشمير، وقدرة هذا الصراع على تصعيد شبح الحرب النووية، ولكن مع ذلك، وعلى الرغم من دقة التفاصيل التي يتمتع بها التقرير، بيد أنه لم يتناول صلب الموضوع، ألا وهو حق كشمير في تقرير المصير، ومخاطر انتقاص هذا الحق؛ فنظرة واحدة إلى الماضي، تبين لنا أن الكشميريين منذ نقل كشمير إلى سلطة حكم عائلة دوغرا على يد الحكم البريطاني الاستعماري في عام 1846، يناضلون من أجل استقلالهم.
أسياد مصيرهم
بعد تقسيم الإمبراطورية البريطانية لجنوب أسيا في عام 1947، والذي نجم عنه خلق بلدين جديدين هما الهند وباكستان، كان شعب كشمير يقف منتشيًا أمام إمكانية التصويت التي قد تُفتح أمامه، والتي ستخوله إما الانضمام لباكستان، أو للهند، أو الحصول على الاستقلال الكامل، ولكن بدلًا من تحقيق تطلعات الشعب الديمقراطية، تم استبدال الطغاة السابقين بطغاة آخرين، مما أسفر عن عنف قضى على حياة الملايين، وهو الوضع الذي وصفه الروائي الهندي أرونداتي روي بـ”ركلة الوداع” البريطانية لسيادتها السابقة.
في نهاية المطاف، استقطب الوضع في كشمير انتباه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يناير من عام 1948، وتم تمرير قرار لإنشاء لجنة خاصة للتحقيق في الصراع، واتباعًا لتوصية اللجنة، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا آخر في أبريل من العام ذاته، يقضي بجعل كشمير منطقة منزوعة السلاح، ويدعو لتحديد القرار النهائي بالشأن الكشميري من خلال استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة.
ولكن هذه القرارات لم تطبق بتاتًا على أرض الواقع، ونتيجة لحرمانه من حقه في تقرير المصير، دخل الشعب الكشميري في حالة ثورة مزمنة استمرت لعدة عقود، وازداد هذا الوضع تعقيدًا بعد إعدام مقبل بهات في عام 1984، مما أجج على الفور تمردًا في الإقليم، سرعان ما استثار حملة قمع مضادة رهيبة في جميع أنحاء الإقليم في تسعينيات القرن الماضي.
مقاومة الحجارة
منذ تلك اللحظة، تحول النزاع في كشمير إلى شكل من أشكال مقاومة الحجارة الفلسطينية.
أعمال العنف في الإقليم كانت مروعة ورهيبة، والدليل عليها يتمثل بالمقابر الجماعية، واستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب، ومجموع الوفيات الذي وصل وفقًا لتقديرات الحكومة الهندية المحافظة إلى 47.000 شخص في العقدين الماضيين، علمًا أن المنظمات غير الحكومية في كشمير تشير إلى أن عدد إجمالي الوفيات يناهز الـ100.000 شخص.
لا يوجد أدنى شك بأن تجاهل احتمال نشوب تمرد في كشمير هو عمل خطير وغير مسؤول، كون التهديد باندلاع الأعمال العدائية والتصعيد السريع لعدم الاستقرار، هو خطر داهم وقائم بشكل دائم بين هذه الجماعات الإقليمية، حيث أدى هذا الصراع على طول العقود الماضية إلى اندلاع ثلاثة حروب بين الهند وباكستان، كما أوصل البلدين إلى حافة حرب نووية كارثية؛ لذا، وبغية إنقاذ المنطقة من الانغماس الكلي في حالة من الفوضى، يجب التوصل إلى حل نهائي لقضية كشمير.
حاليًا، أصبح مفهوم السلام يلقى صدى كبيرًا لدى بعض كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية، حيث ناقش هؤلاء مسارات الحل السلمي مع المعنيين في قضية كشمير خلال الفترة الماضية، كما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذاته، أعرب عن هذه الآراء ضمن حملته الرئاسية مشيرًا إلى أن أمريكا “ستواصل دعم الجهود الباكستانية – الهندية الجارية لحل مشكلة كشمير بغية معالجة الجذور السياسية لسباق التسلح بين الهند وباكستان”.
الانهيار تحت طغيان المتطرفين
وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند كان أكثر وضوحًا ومباشرة من الرئيس الأمريكي عندما كتب “أفضل ترياق للتهديد الإرهابي على المدى الطويل هو التعاون، ورغم أنني أفهم الصعوبات الحالية التي قد تنجم عن ذلك، بيد أن حل النزاع حول كشمير سيساعد على حرمان المتطرفين من المنطقة الأولى والأساسية التي يدعون فيها للسلاح، وسيسمح للسلطات الباكستانية بالتركيز بشكل أكثر فعالية على مواجهة الخطر على حدودها الغربية”.
في الوقت الحاضر، تطرح مشكلة عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات المتطرفين في باكستان تحديًا خطيرًا، فلا شيء سيكون أشد دمارًا وكارثية من انهيار باكستان تحت وطأة طغيان المتطرفين؛ فعلى الرغم من التزام الحكومة الباكستانية بإنهاء آفة الإرهاب التي تؤثر عليها، بيد أن جهودها في هذا المسعى يجب أن يتم دعمها دوليًا، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي المضي قدمًا وإلزام جميع الأطراف لوضع خارطة طريق نحو السلام.
لا مندوحة من القول بأن الطريق لمكافحة الجماعات الإرهابية المتطرفة العالمية يمر عبر كشمير، كون هذا النزاع هو سبب رئيسي للتطرف، وإيجاد الحل المستدام له سيشكل ضربة قاصمة تشل قدرة بعض الجماعات المتطرفة على تجنيد أتباع لها في المنطقة، ولكن إذا لم يتحقق العزم الدولي في هذا الشأن عن طريق العمل الحازم والتدابير الملموسة على أرض الواقع، فإن معارضي السلام سيكتسبون مراكزًا أشد رسوخًا وصلابة في مهمتهم الساعية للدمار.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية