بينما كان ينتظر الأطفال العيد لقضاء أوقات ممتعة في التنزة واللعب، كان الصبي عُبادة أحمد جمعة، ذي الخمسة عشر ربيعًا يقضي أول أيام عيد الفطر المبارك تحت التعذيب والضرب المبرح والصعق بالكهرباء على أيدي رجال الأمن في أحد مقار الاحتجاز المصرية، الأمر الذي أفضى إلى إصابة الطفل بكدمات وجروح قطعية بالرأس.
الصبي عُبادة اختطف أول أيام العيد من أحد الملاعب بمدينة نصر شرقي القاهرة أثناء لعبه كرة القدم مع عدد من أصدقائه، وبعد إخفائه قسريًا ليومين تفاجأت أسرته بصورة نشرت له على صفحات تابعة لوزارة الداخلية يظهر خلالها مكبل اليدين بشكلٍ خلفي وأمامه مجموعة من المعدات وفوارغ طلقات رصاص وخرطوش، حيث اتهم بتصنيع الأسلحة النارية والإتجار بها.
اعتقال عُبادة من ملعب لكرة القدم ذكرني بما رواه لي شقيقي الصغير – محمد – بعد خروجه من السجن، حيث قال إن رجال الشرطة ألقوا القبض على عدد من الأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية حينما كانوا يلعبون مباراة كرة قدم في أحد شوارع القاهرة، شقيقي الذي اُعتقل من أحد مساجد القاهرة في الذكرى الرابعة لثورة يناير حيث كان حينها في 16 من عمره، أكد أن الأطفال كانوا بالملابس الرياضية وقت اعتقالهم ورغم تأكيداتهم المتكررة للضباط أنهم يلعبون، لم يحالفهم الحظ للنجاة من السجن مع عشرات في مثل عمرهم داخل زنازين ضيقة مكتظة بالمعتقلين مع المكوث لأيام دون طعام أو أغطية وملابس.
اتهام طفل بتصنيع الأسلحة وتعذيبه للاعتراف بتلك التهم التي لا تنطلي على عاقل لم يعد مستبعدًا على نظام يجد سعادته في قتل معارضيه والتنكيل بهم بشتى الطرق، فأمثال الطفل عبادة كُثر، حيث يواجه بعض الأطفال تهمًا بالقتل، وآخرين يحاكمون بتهم استعراض القوة واستخدام العنف وحيازة الأسلحة، وأيضًا قطع الطرق والسكك الحديدية وإتلاف الممتلكات العامة وتكدير السلم العام وترويع المواطنين، إذ يبدو أن السلطات المصرية لم تدرك بعد أن من يواجهون تلك التهم أطفال لم يتجاوزوا الثامنة عشر من عمرهم وليسوا رجالًا خارقين.
بحسب تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس مونيتور مطلع أبريل الماضي قالت إن النظام المصري اعتقل ما يزيد عن 2200 طفل منذ أحداث 30 يونيو 2013 وحتى وقت صدور التقرير، وأشارت المنظمة إلى أن نحو 950 طفلًا تعرضوا للمعاملة القاسية والتعذيب النفسي والجسدي، وتحدثت كذلك عن تعرض نحو 78 طفلاً إلى العنف الجنسي.
ما يزيد عن 500 طفل ما يزالون رهن الاحتجاز حاليًا في السجون المصرية، تتصدر تلك القائمة في اعتقال الأطفال محافظة الإسكندرية بنصيب 165 طفلًا، تليها الدقهلية حيث إن 95 طفلًا من أبناء المحافظة رهن الاحتجاز، البحيرة جاءت في المرتبة الثالثة في اعتقال الأطفال بنحو 44 طفلًا، أما بورسعيد والقاهرة والإسماعيلية وبني سويف تتقارب في عدد الأطفال المعتقلين من أبنائها بما يزيد عن 20 طفلًا في كل محافظة، وذلك كما ورد في إحصائية أجراها عدد من نشطاء حقوق الإنسان منذ أحداث 30 يونيو وحتى منتصف يناير الماضي.
وأوضحت الإحصائية أن عدد الأطفال الذين يقضون أحكامًا بالسجن 55 طفلًا، بالإضافة إلى أن 105 طفل من المحتجزين تستمر محاكمتهم أمام محاكمات جنح وجنايات، فيما أوضحت النسبة أن نحو 330 طفلًا يتم تجديد حبسهم بشكل دوري دون محاكمات، هذا باستثناء مئات الأطفال المطاردين الذين صدرت بحقهم أحكامًا قضائية دفعتهم لترك منازلهم والسفر إلى بلدان أخرى داخل وخارج مصر خشية الاعتقال وتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم.
الدولة المصرية لا تجد حرجًا في إصدار أحكام قضائية بحق الأطفال أيضًا بجملة الجرائم التي مارستها على مدار عامين ولا زالت، فكانت محكمة جنح الطفل بمدينة الإسكندرية قضت في نوفمبر الماضي بالحكم على ثمانية وسبعين طفلاً بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، حيث وصل مجموع سنوات الاعتقال إلى 340 سنة.
المحاكمات العسكرية ذاق ويلاتها عدد ليس بالقليل من الأطفال، كما أن بعض الأطفال المعتقلين صدرت بحقهم أحكامًا بالسجن لـ 15 عامًا رغم أن عمرهم لم يتم 15 عامًا بعد، وآخرين صدر بحقهم أحكامًا بالإعدام خُففت بعد ذلك لما يتجاوز العشر سنوات، إذن حال تنفيذ تلك الأحكام سيخرج هؤلاء الأطفال من السجن في العقد الثالث أو الرابع وقد انقضى بهم العُمر بين جدران السجن البالية.
ما يزيد من معاناة أطفال حظهم العاثر أنهم ولدوا حاملين للجنسية المصرية هو ما يلقوه داخل أماكن الاحتجاز المختلفة من الضرب والإهانة اللفظية والجسدية أو إلقاء الماء العفن والبارد عليهم في وقت الشتاء، وإطفاء السجائر في أجسادهم، أو ربما حرق ملابسهم وإجبارهم على النوم على الأرض، تلك الجرائم كانت جزء يسير بحق الأطفال بالمقارنة مع عدم الفصل واحتجازهم مع أطفال محبوسين في قضايا جنائية خطرة، فيقوم الأطفال الجنائيين بانتهاك أعرض الأطفال في قضايا سياسية تحت مرأى ومسمع ومراقبة إدارة المؤسسة العقابية، كما يقومون بتعذيبهم وضربهم بشكل دوري.
حيث روى أطفال قضوا فترات اعتقال في المؤسسة العقابية في القاهرة أن إدارة المؤسسة كانت تجبرهم على تنظيف الحمامات وتقوم بضربهم بشكل دوري وتحرمهم أحيانًا من الطعام بعدم تقديمها الوجبات المليئة بالحشرات والقطع الخشبية والحجارة، بل أحيانًا كانت تجبر الأطفال على قضاء حاجتهم دون غلق الباب أو تدخلهم مجموعات لقضاء حاجتهم والاستحمام دون احترام خصوصيتهم، وأيضًا الوقوف لساعات وتبديل أوقات النوم لكثرة الأعداد داخل كل زنزانة.
ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقرير نشرته في شهر يونيو من العام الماضي أن مئات الأطفال محتجزون في السجون المصرية دون مياه نظيفة، ومحرومون من الرعاية الطبية أو حتى أشعة الشمس، وذلك وفقًا لما ذكره مركزالنديم للعلاج والتأهيل النفسى لضحايا الاعتقال للصحيفة، بعض الانتهاكات دفعت الأطفال للدخول في إضرابات عن الطعام كان أضخمها دخول 120 طفلًا معتقلًا داخل المؤسسة العقابية بالقاهرة، ودار رعاية الأحداث بكوم الدكة بالإسكندرية وطالبات معتقلات بسجن القناطر في إضراب كلي مفتوح عن الطعام لأيام احتجاجًا على التعذيب وسوء المعاملة.
كما يقع هؤلاء الأطفال ضحية للإهمال الطبي، ففي تقرير نشره المركز العربي الأفريقي للحريات في يونيو من العام الماضي قال إن 24 طفلًا أصيبوا بالغدة النكافية بعد انتشار المرض لامتناع إدارات السجون عن تقديم العلاج، بالإضافة إلى حديث بعض المنظمات الحقوقية عن حرمان أطفال معتقلين مصابين بأمراض مختلفة من السكري والأمراض الصدرية ومشاكل بالعظام من العلاج، فضلًا عن إصابة بعض الأطفال بأمراض معدية وحساسية نتيجة الأماكن غير الآدمية المحتجزين داخلها، والنقل للمستشفى يكون فقط لمن يشتبه في قرب وفاته.
الأطفال في مصر حين صاروا شبابًا لم تعطهم الدولة يومًا فرصة للمشاركة المجتمعية أو السياسية، وأما في مرحلة الطفولة فقد قررت الدولة حرمانهم من حقوقهم الأساسية، لتجبرهم على المشاركة في المعترك السياسي رغمًا عنهم منذ انقلاب الثالث من يوليو ولكن مشاركتهم كانت مختلفة، إذ إن دورهم تمثل في التنكيل بهم والتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري والمطاردة الأمنية وإصدار الأحكام بالسجن والقتل، وكأن السلطة في مصر قررت أن تواجه أعتى العصابات الإجرامية ولكن هذه العصابات مكونة من بضعة أطفال ظنتهم الدولة المصرية “خارقون”.