ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تحدثت صحيفة “ديلي ميرور” هذا الأسبوع، عن وجود ما يسمى بـ”قاعدة أمامية” لتنظيم داعش في البوسنة والهرسك، فهل يجب أن نخشى موطئ قدم لهذا التنظيم في منطقة البلقان؟
شعر الجميع بالهلع من هذه الصورة التي كشفت عنها صحيفة “ديلي ميرور”، والتي تُظهر علم تنظيم داعش وهو يرفرف في سماء بلدة معزولة في شمال البوسنة والهرسك، على أبواب الاتحاد الأوروبي، ووفقًا للمقال الذي نشرته الصحيفة البريطانية، فإن القرية أصبحت “قاعدة أمامية” و”معسكرًا” لتنظيم داعش، هذه المعلومة أثارت الكثير من القلق، ولكن هل يجب أن نرى في وجود هذا العلم تهديدًا حقيقيًا حتى الآن؟
جان أرنو ديرانس، رئيس تحرير صحيفة “كورييه دي بلقان”، يجيب على أسئلة صحيفة نوفال أوبسارفتور الفرنسية:
هل فوجئتم بالتقرير الذي نشرته صحيفة “ديلي ميرور”؟
لا، فالعديد من الجماعات المسلحة تأسست في البوسنة والهرسك على مدى العشرين عامًا الماضية، وأبرز مثال على ذلك قرية غورنيا في منطقة بركو، حيث أقام أحد القادة السلفيين في البوسنة، يدعى نصرت إيماموفيتش، والذي غادر للقتال في سوريا سنة 2013، ولكن في صفوف جبهة النصرة وليس داعش.
ويذكر المقال شراء الأراضي من قِبل هذه المجموعات، وهو ما يبدو لي قريبًا من الصواب بما أن هذا يفي بشرطين أساسيين بالنسبة للسلفيين؛ الانعزال عن العالم، والتمكن من الحصول على المساحات الكافية لاستيعاب ومساعدة “الإخوة” الذين يريدون السفر لمناطق القتال.
ومع ذلك، وفيما يتعلق بحقيقة إنشاء معسكر تدريب لتنظيم داعش على الأراضي البوسنية، فإني حائر تمامًا، فالشبكات المتشددة البوسنية قريبة تاريخيًا من حركات أخرى مثل جبهة النصرة، التي تعد واحدة من أهم أعداء تنظيم داعش في سوريا والعراق، ففي فبراير الماضي، استعرضت الصحافة البوسنية المحلية حلقة لتوضح هذه الخصوصية البوسنية، ففي إحدى الليالي، تم تعليق راية تنظيم داعش على شرفة منزل في قرية غورنيا، وفي اليوم التالي، قام صاحب المنزل بنزعه واستبداله بعلم جبهة النصرة، ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققه مؤخرًا تنظيم داعش سمح له بكسب شعبية بين المتشددين في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك في البوسنة .
هناك ولاء لتنظيم داعش أم لا، كيف يمكن تفسير وجود هؤلاء المسلحين في البوسنة؟
يجب الرجوع إلى حرب البوسنة في منتصف تسعينات القرن العشرين، ففي ذلك الوقت جاء الآلاف من المجاهدين من الدول العربية أو من الشيشان للقتال إلى جانب البوسنيين، وفي نهاية الحرب، تحصل معظمهم على الجنسية البوسنية لأنهم “خدموا الأمة”، وغادر الكثير منهم البلاد بعد أحداث 11 سبتمبر لتجنب الاعتقالات الجماعية، ولكن البعض منهم بقوا وأسّسوا مجموعات دينية، وبالنسبة للجزء الأكبر منهم، فهم يعيشون بمبادئ الإسلام في عزلة عن بقية العالم، تطبيقًا للفكر السلفي.
هل لتنظيم داعش مصلحة خاصة في أن يكون له موطئ قدم في منطقة البلقان؟
هذا في الواقع مصدر قلق، على الرغم من أن القليل من الأدلة حاليًا تشير إلى وجود إستراتيجية حقيقية وضعت في المنطقة، وما يقلق في المقابل أن البلقان هي أرض خصبة وبشكل خاص للمتطوعين للقتال، وهذا يمكن أن يستغله تنظيم داعش.
فالبوسنيون الذين يسافرون إلى سوريا والعراق للقتال إلى جانب تنظيم داعش، هم في معظمهم من الشباب الذين لم يعرفوا حروب التسعينات، وهم في الكثير من الأحيان تربوا في الخارج مع “أسطورة المجاهدين” الذين جاءوا “لإنقاذ الوطن”، ويُنظر إلى الجهاد أحيانًا من قِبل هذا الجيل كوسيلة لإبراز هويتهم.
وفيما يتعلق بقنوات الدعم التي تنطلق من البلقان، فإني لا أعتقد أن المشكلة تنشأ خصيصًا في هذه المنطقة، وللأسف، فإن المرشحين للذهاب إلى سوريا والعراق لن يحتاجوا للذهاب من خلال البوسنة وكوسوفو.
في حالة القرية التي كشفت عن وجودها صحيفة ديلي ميرور، كيف يمكن شرح السلبية الواضحة من قِبل السلطات البوسنية؟
إن سلطات البوسنة والهرسك لم تبق مكتوفة الأيدي، ففي سبتمبر الماضي، قامت الشرطة بحملة أمنية مفاجئة، ما أدى إلى إلقاء القبض على 15 عنصرًا من بين الذين قاتلوا في سوريا والذي نظموا رحيل الشباب البوسنيين إلى مناطق النزاع، وكان من بينهم بلال البوسني، وهو واعظ راديكالي اشتهر عن طريق يوتيوب من خلال إصدار نداءات للجهاد، بالنسبة للبقية، يبدو لي واضحًا جدًا أن هذه الجماعات تحت مراقبة لصيقة وأن المخابرات الغربية لديها معرفة كاملة بوجودها ولفترة طويلة.
ومن المهم أيضًا أن نتذكر أنه على عكس جيرانها في ألبانيا وكوسوفو، فإن الإسلام في البوسنة يتمتع بحضور قوي للغاية، وببساطة، يتم مراقبة السلفيين وخطبهم كما أن التيارات المتطرفة تمثل أقلية، وسيكون من الخطأ أن نقول إن البوسنة تواجه خطرًا إرهابيًا وشيكًا، ففي ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا خصوصًا، يوجد العديد من المساجد الخارجة عن سيطرة الهياكل الرسمية، ويمكن استثمارها من قِبل الدعاة السلفيين.
ومع ذلك، هل يمثل هؤلاء الجهاديين تهديدًا مباشرًا لأوروبا؟
من الصعب قول ذلك حاليًا، ومع ذلك، فإن تقديم هذه القرى البوسنية كقواعد متقدمة لتنظيم داعش في القارة الأوروبية يبدو مبالغًا فيه وإلى حد كبير، ونفس الشيء بالنسبة لشراء الأراضي بغية إنشاء معسكرات تدريب للقتال، فلا يمكن أن نربط الأمن الأوروبي بصورة رسمت لعلم تنظيم داعش عند مدخل القرية، خصوصًا مع عدم وجود ما يدل في هذا الوقت أن تنظيم داعش لديه إستراتيجية متكاملة يهدف لأن ليكون لديه موطئ قدم في البلقان.
ولكن ما يصدمني من الوهلة الأولى، هو كيف تعاملت وسائل الإعلام الصربية مع المعلومات التي كشفت عنها صحيفة ديلي ميرور بحساسية مبالغة، وهذا بحسب رأيي، لا يخلو من الحسابات السياسية، زيارة رئيس الوزراء الصربي في سريبرينيتسا خلال الأسبوع الماضي تبين كيف أن التوترات بين الصرب والبوسنيين لا تزال قوية، فهذا النوع من “التعامل الإعلامي” معتاد عليه بالنسبة لصربيا، التي تريد أن تظهر للعالم على أنها الحصن ضد الإرهاب في المنطقة.
المصدر: صحيفة نوفال أوبسارفتور الفرنسية