ظهر بالأمس تسجيل صوتي منسوب إلى ضابط صاعقة مصري سابق يُدعى “هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم” لقب نفسه في المقطع المسجل بأبي عمر المهاجر، وقد ترددت أنباء في السابق أن عشماوي هو أحد القيادات الميدانية لتنظيم أنصار بيت المقدس الذي تحول اسمه إلى “ولاية سيناء” بعد مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
استهل الفيديو مقطعًا مسجلًا يُظهر كلمة لزعيم تنظيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، يدعو فيه الأمة إلى “الجهاد بالبيان كما تُجاهد بالسنان” على حد وصفه، ظهور الظواهري في مطلع رسالة عشماوي أثار الجدل حول حقيقة انتمائه الحالي لتنظيم ولاية سيناء، بيد أن البعض رجح عملية انشقاقه عن التنظيم بعد بيعة الأنصار لتنظيم الدولة، إذ يُرجح المتابعون للشأن الجهادي أن ثمة انشقاق داخلي في جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء بعد إعطاء البيعة لتنظيم الدولة، فيُرجح أن هناك جناحًا يُصنف على أنه قاعدي يدين بالولاء لتنظيم القاعدة وهو الذي يُحسب عليه الآن عشماوي بحسب مراقبين.
انتقل المقطع المنسوب إلى عشماوي إلى كلمة له بدأها بتهنئة الأمة الإسلامية بحلول عيد الفطر، ثم أردف محرضًا على الرئيس المصري الجنرال السيسي داعيًا إلى الجهاد ضده، وهو الأمر الذي وصفه بأنه فرض عين على كل مسلم لا عذر له في القعود عنه، معلنًا بهذا عن وجود تنظيم جهادي تحت إمرته باسم “المرابطون”.
الجدير بالذكر أن هشام عشماوي قد تردد اسمه كأحد المتهمين الرئيسين في قضية اغتيال النائب العام المصري “هشام بركات” بعد استهداف موكبه في يونيو الماضي، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتردد فيها اسم عشماوي في الأوساط الإعلامية المصرية، ففي أكتوبر من العام الماضي تحدث البعض عن ضابط صاعقة سابق يتولى قيادة العمليات الميدانية لتنظيم أنصار بيت المقدس، فمن هو هشام عشماوي؟ وما هي المعلومات المتاحة عنه حتى الآن من خلال ما يتم تدواله بين النشطاء المصريين؟
عشماوي الذي يبلغ من العمر 35 عامًا أحد ضباط القوات المسلحة المصرية منذ منتصف التسعينيات، عمل بالصاعقة المصرية كفرد تأمين بها ونقل البعض عنه نبوغه وتفوقه في تدريبات فرق الصاعقة في مختلف مراحل حياته العسكرية، زوجته نسرين حسن التي تعمل كأستاذة بجامعة عين شمس تؤكد أن هشام عشماوي ظل في الخدمة العسكرية حتى عام 2012 على قوة سلاح الدفاع الشعبي بعد أن تم عزله من سلاح الصاعقة وذلك طبقًا للتحقيقات الأمنية التي تمت وتتم معها باستمرار منذ ظهور اسم زوجها على الساحة المصرية.
بداية التحولات لدى عشماوي كضابط عسكري متفوق مشهود له بالكفاءة من كافة زملائه وقادته كان في مطلع الألفينيات، حيث ظهرت عليه بوادر التزام ديني ومحاولات لنشر أفكار وصفت بأنها متشددة، من بين هذه البوادر التي حُكيت في حياة هشام أنه وبخ قارئًا للقرآن في أحد المساجد التي كان يُصلي بها بسبب أخطاء في أحكام التلاوة، وظل هشام عشماوي هكذا حتى أُحيل إلى محكمة عسكرية بسبب الشبهات التي أثيرت حوله، وقد برزت رواية بأن عشماوي تم تسريحه من الجيش في العام 2009 ورواية أخرى تقول إنه استبعد من الجيش على إثر حكم المحكمة العسكرية في حالته في نهاية العام 2011 مطلع 2012 وهي الرواية المطابقة لشهادة زوجته في التحقيقات الأمنية.
عمل عشماوي في سيناء مدة عشر سنوات وهو ما يفسر معرفته جيدًا بجغرافيتها؛ ما ساعد تنظيم أنصار بيت المقدس كثيرًا في معاركه ضد الجيش في سيناء، عقب فصل عشماوي من الخدمة وانقطاع علاقته بالمؤسسة العسكرية التي لطالما روج بين الجنود والضباط أفكارًا تدور حول عدم إطاعة أوامر القادة بها.
كون بعد ذلك خلية تضم مجموعة من الجهاديين يُقال إن من بينهم 4 ضباط شرطة مفصولين من الخدمة وآخرين من الجيش التحقوا بعد ذلك بتنظيم أنصار بيت المقدس، المعلومات المتوافرة عن هشام تتحدث عن سفره إلى سوريا إبان اندلاع الثورة السورية والدخول السلاح على خط مواجهة النظام، حيث تردد هشام على معسكرات لجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، كذلك تحدثت تقارير أخرى عن علاقة هشام عشماوي الوطيدة بالقاعدة في ليبيا والمغرب العربي عمومًا، وهي التي يتردد عشماوي عليها حتى الآن في درنة.
هشام عشماوي متهم بالضلوع في التخطيط والتنفيذ لكافة العمليات النوعية الكبرى التي تمت في مصر من بينها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم وقضية عرب شركس التي أُعدمت على خلفيتها الخلية التي تم القبض عليها، كما اتهم بأنه المخطط الأول والمشارك في تنفيذ مذبحة كمين الفرافرة، في شهر يوليو 2014، وهي العملية التي قتل فيها 22 مجندًا بالجيش، واتهم أيضًا بالمشاركة في استهداف الكتيبة 101 في شهر فبراير من هذا العام بعد اقتحامها، كما اعتبره البعض المدرب الرئيسي في التنظيم الذي ساهم في تشكيل نواة الخبرة العسكرية لدى أفراد التنظيم في سيناء.
ترددت أنباء عن إصابة هشام عشماوي في اشتباكات مع قوات الجيش على طريق السويس، وهو ما استلزم سفره إلى ليبيا وترك القيادة إلى عناصر جهادية أخرى فُصلت من القوات المسلحة تلقت تدريبات على يديه، كما تحدث نشطاء عن نجاح عشماوي في تجنيد العديد من العناصر المنتمية للقوات المسلحة المصرية في مختلف الأسلحة واستشهدوا بواقعة ضابط البحرية أحمد عامر الذي حاول اختطاف قطعة بحرية مصرية بعد قتل طاقمها بالكامل، وقد آثر سلاح الجوي المصري تدمير القطعة البحرية بمن عليها لغلق القضية تمامًا وعدم فتح ملف العناصر الجهادية التي تساعد عشماوي من الداخل.
بهذا الفصل الجديد الذي أعلنه عشماوي عبر إدخاله لجماعة جهادية جديدة على خط المواجهة مع الدولة في مصر، يكون تنظيم المرابطين هذه المرة تحت راية القاعدة، بعد أن تأكد انشقاق عشماوي عن تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة، وليكون أيضًا ثالث الجماعات الجهادية على الأراضي المصرية التي تتبنى العنف في مواجهة نظام السيسي بعد ولاية سيناء وأجناد مصر.
وقد تحدث متابعون عن إثر هذا الخبر على الساحة الجهادية في مصر، بحيث أن خسارة تنظيم أنصار بيت المقدس لخبرة عشماوي سوف يؤثر عليه من الجانب العملياتي البحت، دون مزيد من الحديث عن التنظيم الوليد “المرابطون” التابع للقاعدة والذي يبدو وأنه امتداد لتنظيم المرابطين الذي ينشط في شمال مالي والصحراء الكبرى، وهو الذي أكد أيضًا تبعيته لتنظيم القاعدة بعد أن عزل أميره السابق المبايع لتنظيم الدولة “عدنان أبوالوليد”، وهو ما يؤكد أن ثمة نشاطًا قاعديًا يتجه نحو المغرب العربي ومصر لمواجهة تمدد تنظيم الدولة في هذه المناطق.
الأمر يترك تساؤلات مطروحة حول مصير العلاقة بين تنظيم المرابطين الجديد في مصر بقيادة عشماوي وهو الجناح القاعدي السابق في ولاية سيناء الذي رفض البيعة لتنظيم الدولة، وبين الجناح البغدادي في التنظيم السيناوي الذي بايع تنظيم الدولة، خاصة مع تبادل الاتهامات بين قيادات القاعدة و قيادات تنظيم الدولة، وسابقة الاقتتال فيما بينهما في سوريا، وكذلك التساؤلات مطروحة عن إذا ما كان نشاط ولاية سيناء سوف ينحصر في شبه جزيرة سيناء بعد أن انشق العقل المدبر للعمل داخل الوادي “هشام عشماوي” الذي ربما يتولى بتنظيمه الجديد مواجهة النظام في عقر داره بالعاصمة القاهرة.