انطلق في تونس نقاش حام حول الإرهاب مع بداية ثلاثة أيام من التداول في البرلمان التونسي لأجل إقرار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، بديلاً عن قانون 2003 الذي أصدره نظام بن علي، وسط جو من التدافع السياسي والقلق الحقوقي على مصير الحريات في تونس الجديدة.
ويأتي هذا النقاش البرلماني عبر جلسات عامة إثر إنهاء لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي المصادقة على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الخميس 16 يوليو، رغم إقرار رئيس لجنة التشريع، عبادة الكافي، بوجود بعض النقاط الخلافية مرتبطة بتوسيع الجرائم الإرهابية لتشمل التكفير والتحريض على العنف.
وقد بدأ النظر في القانون الجديد للإرهاب منذ يناير من العام الماضي، لكن عملية المصادقة تعثرت بسبب خلافات حول عدد من فصوله، لكن تواتر العمليات الإرهابية، سرع بمطالبة المصداقة عليه لتعزيز جهود أعوان الأمن والجيش للتصدي للإرهاب.
ملامح مشروع القانون الجديد
ويضم مشروع القانون الذي صادق عليه 11 عضوًا من لجنة التشريع العام 138 فصلاً في بابين، الأول من الفصل الخامس إلى الفصل 86 يخص مكافحة الإرهاب وزجره، ويشمل باب مكافحة الإرهاب 11 قسمًا منها الأحكام العامة والجرائم الإرهابية والعقوبات المقررة لها إلى جانب اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب ومساعدة ضحايا الإرهاب، بينما تطرق الباب الثاني المتعلق بمنع غسيل الأموال وزجره من الفصل 87 إلى الفصل 138.
وقد عرّف مشروع القانون التنظيم الإرهابي على أنه كل مجموعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر تكونت لأي مدة كانت وتعمل بصورة متظافرة بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية داخل تراب الجمهورية أو خارجه.
وبحسب القانون، يُعد مرتكبًا لجريمة إرهابية كل من يتعمد بأي وسيلة كانت تنفيذًا لمشروع فردي أو جماعي يفضي إلى قتل شخص أو إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف المقررة بالفصلين 218 و319 من المجلة الجزائية، أو إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالصورة الثانية، أو الإضرار بمقر بعثة ديبلوماسية أوقنصلية أو منظمة دولية، أو الإضرار بالبيئة بما يعرض حياة المساكنين أو صحتهم للخطر، أو الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية.
وبالنسبة للعقوبات، يعاقب بالإعدام وبغرامة قدرها مائتا ألف دينار كل من يقترف الفعل المشار إليه بالصورة الأولى أو إذا تسببت الأفعال المشار إليها ببقية الصور في موت شخص، وويعاقب بالسجن بقية العمر وبغرامة قدرها مائة وخمسون ألف دينار كل من يقترف الفعل المشار إليه بالصورة الثالثة أو إذا تسببت الأفعال المشار إليها بالصور الرابعة والخامسة والسادسة في إلحاق أضرار بدنية من النوع المقرر بالصورة الثالثة.
ملاحظات قانونية وحقوقية حول القانون
وفي تعليقه على القانون، قال الخبير الدستوري التونسي، قيس سعيد، إن من أبرز نقاط الغموض التي تحوم حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب هو تعريف مفهموم الإرهاب والجريمة الإرهابية ومن هو الإرهابي.
واعتبر قيس سعيد أن الغموض حول الإجراءات التي ينص عليها قانون القضية تتعلق بالبحث عن المستفيدين من العملية الإرهابية، وأوضح سعيد أن النصوص الدولية التي تتعلق بقانون مكافحة الإرهاب عديدة وخاصة التي منحت السلطات الأمنية صلاحيات واسعة من بينها القانون الماليزي الذي تمت المصادقة عليه مؤخرًا.
كما دعا قيس سعيد إلى ضرورة دراسة أسباب تعمق هذه الظاهرة وتفشّيها ووضع إستراتيجية إقليمية لمواجهة خطر الإرهاب.
من جهته، أكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى أن الرابطة لديها العديد من التحفظات حول الصيغة النهائية لمشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال الذي من المنتظر أن تتم المصادقة عليه خلال الأيام القليلة القادمة.
وقال بن موسى إن هذه التحفظات تتمثل أساسًا في تضمين عبارات فضفاضة “فلم يتم تحديد مفهوم دقيق للإرهاب وهو ما يؤدي إلى قمع تحركات سلمية باعتبارها إرهابًا”، مضيفًا أن الإجراءات التي تضمنها القانون لا تضمن محاكمة عادلة إذ يظل المتهم في الإيقاف 15 يومًا وهو ما تعتبره الرابطة مدة مطولة، وأشار إلى إمكانية تعرض الأشخاص للتعذيب خلال هذه المدة خاصة مع التنصيص على عدم حضور المحامي.
ووفق ما صرح به بن موسى فإن الرابطة تعترض على مبدأ التنصت لما في ذلك من اعتداء على الخصوصيات، مضيفًا أن الرابطة ضد حكم الإعدام منذ القانون السابق الذي كان ينص عليه في فصل واحد وفي هذا القانون تم التنصيص عليه في 19 فصلاً إذ تم تغيير كل أحكام السجن المؤبد إلى الإعدام.
وأضاف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن صيغة قانون الإرهاب الحالي لم تركز على الجانب الوقائي من الظاهرة بل ركزت على الجانب العقابي منه.
سجال سياسي وبحث عن التوافق
وقد انطلق النقاش البرلماني وسط تباين في مواقف الأحزاب السياسية، إذ اعتبر عبادة الكافي، رئيس لجنة التشريع، قانون الإرهاب الجديد بالتاريخي وبالخطير على الإرهابيين، ونفى الكافي أن يكون هناك استعمال مفرط لعقوبة الإعدام في قانون مكافحة الإرهاب وحري بدعوات إلغائها أن يتم محوها من المجلة الجنائية، مشيرًا أن عددًا من الثغرات وقع تلافيها من التنصت واختراق المجموعات الإرهابية وهي نقاط قوة له.
وفي سياق متصل، قال رئيس لجنة شؤون الإدارة والقوات الحاملة للسلاح، محمد جلال غديرة، إن مشروع القانون الحالي المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال المعروض حاليًا أمام الجلسة العامة للمصادقة على فصوله جيد إلا أنه يفتقر إلى فصل يجرم الأعمال الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات الكبرى على غرار “داعش”، مبينًا أنه سيتم التطرق إلى هذا المقترح خلال الجلسة.
وطالب غديرة على هامش الجلسة العامة المخصصة لمناقشة قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال بضرورة التمديد في المدة التي أقرها القانون والمتعلقة بالاختراق ومراقبة المكالمات الهاتفية والشبكات الاجتماعية للجماعات الإرهابية والمسلحة، موضحًا أن القانون الحالي يحدد مدة 8 أشهر تحت الرقابة القضائية.
من جهته أعرب أمين عام حركة النهضة علي العريض عن تفاؤله بتمرير القانون قبل الموعد المحدد، مؤكدًا أن القانون أُدخلت عليه بعض التعديلات من الحكومة الجديدة، وتم التوافق على كافة فصوله داخل لجنة التشريع العام بأغلبية فيها نوع من الإجماع، وشدد علي العريض على ضرورة الملاءمة بين النجاعة الأمنية والعسكرية بالتدخل في إطار القانون واحترام الحريات، وقد عقد رؤساء الكتل صباح اليوم جلسة إلى حدود الساعة العاشرة والنصف صباحًا وتوافقوا على الفصول من 8 إلى الفصل 37 بهدف التسريع.
انطلقت المطالبة بهذا القانون منذ سنة 2013، ويبدو أن ثقل العمليات الإرهابية التي ضربت تونس عجّلت بفرض وضعه على سلم أولويات مجلس نواب الشعب التونسي، ورغم أن المداولات لم تخل من توجيه بعض التهم لبعض الأطراف والرد عليها، يبدو أن النواب سائرون للإيفاء بتعهدهم بالمصادقة عليها قبل انقضاء يوم 25 يوليو.