لا تكاد تمرّ لحظة واحدة، دون ممارسة احتلالية ضد الفلسطينيين، وسواء القائمةً على القتل والاعتقال، أو الحافلة بهدمٍ البيوت وبمصادرة الممتلكات، والتي ضاعفت مرّات ومرّات من حدّة غضبهم باتجاه المدافعة عن أنفسهم ومقدراتهم ومقدساتهم، وسواء كانت تلك المدافعة سياسيّة تقوم بها السلطة الفلسطينية، أو أمنيّة تقوم جهات منظّمة تابعة لأجنحة عسكرية مُقاوِمة، أو تُقدِم عليها جهات فرديّة كمبادرات من تلقاء نفسها، برغم مواصلة إسرائيل لإطلاق تهديداتها من أنها ستقوم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لإنزال عقوبات رادعة.
كانت شهدت الفترة الأخيرة الماضية تصعيداً إسرائيليّاً خطِراً، أنشأ ردّة فعل فلسطينية غاضبة، تم ترجمتها في سلسلة عمليات انتقامية مكثّفة، استهدفت قوات الجيش وأفراد المستوطنين، في أنحاءٍ مختلفة من الضفة العربية ومدينة القدس بخاصة، والتي أصبحت مصدر قلق وارباكٍ قاتلين، خاصةً للنخبتين السياسية والعسكرية الإسرائيليتين، وما زاد من كمّيتهما على نحوٍ خاص، هو أنه يتعذّر إيقافها أو حتى الحدّ منها، وخاصة الواردة من قِبل أشخاص مفاجئين، ولا أسماء لهم في سجلاّت الأجهزة الاستخبارية.
كما أن ما يشغل الإسرائيليين بشكلٍ عام، هو أنهم لم يستمعوا إلى أي صوت فلسطيني (رسمي)، يتبرّأ من هذه العمليات، أو القيام بإدانتها، بل ولا يتحرك ساكناً باتجاه العمل ضد القائمين على تنفيذها أو المؤيدين لها، وخاصّة باتجاه تلك الصادرة عن أجنحة تابعة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح تحديداً، باعتبار ذلك السكوت، يمثّل القلق الكبير ليس لإسرائيل فقط، وإنما للمجتمع الدولي بأسره.
الحكومة الإسرائيلية تعاني قلقاً آخر، ليس بأقل من الوارد الفلسطيني، وهو القلق الصادر من صقور الحكومة وغُلاة المستوطنين، فبرغم قيام رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” بالتعهّد بمواجهة خطوات السلطة باعتبارها استفزازية، وبالتصدّي للعمليات العسكرية من خلال إنزال أقسى العقوبات ضد من يقومون بها، إلاّ أن ذلك لم يكن كافياً لا لدى الصقور، أمثال “نفتالي بينت” زعيم البيت اليهودي، الذي أوصى بإجراء المزيد من الضغوط ضد الفلسطينيين، ولا لدى المستوطنين أيضاً، حيث قام رئيس مجلس المستوطنات – شومرون الإقليمي- “يوسي داغان” بالتهديد بعمليات انتقامية بمعزل عن الحكومة، في حال لم تسمح للجيش بالتحرك من دون رحمة ضد الفلسطينيين لوقف أنشطتهم (العدوانية).
إن الأحداث التصعيدية الإسرائيلية المختلفة، بما فيها قيام الجيش هذا اليوم، بقتل اثنين من الفلسطينيين بغير داعٍ، لن تنشئ أيّة نجاحات بشأن تمرير سياساتها، وإن بدرجات متدنية، بسبب فشلها ومنذ الأزل، في تحقيق أي نتائج مرغوبة، وبرغم علمها بأن ليس لها قدرة ادعاء إحراز أي تقدم لصالحها، وحتى في حال وقوع ادعاءات ما، فإنها تحتاج إلى من يقوم بإنهاضها، بعد كل سقوط.
فليس الحديث هنا يدور عن مواجهة فلسطينية واحدة، أو عن حقٍ فلسطينيٍ واحدٍ، يتلخص الخلاص منه في هجمة سياسية أو عسكرية واحدة، بل إن هناك آلافاً من الممارسات العدوانية والتي يجب أن تتوقف في التوّ واللحظة، وآلافاً أخرى متعلقة بالحقوق والمطالب الفلسطينية والتي يتم السعي نحو إنجازها، بآليات ووسائل كثيفة ومختلفة، وبضمنها الأنشطة العسكريّة.
كان ينبغي على إسرائيل، إعطاء نفسها الفرصة، للاستماع ليس إلى الفلسطينيين وحدهم، كون حديثهم قد يكون ثقيلاً على مدار كل وهلة، ولكن الإنصات إلى الجيران من حولها، وأولئك الذين تعقِد معهم صلات رطِبة، وللمجتمع الدولي والأمريكيون أنفسهم، والذين ما فتئوا يصرخون، بأن عليها وقف ممارساتها التصعيدية، واتخاذ خطوات جادّة من أجل السلام، برغم علمهم بأن صراخهم كأنما هو في الصحراء، لِما تبدو عليه من الإصرار نحو تعظيم ممارساتها الاحتلالية، وباتجاه تنفيذ قفزات مُعاكسة لا تمتّ بأي صلة لذلك السلام.
مهما يكن من أمر، فإن الممارسات التصعيديّة الإسرائيلية، وما يقابلها من ردود الفعل الفلسطينية، ليس متوقّعاً وقوفها عند هذا الحدّ، بل ستُلقي بظلالها على السياستين الفلسطينية والإسرائيلية، نحو فرض جداول تصعيديّة أخرى (متقدمة)، برغم أنها لا تنفي مكوثنا على سماع المصطلحات التالية: عملية السلام، مبادرات، مفاوضات، حلّ الدولتين، دولتين لشعبين، العيش المشترك وغيرها.