لقاء في كينيا مع جدة باراك أوباما

ترجمة وتحرير نون بوست
ماما سارة كانت تقشر الذرة، وهي تجلس أمام درجات منزلها المتواضع الواقع في قرية في غرب كينيا، ناولتني عرنوس ذرة لمساعدتها في التقشير، وقالت “يجب علينا أن نصنع الأوغالي، الطبق المفضل لباري”.
بالنسبة لجميعنا، فإن باري هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن بالنسبة لهذه المرأة البالغة من العمر 94 عامًا فإنه حفيدها الذي فقدته ومن ثم عادت ووجدته، حيث وصل يوم الخميس إلى أرض أجداده، ولكن هذه المرة باسم الرئيس الـ44 للولايات المتحدة.
منزل ماما سارة المتواضع محاط ببيوت الأقارب، فيما يشبه مجمعًا لعائلة أوباما، يقع على تلال خضراء تبعد ساعة واحدة فقط بالسيارة عن بحيرة فيكتوريا، وهذا المنزل الذي تسكن فيه ماما سارة، بناه جد باراك، حسين أونيانغو أوباما، وهو الفرد الوحيد بالعائلة الذي اعتنق الإسلام، وأثار من خلال ذلك العديد من الشكوك الكاذبة حول إيمان حفيده الحقيقي بالدين المسيحي.
ولد باراك أوباما الأب هنا في كينيا في عام 1936، واستطاع الحصول على منحة دراسية أوصلته إلى جامعة هاواي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1959، وهناك وقع في حب والدة الرئيس، آن دنهام، وبعد حادث السيارة الذي أودى بحياته في عام 1982، تم دفنه في مسقط رأسه في كينيا ضمن هذا البيت المتواضع، وبعد ست سنوات جاء ابنه لزيارة قبره، وليتصالح مع أبيه الذي تخلى عنه، وليتواصل مع جذوره الأفريقية.
ماما سارة ليست الجدة البيولوجية للرئيس أوباما، فالجدة البيولوجية للرئيس الأمريكي اسمها أكومو، وهي واحدة من أصل ثلاث زوجات تزوجهن حسين أونيانغو، والتي فرت من المنزل إلى جهة مجهولة بعد إنجاب ثلاثة أطفال، وكانت سارة حينئذ هي الزوجة الوحيدة المتبقية، وهي التي قامت بتنشئة والد باري، لذا فإن الرئيس يدعوها “جدتي”، وتحظى باحترام كبير باعتبارها الأم الكبيرة للعائلة.
“عندما جاء إلى هنا لأول مرة، شعر بسعادة غامرة” تتذكر ماما سارة، وتتابع “لقد كان يريد أن يعرف كل شيء عن والده، ولقد كنا سعداء لأننا قد سمعنا الكثير عن باري، ولكننا لم نكن نعتقد بأننا سنحصل على فرصة لمقابلته”.
تقول سارة إن باراك الأب كان يحتفظ دائمًا بصورة لابنه معه، “لقد كان فخورًا جدًا به، لقد كان يقول دائمًا عنه بأنه ذكي، وسوف يصبح شخصًا مهمًا، سياسيًا، محاميًا، كاتبًا، أو حتى ربما رئيسًا للجمهورية”.
أسرار الماضي والمستقبل
عندما كان باري يبلغ سنتين من العمر، تركه والده في هاواي مع والدته، وذهب إلى جامعة هارفارد، والتقى هناك بامرأة أخرى، روث، التي تبعته إلى كينيا وأنجبت له ولدين، وباري لم يرَ والده بعدها إلا لمرة واحدة فقط في حياته، عندما كان بعمر الـ10 سنوات، ولكن لماذا؟ تجيب سارة “لا يمكن أن نفهم ذلك، باري كان يذهب إلى المدرسة في أمريكا، ووالده لم يمكن يرغب بإبعاده عن الولايات المتحدة، حيث كان يظن أنه من الأفضل أن يشب هناك، لأنه سيحصل على المزيد من الفرص، وألم يكن على حق؟”.
شب باري الصغير مع فراغ غياب والده وأسطورته، حيث كانت والدته آن تمدح باراك الأب بشكل دائم، ولكن في شيكاغو، وحين التقى أخته غير الشقيقة، أوما، عثر أوباما على الحقيقة الضائعة، حيث أخبرته بأن أباه كان رجلًا قاسيًا، وبعيدًا عن عائلته، وحزينًا دائمًا، وكان يسعى إلى إيجاد راحته في احتساء الكحول، حتى وقع الحادث الذي قتله.
فجأة، كما كتب في مذكراته “أحلام من أبي”، اصطدم باري مع الواقع المرير، “لقد كانت صورة والدي، الرجل الأسود، ابن أفريقيا، هي المنهل الذي استقيت منه جميع الصفات التي أسعى إليها داخل نفسي، صفات مارتن ومالكولم، دوبوا ومانديلا، أما الآن فلقد اختفت تلك الصورة”، وللتعامل مع خيبة الأمل هذه، ذهب باري لكوجيلو، حيث عثر هناك على الحضن الدافئ لماما سارة.
مالك، أخ الرئيس غير الشقيق الأكبر سنًا، والذي كان إشبين باراك في حفل زفافه، يشكتي من زيارة أخيه، حيث يقول “لقد علمنا أنه قادم إلى كينيا من الصحف فقط، لقد كان ينبغي أن يخبر عائلته، ويأتي لزيارتنا، ولتكريم قبر والده”.
ولكن ماما سارة، هي أكثر تفهمًا من ذلك، حيث تقول “إنه قادم كرئيس لزيارة كينيا وجميع الكينيين، ولمناقشة الاقتصاد والفساد الذي يلتهم بلادنا، والإرهاب الذي يهددنا، ولا يمكنه أن يضيع وقته هنا معنا”.
الحكومة المحلية في سيايا أنفقت أموالًا إضافية لتنظيف الشوارع تحضيرًا لزيارة أوباما، رغم معرفتها بعدم احتمالية زيارة الرئيس الأميركي للمدينة، ورغم الفقر المدقع الذي يعيش به السكان هناك، حيث يعاني 18% منهم من الإيدز، والمدرستان المحليتان، اللتان تمت تسميتهما تيمنًا بالرئيس باراك أوباما، تتهاويان نتيجة للأوضاع المادية السيئة.
من الجدير بالذكر بأن أوضاع كوجيلو لم تتحسن منذ وصول باري إلى البيت الأبيض، وبقيت وعود المؤسسة التي تمت تسميتها تيمنًا بجدته، حول إصلاح المدارس، وبناء رياض للأطفال، ومستشفى، وعودًا غير محققة، ومرجأة إلى أجل غير مسمى.
أخيرًا، فإن ماما سارة تحتفظ بسر يجعلها – ربما – أكثر تفاؤلًا من غيرها، حيث تقول “في الشهر الماضي كنت في نيويورك لزيارته، وكان سعيدًا جدًا لرؤيتي، وكما هو حاله دائمًا، كان ودودًا ولطيفًا للغاية معي، باري سيعود إلى هنا عندما تنتهي ولايته كرئيس، لتناول الأوغالي التي أصنعها، وربما سوف يبقى هنا إلى الأبد”.
المصدر: ورلد كرنتش