حركة أحرار الشام هي إحدى الفصائل العسكرية التي ظهرت إبان دخول الثورة السورية مرحلة العسكرة، نتجت عن اتحاد أربع فصائل إسلامية سورية وهي بالتحديد كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة، كما دخلت الحركة في تحالفات عدة مع فصائل عسكرية سورية عن طريق التنسيق مع فصائل إسلامية أخرى في الجبهة الإسلامية السورية كما نص على ذلك البيان التأسيسي للحركة، ثم أصبحت منضوية ضمن الجبهة الإسلامية بعد اتحاد الجبهة الإسلامية السورية و جبهة تحرير سوريا الإسلامية، وأخيرًا شاركت بقوة فيما يسمى بجيش الفتح الذي كان قوامه الرئيسي من مقاتلي الحركة ومقاتلي تنظيم جبهة النصرة التنظيم التابع للقاعدة.
عُرفت كتائب أحرار الشام كجماعة سلفية سورية لها مرجعية جهادية وخطاب جهادي شرعي بحت ولا يمكن في بداية نشأتها حسابها على السلفية الجهادية العالمية لأنها تكونت بالأساس من رموز سلفية سورية داخلية غير محتكة برموز العمل الجهادي المرتبط بدعم خارجي.
أول تلك التحولات الجذرية التي أصابت الحركة كانت رغمًا عنها بعد مقتل القائد العام للحركة حسان عبود المعروف بأبي عبدالله الحموي، والقائد العسكري للحركة المعروف بأبي طلحة، والمسؤول الشرعي المعروف بأبي عبدالملك وغيرهم حوالي 50 قياديًا من الصف الأول والثاني للحركة مجتمعين في مقر في قبو أحد مقرات الحركة في رام حمدان بريف إدلب عندما استهدفهم انفجار لم تُعرف طبيعته.
هؤلاء القادة كانوا هم المسؤولون عن الخطاب الرئيسي للحركة والخط العام لها، واضطرت الحركة في أواخر العام 2014 إلى تصعيد مجموعة أخرى من القيادات لتولي زمام الأمور في الحركة بعد مقتل أبرز مؤسسيها، وكانت الحركة قبل هذا الحادث تشهد حراكًا داخليًا أدى إلى اتخاذ قرارت إصلاحية هامة حينها، كانت أهمها تفعيل القضاء الداخلي، ومهمته الفصل في المسائل والشكاوى الداخلية بين القيادات والعناصر فيما بينهم وبين الكتائب المختلفة أيضًا، كدعاوى مخالفة الأوامر والخلاف على الغنائم وسوء الإدارة والتصرف، كذلك للنظر في الشكاوى المقدمة من المدنيين ضد أفراد الحركة.
وكانت الحركة في ذلك الحين تعمل على تفريغ الكفاءات الشرعية التي شغلت مناصب قيادية لتطوير العمل الشرعي ونشر الدعوة، خاصة بعد ظهور انحرافات على بعض الكتائب المقاتلة في الميدان بعد تحول الساحة الجهادية السورية إلى مجال استقطاب وقتال داخلي، وكانت الحركة في ذلك الحين محافظة على نسقها المحافظ كفصيل إسلامي مقاتل.
عينت الحركة أميرًا لها يُدعى أبوجابر “هاشم الشيخ” كقائد عام للحركة وقد خرجت الأنباء من داخل الحركة تقول أن هناك تقدمًا داخليًا للتيار المحافظ بداخلها، وتُفيد الأنباء عن تسجيله نقاطًا على التيار صاحب المراجعات، بينما أتت خطوة الاندماج بين حركة “أحرار الشام” و فصيل “صقور الشام” على عكس صحة هذه الأنباء التي تقول بغلبة التيار المحافظ داخل الحركة، وكل هذا التخبط يدل على على أن الحركة ما تزال تعاني من عوارض المراجعات الداخلية بعد عملية القتل الجماعي لقادتها، حيث يُرجح أن هناك حالة من التجاذب والاستقطاب بداخل الحركة.
العديد من المراقبون يؤكدون أن التيار المحافظ داخل حركة أحرار الشام يرتبط بالقاعدة ارتباطًا أدبيًا حتى هذه اللحظة ولكن العناصر الإصلاحية داخل الحركة هي التي تحول بين الإعلان عن هذا الارتباط، لذلك تحدثت أنباء مطلع هذا العام عن حملة تغييرات داخل صفوف الحركة أطاحت برموز محسوبة على التيار الإصلاحي وتمتاز بالمرونة الفكرية، وقالت مصادر سورية أن هذه التغييرات حينها عزّزت من هيمنة تيار “السلفية الجهادية” التقليدي، ولكن قادة الحركة أصروا على رفض وضع هذه التغييرات في سياق الصراع بين تيارين.
لكن فيما يبدو أن التيار الإصلاحي استطاع أن يكسب نقطة باندماجه مع فصيل “صقور الشام” المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين السورية وهو ما سيعزز من تواجد الإصلاحيين داخل الحركة، حيث رأت قيادة الحركة أن استقطاب فصيل “صقور الشام” من شأنه أن يقوي من التواجد الميداني للحركة على الأرض بعد أن وجهت لها ضربة قاسمة باغتيال معظم قادتها.
ظلت الأنباء متضاربة عن صراع داخلي بين تيارين داخل حركة أحرار الشام حتى حانت لحظة تحول أخرى في تاريخ الحركة القصير، فبعد أن ضُعف تأثير الحركة على الأرض بعد مقتل قادتها الميدانيين وانحسار مناطق نفوذها، استطاعت بعد تحقيق بعض الانتصارات عن طريق ما سمي بجيش الفتح أن تُعلن عن نفسها في ثوب جديد وهو ثوب يُخاطب الغرب عن طريق مسؤول العلاقات الخارجية داخل أحرار الشام.
فقد نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية مقالاً لمدير مكتب العلاقات الخارجية في الحركة، لبيب نحاس، انتقد فيه سياسة الحكومتين البريطانية والأميركية تجاه الوضع السوري، ودعى نحاس إلى تغيير هذه السياسة بشكل يؤدي إلى تمكين المعارضة السورية التي تحارب النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على حد سواء، عبر تشكيل بديل سوري على الأرض.
لأول مرة تطرح الحركة نفسها للغرب كبديل عن النظام السوري بشكل صريح، كما وجهت خطابها للغرب بصيغة الفصيل المقاتل لداعش القادر على التخلص منها، وكان مقالًا آخر قد نُشر لـ لبيب نحاس في صحيفة “واشنطن بوست”، في العاشر من الشهر الجاري، تحت عنوان “النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سوريا”، استنكر فيه مدير مكتب العلاقات الخارجية في الحركة تصنيف إدارة أوباما للثوار ما بين متطرف ومعتدل، وتذرُّع أوباما بأنّه ليست هناك قوات معتدلة يمكن أن تكون شريكًا للولايات المتحدة للتخلص من نظام بشار الأسد، وهذا يُعد إعلان صريح ودعوة للإدارة الأميركية إلى اعتماد حركة أحرار الشام كبديل عن كلٍّ من تنظيم “داعش” والنظام السوري، وأبدى نحاس تعهد بأن تتبنى حركة أحرار الشام مشروعًا وطنيًا سوريًا جامعًا لا يُقصي أحدًا، بحيث يكون حريصًا على المحافظة على مؤسسات الدولة على حد وصفه.
هذا التغير في اللهجة ينم بكل وضوح عن تغلب تيار إصلاحي داخل الحركة نجح في تغيير خطابها ولغتها المحافظة إلى خطاب أكثر انفتاحًا، وقد سبق هذه المقالات الموجهة للغرب تبني الحركة شعار “ثورة شعب” ليوضع تحت راياتها في مقارّها وإنتاجاتها المصورة كبديل عن الشعارات المحافظة كشعارات “الجهاد” و “تطبيق الشريعة”.
ما يؤكد هذا التوجه داخل الحركة الذي يُعزز من تمكن التيار الإصلاحي إصدارالقائد العام لحركة “أحرار الشام”، هاشم الشيخ، المكنى باسم أبي جابر، قرارًا بعزل، أبو البراء معرشمارين، من قيادة القوة العسكرية المركزية في الحركة وحلها بشكل كلي، كما تضمن قراره تعيين “أبو محمد الغاب” قائدًا للقوة المركزية الجديدة في الحركة الذي كُلف بتشكيلها وإداراتها، والتي سيطلق عليها اسم “القوة المركزية ــ كتائب صقور الشام”.
أبو البراء معرشمارين القيادي المعزول هو أحد مؤسسي حركة “أحرار الشام”، وقد كان أحد أهم القادة العسكريين الأساسيين فيها منذ تأسيسها في مطلع صيف عام 2012، وهو عسكري محسوب على الجناح المحافظ داخل الحركة الذي يحمل أعضاؤه فكرًا أقرب إلى السلفية الجهادية.
هذا الخطاب الجديد للحركة واجهته الجماعات السلفية الجهادية في سوريا بانتقادات واسعة وصلت إلى حد وصف الحركة وقادتها بالخيانة والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت نفسه يؤكد محللون أن الحركة دفعت بهذا الخطاب إلى الواجهة لإعلان نفسها كبديل مقترح في حال سقوط النظام السوري ولكنها طرحت هذا البديل بصيغة وطنية غير تلك المعهودة عليها، وأمر طرح البديل الآن أمام العالم تفعله كافة الفصائل السورية المصنفة منها كمعتدلة أو متشددة –بحسب مراقبين- وهو الأمر الذي فعله الجولاني قائد جبهة النصرة في ظهوره الإعلامي الأخير.
الحركة بهذا النسق الجديد سوف تشهد حراكًا داخليًا أكثر حدة الفترات القادمة ربما يؤدي بخروج قطاعات منها لتنضم إلى جبهة النصرة الفصيل الأقرب إليهم كسلفية جهادية، أما على الصعيد الآخر فقد تنضم مجموعات أخرى وطنية محسوبة على الجيش الحر إلى الحركة بعد تعديل خطابها وقد تشهد الحركة دعمًا من جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تقارب خطابهما كثيرًا مؤخرًا، خاصة وأن التحالف مع جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة قد تلاشى بعد تحرير مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وأريافها من قوات النظام السوري، وهو ما يُنبئ باستراتيجية عسكرية جديدة للحركة قد تكون ضمن أولوياتها الملحة هي قتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.