قبل أكثر من مليوني عاماً، اتخذ الماموث والفيلة الآسيوية مسارات تطورية مختلفة، وبذات الوقت تقريباً، وفقاً لما أظهرته أبحاث الحمض النووي (DNA)، اتخذت الفيلة الأفريقية مسارات تطورية مختلفة عن سلفها أيضاً، ومنذ فترة طويلة كان يُعتقد بأن الفيلة الأفريقية تشكل نوعاً واحداً فقط، ولكن كتلة كبيرة من الدراسات الجينية والوراثية الحديثة تثبت الآن بأن هناك نوعين من الفيلة الأفريقية.
يمكن تصنيف نوعي الفيلة الأفريقية تحت مسمى، فيلة الغابة (Forest Elephants)، و فيلة السافانا (Savanna Elephants)، وبغض النظر عن التحليل الجيني، يمكننا تفريق هذين النوعين بمجرد إلقاء نظرة متفحصة عليهما، كون فيلة الغابات هي أصغر من النوع الآخر بكثير، حيث تزن نصف ما تزنه فيلة السافانا، وتطور هذا النوع في وسط وغرب غابات أفريقيا المطيرة، وتتمتع فيلة الغابة بآذان مستديرة وأنياب أكثر استقامة من أبناء عمومتها، أما فيلة السافانا، فتتمتع بآذان مثلثية الشكل وأنياب سميكة ومحدبة، ويمكن رؤيتها تتجول في جميع أنحاء الأجزاء الأخرى من القارة الشاسعة، من شرق أفريقيا وحتى جنوبها، حيث تتوافر هناك الأعداد الأكثر وفرة لها، وهذين النوعين يمكن تمييزهما عن بعضهما البعض من جهة علم الوراثة، بذات الطريقة التي يمكن بها تمييز الأسود عن النمور.
خلال العقد الماضي برز إجماع علمي قوي حول اختلاف بيولوجية الفيلة الأفريقية، لذلك، وفي يونيو، قدم مركز التنوع البيولوجي، وهو المكان الذي أعمل به، التماساً للمؤسسة الأمريكية للأسماك والحياة البرية، يطلب فيه إعادة تصنيف الفيلة الأفريقية إلى نوعين منفصلين، وحماية هذين النوعين على حد سواء باعتبارهما مهددين بخطر الانقراض، وفقاً لقانون الأنواع المهددة بالانقراض الاتحادي.
قد يبدو غريباً أن الولايات المتحدة قد تسبغ أي صفة أو حماية قانونية على الحيوانات الواقعة في بلدان أخرى بموجب قانون داخلي اتحادي أميركي، ولكن في الحقيقة، إن الحماية الأميركية للحيوانات أو النباتات الأجنبية بموجب قانون الأنواع المهددة بالانقراض، يمكن أن تحقق فوائداً ملموسة لحفظ تلك الأنواع، بما في ذلك منع تجارة أعضاء تلك الحيوانات داخل الولايات المتحدة، ومنع الحكومة من إجازة أو تمويل الإجراءات التي تؤذي الحيوانات، كما أن هذا القانون يوفر الأموال اللازمة للبحث والتعليم العام.
إن مسألة تصنيف الفيلة الأفريقية إلى نوعين مختلفين لا تهدف لتسوية الخلاف حول الحمض النووي الغامض لهذه الفيلة، بل إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهذه المخلوقات المهيبة وغير العادية؛ كون هذه الفيلة، تشكّل المشهد والعلامة المميزة للأرض الأفريقية، ومع ذلك فإن أعدادها في انخفاض مطرد يبلغ عشرات الآلاف من الفيلة سنوياً، نتيجة لموجتين هائلتين من الصيد الجائر حصلتا خلال العقود الماضية، الأولى باشرت في سبعينيات القرن الماضي وانتهت في الثمانينيات، والثانية تم استهلالها في عام 2009 وما تزال جارية حتى الآن، وإذا تمت الموافقة على الالتماس المقدم من مركز التنوع البيولوجي، فإن النتائج قد تكون بمثابة شريان الحياة الذي سيضخ في عروق هذه الحيوانات المهددة بالانقراض.
الطريقة التي سيعمل من خلالها تصنيف الفيلة الأفريقية إلى نوعين على حمايتها من الانقراض، تتعلق بتغيير وصفها من حيوانات مهددة بالانقراض إلى حيوانات تتعرض لخطر الانقراض الوشيك؛ فحالياً يتم التعامل مع نوعي الفيلة بأنهما نوع واحد محمي بموجب قانون حماية الأنواع المهددة بالانقراض باعتباره نوع مهدد بالانقراض، وهذه الحالة القانونية تفرض إجراءات قانونية أخف وطأة من تصنيف الأنواع المهددة بالانقراض الوشيك، علماً أن تصنيف الفيلة أو أي نوع آخر من الأنواع البيولوجية تحت بند الأنواع المهددة بالانقراض الوشيك، ينجم عنه إجراءات أشد صرامة لأنه يعني بأنه لم يعد يوجد الكثير من هذا النوع على قيد الحياة.
لذا فإن الإقرار بالحقيقة العلمية التي تقول بأن الفيلة الأفريقية تنقسم إلى نوعين مختلفين، يؤدي إلى انخفاض الأعداد التقديرية لكل نوع؛ فبدلاً من النظر إلى حوالي نصف مليون فيل متبقي من نوع الفيلة الأفريقية ككل، سيتم الاعتراف بوجود بما لا يزيد عن 100.000 فيل غابات على قيد الحياة، وربما على أرض الواقع ينخفض هذا العدد إلى أقل من 50.000 فيل، وتقدير أعداد فيلة السافانا بـ400.000 فيل كحد أقصى، ومن المهم أن نستوعب، أن الأرقام الفعلية على أرض الواقع يمكن أن تنخفض عن الأعداد المقدرة بشكل هائل، نظراً لصعوبة إحصاء أعداد الفيلة في مناطق تواجدها بشكل دقيق.
أعداد الفيلة من كلا النوعين يشهد انخفاضاً مطرداً وهائلاً، وذلك بالتلازم مع ارتفاع جنون الصيد الجائر، والقتل والذبح الوحشي لهذه الحيوانات، سعياً خلف أنيابها العاجية، حيث انخفض عدد فيلة الغابات بنسبة 62% خلال أقل من عقد من الزمان، وشارك في حصول هذه المأساة مزيج قاتل من الصيد غير المشروع، وفقدان الموائل، والحروب الأهلية، وبالطبع فإن هذا النوع من الفيلة الأفريقية هو أكثر عرضة للخطر من النوع الثاني، رغم أن تعداد النوع الثاني (فيلة السافانا) انخفض أيضاً بشكل كبير في جميع موائله، وخاصة في تنزانيا، التي تعد أكبر موئل لهذا النوع من الفيلة، حيث انخفض عددها هناك من 109.000 فيل، إلى حوالي 43.000 فيل خلال خمس سنوات فقط، بين عامي 2009 و 2014.
إذا اعترفت الولايات المتحدة بهذين النوعين وقامت بحمايتهما على أنهما من الأنواع المهددة بالانقراض الوشيك، فإن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، واتفاقية سايتس (CITES)، وهي المعاهدة التي تنظم التجارة العالمية في الحياة البرية المهددة بالانقراض، قد يحذوان حذو أميركا، ويقدمان من خلال ذلك مساعدة جديدة نحن في أمس الحاجة لها لحماية الفيلة بشكل أكبر من المخاطر التي تهددها.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن إدراج نوعي الفيلة تحت بند الحيوانات المهددة بالانقراض الوشيك، سيعمل على تشديد القيود على استيراد وتصدير وبيع منتجات العاج من وإلى وداخل الولايات المتحدة؛ فبعد الصين، تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر سوق في العالم للعاج، حيث يتم استخدام تجارة العاج القديم القانونية كغطاء لتجارة العاج الجديد غير المشروعة، وفي الشهر الماضي، تعهد مسؤول صيني بارز معني بالحياة البرية، بوضع حد لتجارة العاج في الصين، في حال أقدمت الولايات المتحدة على ذلك أيضاً.
إذن، قيام الولايات المتحدة الأميركية بإعادة تصنيف الفيلة الأفريقية إلى نوعين، يمكن أن يؤدي إلى تغيير الطريقة التي يتعامل بها أكبر اقتصادين في العالم، واللذان يصادف أنهما أكبر مستهلكين للعاج أيضاً، مع أزمة ذبح الحيوانات، لذا يجب علينا أن نعمل الآن، وقبل فوات الأوان.
كيف تقوم تجارة العاج في أفريقيا بالقضاء على الفيلة
صورة حديثة لحرق أنياب فيلة اصطيدت بشكل جائر في كينيا
1979– أول موجة قتل: عمل الصيد الجائر بين عامي 1979 و 1989، على خفض عدد الفيلة في أفريقيا من 1.3 مليون إلى أقل من 600.000، بمعدل انخفاض يبلغ 7.4% سنوياً.
1989– المهلة: توقف الصيد غير المشروع إلى حد كبير بعد أن تم حظر تجارة عاج الفيلة الأفريقية، وبدأت أعداد الفيلة بالتعافي.
1997– تراخي الحظر: تم استئناف تجارة العاج القانونية في بعض البلدان الأفريقية، حتى في الأماكن التي تم فيها فرض الحظر، وبذلك تم فتح ثغرات في نظام الحظر، بحيث استمر الحظر الدولي على العاج، ولكن سُمح به للتجارة الداخلية في أفريقيا، وبالطبع أدى ذلك إلى تزايد أعداد الصيد غير المشروع.
أوائل الألفية الجديدة– عودة الصيد غير المشروع وتسارعه: أدى صعود الطبقة الوسطى في الصين وتايلاند وبلدان أخرى إلى دعم الطلب على منتجات العاج، حيث ارتفع سعر السوق السوداء لتجارة العاج في الصين بشكل مطرد؛ ففي عام 2002 كان سعر كيلوغرام العاج في الصين يتراوح ما بين 120 إلى 170 دولار أميركي، وفي عام 2010 وصل السعر إلى 750 دولار للكيلوغرام الواحد، وفي عام 2014 وصل إلى 2100 دولار.
2002 إلى 2013– الدمار: وجدت دراسة أن أعداد فيلة الغابات انخفضت بنسبة 65%، أي بنحو 9% سنوياً، خلال الفترة الممتدة من 2002 وحتى 2013، ومنذ سبعينيات القرن المنصرم، تبقى واحد على عشرة فقط من أعداد هذه الفيلة على قيد الحياة، أما تعداد فيلة السافانا الأكثر أعداداً وانتشاراً، فقد تعافت حتى عام 2009، ولكن ابتداءاً من هذا العام، تصاعد الصيد غير المشروع واستمر بمعدلات مرتفعة، حيث تشير دراسة معمقة لأعداد هذه الفيلة أنه في سامبورو- كينيا، تم قتل أكثر من 21% من تعداد فيلة السافانا بشكل غير قانوني خلال الأربع سنوات الماضية، وهو معدل وفيات يفوق بكثير معدل التعويض الطبيعي من خلال الولادات.
المصدر: نيويورك تايمز