شهدت الاونة الاخيرة احداث امنية خطيرة على الساحة التركية تمثلت بخروقات امنية نتجت عنها احداث دامية في مدينة سروج جنوب تركيا ، واعلان تنظيم (الدولة الاسلامية) عن تبنيه لهذه العملية ومارافقه من حملة اعتقالات واسعة قامت بها السلطات الامنية التركية للعناصر التي يشتبه بانتمائها لهذا التنظيم في كثير من المدن التركية في اشارة صريحة من تركيا بانها تتجه الى حرب مفتوحة الخيارات مع هذا التنظيم.
ويبدو ان الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان) كان ينتظر هذه الفرصة الذهبية لكي يحقق ماعجزت عنه دهاليز السياسة ، للضغط على الاحزاب السياسية التركية للاسراع بتشكيل الحكومة الجديدة ، كون حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزارء التركي الحالي (احمد داؤود اوغلو) لم يحقق الاغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده ، في مقابل شروط تعجيزية تفرضها كتل المعارضة ( حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية (الكردي)) للاشتراك بعملية تشكيل الحكومة المرتقبة ، وبنفس الوقت بدء التفكير جليا بامكانية تحالف العسكر رغم صلاحيتهم المحدودة مع احزاب المعارضة للشرو ع بعملية انقلاب عسكري قد تطيح بالمشروع الاسلامي الذي يحمله حزب العدالة والتنمية ومن بعده اردوغان ، فكانت عملية سروج ايذانا بضرورة تحرك سريع لتجاوز تداعيات دراماتيكية قد تمتد الى كل ارجاء تركيا .
فكانت اولى الاجراءات التي اتخذها اردوغان بتحشيد القوات العسكرية التركية على طول الحدود السورية ، فما كان من العسكريين الاتراك الا ترك هموم السياسة والاتجاه الى ساحات المعارك لتادية واجبهم العسكري في الدفاع عن بلدهم ضد اي تهديد وجودي ، فضلا عن تحشيد الراي العام التركي بكل اطيافه السياسية لهذه المعركة ووقوفهم خلف القيادة السياسية التركية بالاجراءات المتخذة متناسين كل الخلافات السياسية والحزبية، وما رافق ذلك من وضع حرج للمعارضة التركية التي وجدت نفسها مطالبة بالتخفيف من سقف مطالبها السياسية في عملية تشكيل الحكومة التركية الجديدة.
ويمكن القول ان تركيا قادرة على تجاوز هذه الازمة كونها تمتلك خبرة سياسية وعسكرية متراكمة في مواجهة الجماعات المسلحة ، ولعل الصراع العسكري الذي استمر قرابة القرن مع حزب العمال الكردستاني (pkk) خير دليل على ذلك ، الذي بدوره لم يسلم من التحركات العسكرية التركية الاخيرة اثر تعرض مواقع الحزب للضربات الجوية وتهديده بامكانية الغاء اتفاقية السلام مع انقرة في 2012.
وترافق مع ذلك اعلان انقرة عن موافقتها بالسماح لولايات المتحدة الامريكية وقوات التحالف الدولي باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد التنظيم ، ويبدوا ان اردوغان قراء اوراق اللعبة السياسية بابعادها الداخلية والخارجية بصورة جيدة ، تمثلت بتهيئة الجبهتين الداخلية والخارجية لهذه المعركة .
ومن خلال ماتقدم يمكن الاشارة الى ان اردوغان حقق ثلاثة اهداف رئيسة تمثل اولها بتحشيد الراي العام التركي خلف الحكومة التركية بالاجراءات العسكرية التي اتخذتها ، وثانيها ابعاد العسكر عن اي امكانية للتدخل في الساحة السياسية والضغط بنفس الوقت على احزاب المعارضة للتخفيف من شروطها للمشاركة في الحكومة المقبلة ، واخيرا كسب الدعم والتاييد الدولي من خلال السماح للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية باستخدام الاراضي التركية لتنفيذ الهجمات على عناصر التنظيم ، وعليه يبدوا ان الاجراءات العسكرية التي اتخذتها الحكومة التركية هي اجراءات تكتيكية لتحقيق اهداف استراتيجية بعيدة المدى.
وختاما لابد من القول ان القيادة السياسية التركية استفادة من الاخطاء التي وقع فيها النظامين العراقي والسوري في كيفية تعاملهما مع الاحداث واخفاقهم باستيعاب كل فئات الشعب ضمن بوتقة واحدة وهي الهوية الوطنية والمصلحة العليا للبلد، والتي تعد الضامن الحقيقي لتجاوز اي ازمة سياسية وعسكرية قد تحدث في اي بلد.