سيرينا ويليامز – نجمةٌ تعيش خارج إطار الزمن

swilliams_3372298b

الجوهرة السمراء

إذا كان البرازيلي الفذّ بيليه هو الجوهرة السمراء في عالم كرة القدم، فإن النجمة الأمريكية الرائعة سيرينا ويليامز هي الأحقّ بهذا اللقب في عالم الكرة الصفراء، الذي باتت أسطورةً من أهمّ أساطيره الحيّة، عبر إنجازاتٍ ندر مثيلها في تاريخ التنس الطويل، حقّقتها على طول مسيرتها الاحترافيّة التي ناهزت العشرين عاماً، لتجد (المرأة الحديدية) نفسها -وهي ابنة 34 ربيعاً- على أعتاب التربّع على عرش لعبة تنس السيّدات عبر التاريخ، بعد فوزها الأخير ببطولة ويمبلدون للمرّة السادسة في تاريخها، رافعةً غلّتها من البطولات الكبرى (الغراند سلام) إلى 21 لقباً، لتصبح على بعد لقبٍ واحدٍ عن أسطورة التنس الأنثوي في العصور الحديثة الألمانية شتيفي غراف، وثلاثة ألقابٍ عن صاحبة الرقم القياسي التي تألقت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مارغريت كورت.

في كنف العائلة

يوم 24 من شهر أيلول عام 1981، في مدينة ساغيناو بمقاطعة ميتشيغن الأمريكية، رزقت السيّدة أوراكنس برايس بمولودتها الجديدة سيرينا جاميكا، وهي خامس بناتها وآخرهنّ، والثانية –بعد فينوس-من زوجها الثاني مدرب التنس ريتشارد ويليامز، الذي فضّل الانتقال بعائلته إلى مدينة كومبتون في ولاية كاليفورنيا، حيث كانت الظروف ملائمةً ليبدأ تدريب ابنتيه فينوس وسيرينا على لعبة التنس وهنّ لم يتجاوزن الخامسة، قبل أن يقرّر الانتقال مجدّداً صوب مدينة ويست بالم بيتش في ولاية فلوريدا، رغبةً منه في تنسيب ابنتيه إلى أكاديمية (ريك ماكي) للتنس، حيث لاحظ المعنيون هناك حجم الموهبة الكبيرة التي تتمتع بها الفتاتان، وخاصة سيرينا ابنة الأعوام التسعة، التي باتت في غضون عامٍ واحدٍ أفضل لاعبة تنس أمريكيةٍ يافعةٍ، بتحقيقها الفوز في 46 من أصل 49 مباراة خاضتها في بطولة أمريكا للناشئات، ولكنّ الوالد قرّر إيقاف مشاركة فتاتيه في هذه البطولة بعد عامٍ واحدٍ فقط، إثر تعرّضهما لبعض المضايقات العنصريّة من قبل فئةٍ متعصّبةٍ من الجمهور، لتكتفي سيرينا وشقيقتها بالتدريب في أكاديمية ماكي، التي استمرتا فيها حتى عام 1995، حيث سحبهما والدهما منها مفضّلاً متابعة تدريب ابنتيه الموهوبتين منزلياً، وسط استهجان كثيرٍ من مدربي الأكاديمية المعجبين بقدرات الفتاتين، ولكنّ الزّمن كان كفيلاً فيما بعد بإثبات صحّة قرار الأب الحكيم.

رحلة الصعود إلى القمّة

لم تحمل بداية سيرينا المبكرة في عالم الاحتراف الكثير من التوفيق، حيث خسرت بسهولةٍ تامّةٍ في أولى مبارياتها كمحترفة تنس يوم 24 من أيلول عام 1995، أمام مواطنتها ميلير ضمن بطولة بيل تشالنجر الأمريكية، لتدرك أنها استعجلت قرار الاحتراف، وتمكث عاماً كاملاً تحت التدريب المكثّف دون المشاركة بأية بطولات، لتعود عام 1997 وتشترك في ثلاث بطولاتٍ آخرها بطولة شيكاغو، التي بلغت دورها نصف النهائي على حساب اثنتين من شهيرات اللعبة هما: الفرنسية ماري بيرس والصربية مونيكا سيليش، اللّتين رفعتا القبعة احتراماً لنجمة التنس القادمة بقوّة، والتي تابعت مسارها التصاعدي فبلغت عام 1998 الدور نصف النهائي في ستّ بطولاتٍ على مدار العام، كما خاضت أولى بطولاتها الكبرى في أستراليا وخسرت حينها في الدور الثاني أمام شقيقتها فينوس، في أوّل مواجهةٍ تنافسيّةٍ بين الشقيقتين البطلتين.

وجاء عام 1999 بباكورة قطاف اجتهاد سيرينا وسعيها الدؤوب نحو القمّة، بفوزها بأولى بطولاتها في عالم التنس، في (غاز دي) بباريس، على حساب الفرنسيّة إيميلي موريسمو، قبل أن تحقّق لقبها الأول في بلادها، بفوزها على أسطورة التنس الألمانية المخضرمة شتيفي غراف في نهائي بطولة إنديانا ويلز، لتصعد بتصنيفها العالمي إلى المركز السابع، وتدخل بطولة أمريكا المفتوحة آخر بطولات الغراند سلام الكبرى خلال العام كإحدى المرشحات للفوز باللقب، وهذا ما حصل فعلاً بعد أن قدّمت عروضاً رائعةً توّجتها بأوّل ألقابها الكبرى، بعد فوزها في النهائي على السويسرية مارتينا هينغيس، لتنهي عامها الرائع في التصنيف الرابع عالمياً.

ولم توفّق البطلة الشابّة في تجديد الفوز بالبطولات الكبرى عام 2000، واكتفت بالوصول إلى نصف نهائي ويمبلدون حيث خسرت أمام شقيقتها الكبرى فينوس، وهو نفس الأمر الذي تكرّر في العام التالي في نهائي أمريكا المفتوحة، الذي حمل الطابع العائلي لأول مرّة في تاريخ نهائيات الغراند سلام، ولكنّها عوّضت خسارتها بتحقيق لقب بطولة الماسترز الختاميّة التي تجمع اللاعبات الثمان الأفضل تصنيفاً في العام 2001.

وكان عام 2002 هو عام الصعود الصاروخي للبطلة السمراء، فبعد انسحابها القسري من أمريكا المفتوحة بسبب إصابتها في الركبة، استطاعت سيرينا نقل تألّقها إلى الملاعب الترابيّة، عبر الفوز ببطولة رولان غاروس الفرنسيّة بعد تجاوزها عقبة أختها فينوس في النهائي، وهو نفس النهائي الذي تكرّر بعد حوالي الشهر في ملاعب ويمبلدون العشبيّة، التي كانت شاهدةً على سطوع نجم بطلةٍ تمكّنت من حصد لقب البطولة العريقة دون أن تخسر أيّة مجموعة، وهو نفس الأمر الذي تكرّر في أمريكا المفتوحة التي أحرزت لقبها للمرة الثانية على حساب فينوس أيضاً، لتنهي العام على قمّة هرم التصنيف العالمي للاعبات التنس المحترفات، وهي لم تزل في ربيعها الـحادي والعشرين.

وتابعت النجمة الأمريكيّة تحليقها في سماء التنس العالمي عام 2003، بحملها لقب بطولة أستراليا المفتوحة بعد فوزها في النهائي على شقيقتها ومنافستها الدائمة فينوس، لتجمع ألقاب بطولات التنس الأربع الكبرى في نفس الوقت، ويضاف اسمها إلى قائمة عظيمات اللعبة اللواتي حققن هذا الإنجاز وهن: مورين كونولي ومارغريت كورت ومارتينا نافراتيلوفا وشتيفي غراف.

الصدمة والنهوض

لم تحمل سنة 2003 السعادة لعائلة ويليامز، رغم إنجازات ابنتهم سيرينا في نصفها الأوّل، الذي عوّضت خلاله خسارتها في نهائي رولان غاروس أمام البلجيكية جوستين هينان، بالفوز بلقب ويمبلدون للمرة الثانية في تاريخها، على حساب فينوس في النهائي، ولكنّ دوام الحال من المحال، فقد ابتليت سيرينا وعائلتها بمصابٍ أليمٍ، إذ تعرّضت أختها (ياتيندي) لحادثة إطلاق نارٍ في مدينة كومبتون، فارقت على إثرها الحياة، لتصاب النجمة -التي لطالما ارتبطت عاطفياً بعائلتها- بصدمةٍ عظيمةٍ أثّرت على مستواها الرياضيّ سلباً، فحادت عن سكّة البطولات ردحاً من الزمن، لبثت فيه تبكي أوجاعها النفسيّة بفراق أختها، والجسديّة إثر تجدّد إصابتها الأليمة في الركبة، ليمرّ ما تبقى من عام 2003 دون بطولات تذكر، ومثله عام 2004 الذي حاولت فيه استعادة شيءٍ من إنجازاتها الكبرى ببلوغها نهائي بطولة ويمبلدون، ولكن الخسارة من الشقراء الروسية ماريا شارابوفا في النهائي أفشلت المحاولة الأولى، ولكنّ المحاولة الثانية تكللت بالنجاح بعد فوز الجوهرة السمراء بلقب استراليا المفتوحة مطلع عام 2005، قبل أنّ تتجدّد إصابتها اللعينة وتحرمها من استكمال مشوار استعادة التألّق، لتبتعد عن البطولات الكبرى قرابة العامين، وتعود لحمل الكؤوس عام 2007 من بوابة أستراليا المفتوحة أيضاً، بعد الفوز في النهائي على شارابوفا، فيما جدّد عام 2008 الوصال بين سيرينا ولقب أمريكا المفتوحة بعد غياب ست سنواتٍ، بفوزها في النهائي على الصربية إيلينا يانكوفيتش.

وجاء عام 2009 ليؤكد نفض سيرينا غبار الصدمات والإصابات، واستعادتها لمستواها الخارق الذي أذهلت به العالم قبل بضعة سنوات، فعانقت لقب أستراليا المفتوحة للمرة الرابعة بفوزها في النهائي على الروسية دينارا سافينا، وأتبعته بلقبٍ ثالثٍ على عشب الويمبلدون بفوزها على فينوس في النهائي،  قبل أن تحرز لقب بطولة الماسترز الختامية بعد غيابٍ دام ثمانيَ سنواتٍ، وأعادت الكرّة عام 2010 ففازت في نهائي أستراليا على هينان، وفي نهائي ويمبلدون على الروسية فيرا زفوناريفا، لتستعيد صدارة تصنيف محترفات التنس وتنهي العام وهي في القمة.

خارج إطار الزّمن

كاد عام 2011 أن يكون الأخير في مسيرة سيرينا الرياضية وغير الرياضية، إذ خضعت في بدايته إلى تدخّل جراحيّ خطير، إثر اكتشاف تجلّط دمويٍّ في رئتها، وضع حياتها تحت الخطر، وأقلق محبيها ومشجعيها، ولكنّها استطاعت بفضل إرادتها الحديدية العودة إلى الملاعب في زمنٍ قياسيّ، بل وتأهلت إلى نهائي بطولة أمريكا المفتوحة، ولكنها خسرت من الأسترالية سامانثا ستوسور، لتعود في الـ2012 لحمل كأس ويمبلدون بفوزها في النهائي على البولونية أنيشكا رادفانسكا، وتلحق به ذهبية فردي السيّدات في أولمبياد لندن للمرة الأولى في مشوارها، إضافةً إلى ذهبية الزوجي -إلى جانب أختها فينوس- للمرة الثالثة بعد ذهبيتي سيدني 2000 وبكين 2008، ومن بعدها أحرزت لقب أمريكا المفتوحة بفوزها في النهائي على البيلاروسية فيكتوريا أزارينكا، ولتختتم موسمها الرائع بالفوز ببطولة الماسترز الختامية للمرة الثالثة.

وتتواصل رحلة تألّقها وحصدها للألقاب الكبرى عام 2013، فتحرز لقب رولان غاروس بعد غياب دام 11 عاماً بفوزها في النهائي على شارابوفا، وتلحق به لقب أمريكا المفتوحة على حساب أزارينكا، قبل أن تختتم عامها بكأس الماسترز، وتنتظر بعدها قرابة عامٍ كاملٍ لتجدّد وصالها مع البطولات، فتحرز لقب أمريكا المفتوحة عام 2014 للمرة السادسة في تاريخها والثالثة توالياً، بفوزها في النهائي على الدانماركية كارولين فوزنياكي، قبل أن تختتم العام بالفوز ببطولة الماسترز للمرة الخامسة في تاريخها والثالثة على التوالي، لتحافظ على صدارتها للتصنيف العالمي للمحترفات، وتدخل العام الحالي 2015 وهي في قمّة مستواها رغم بلوغها الـ34، فتحرز جميع الألقاب الكبرى الممكنة حتى الآن، بدءاً بأستراليا المفتوحة التي أحرزت سادس ألقابها فيها على حساب شارابوفا، ومروراً برولان غاروس التي فازت بها للمرة الثالثة على حساب التشيكية لوسي سافاروفا، وانتهاءً بلقب الويمبلدون الذي أحرزته للمرة السادسة على حساب الإسبانية الصاعدة غاربين موجوروزا، لتصبح جوهرة التنس الأمريكية أكبر لاعبةٍ تفوز بإحدى البطولات الكبرى، وتخالف قانون الرياضة عامّةً، ورياضة التنس الفردية الصعبة خاصةً، والذي يقضي بتراجع مستوى اللاعبين مع تقدّم عمرهم وتجاوزهم عتبة الثلاثين، بعكس سيرينا التي تعيش أحلى أعوام مجدها وهي في منتصف العقد الرابع من عمرها، لتثبت أنها نجمةٌ فريدةٌ تعيش خارج إطار زمن التألّق الافتراضي لرياضيي عصرها.