ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
بالنسبة لكلود غيان، فقد حان وقت الكشف عن الحقيقة. ففي هذه اللحظة المؤلمة أمام القضاة، بدأت الذرائع تنهار. ففي 27 فبراير 2013، تم اكتشاف أن وزير الداخلية السابق، حصل على تحويل مالي بقيمة 500 ألف يورو، في عام 2008، ما مكنه من شراء شقة أحلامه. وكان عذر كلود جيان لتوضيح مصادر هذه الأموال بأنه باع لوحتين للرسام أندريس فان إيرتفلت (1590 -1652) قبل بضعة أسابيع.
ومن الصعب تبرير هذا المبلغ باعتبار أن السعر الذي تلقاه الأمين العام للاليزيه كان أعلى بعشر مرات من تصنيف الرسام. كما أن المشتري، الذي كان ينوبه محام من ماليزي، لا يزال مجهول الهوية. حتى أن كلود غيان لم يتمكن من تحديد الظروف التي سبق له فيها شراء هذه اللوحات مع زوجته في التسعينات، من متحف اللوفر لبيع القطع العتيقة بحسب زعمه.
وبعد عامين من التحقيقات، وجهت للمحافظ السابق والوزير السابق، والبالغ من العمر 70 سنة، في 7 آذار تهمة “التزوير والتهرب من دفع الضرائب وغسيل الأموال” لأنه قام بتنظيم بيع وهمي للوحتين للرسام أندريس فان إيرتفلت كان يمتلكهما لأكثر من اثني عشر عاما. وكشف التحقيق أن كلود غيان تلقى 500 ألف يورو، تم تحويلها من ماليزيا عن طريق شركة المحاماة للسيد سيفا راجندرام، والتي حولت في الأصل من حساب في جدة لرجل الأعمال السعودي خالد بقشان، الذي لم يلتق قط بكلود غيان، ولم يشتر منه لوحاته!
ويكشف البحث اليوم أن المصرفي المشتبه في قيامه بعملية تحويل الأموال، وهيب ناصر، الممثل المالي لعائلة بقشان، والكادر في بنك كريدى أجريكول السويسري، كان أيضا أحد مديري حسابات بشير صالح، رئيس صندوق الاستثمار الليبي الإفريقي. ويوم 31 مارس، تمت مداهمة منزل ومكاتب وهيب ناصر في سويسرا، وكذلك منزل ومكاتب الوسيط الكسندر دجوهري، القريب من دومينيك دو فيلبان، والذي أصبح بعد عام 2007، أحد المستشارين غير الرسميين لغيان.
وفي مايو 2012، نظم الكسندر دجوهري عملية تهريب بشير صالح الذي كان مطلوبا من الأنتربول، من باريس إلى نجامي في النيجر، بعد وقت قصير من نشر صحيفة ميديا بارت الفرنسية لمذكرة ليبية رسمية تفيد بدور بشير صالح في تمويل الحملة الرئاسية لنيكولا ساركوزي سنة 2007. وفي حين أن التحقيق ما زال جاريا حول صحة هذه المذكرة، بيّن رجل الأعمال زياد تقي الدين للقضاة أن بشير صالح أتى عدة مرات إلى فرنسا لإعداد آليات الدعم المالي الليبي وللحصول على المعلومات البنكية اللازمة لعمليات تحويل الأموال لحملة ساركوزي من عند كلود غيان.
وأثناء تفتيش أحد الأماكن التي أقام فيها بشير صالح في فرنسا، عثر المحققون على شهادة من وهيب ناصر، بتاريخ 24 يوليو 2008، نيابة عن بنك كريدي أجريكول السويسري، فيها تصديق على “القدرة المالية” لبشير صالح . مع وجود عدة وثائق مختلفة تثبت أن وهيب ناصر كان المسؤول على حسابات المسؤول الليبي.
واتهم السعودي خالد بقشان، في الوقت نفسه، مع كلود غيان، بعد فشله في شرح ملابسات التحويل المالي بقيمة 500 ألف يورو من حسابه الخاص إلى الحساب البنكي لكلود غيان، مبينا أنه لم تسبق له معرفة وزير الداخلية الفرنسي السابق وأنه لا يتذكر كل هذه العملية المصرفية، وأوضح بقشان أن وهيب ناصر، المدير التنفيذي السابق للبنك الفرنسي السعودي في جدة، فرع اندوسويز، كان يتصرف منذ السبعينات في حسابات عائلته، قبل وبعد انضمامه إلى بنك كريدي أجريكول في جنيف. وتم تحويل الأموال لصالح غيان من جدة إلى ماليزيا، قبل أن تستقر في باريس.
وكان بقشان يطلب من وهيب الناصر إجراء عمليات سحب أو دفع عن طريق أوامر خطية نيابة عن إحدى شركات العائلة. ولكن هذا الأخير كان “فوضويا”، بحسب بقشان، فقد كانت لديه عادة مزعجة تتمثل في تقديمه وثائق أو أوراق للتوقيع في “اللحظة الأخيرة” أو قبل أن يأخذ الطائرة، من دون أن يتمكن من قراءتها وهي “أوراق لا تحصى، بما في ذلك فتح حسابات” حسب قول بقشان.
وأكد خالد بقشان أنه إذا كان يريد أن يدفع 500.000 يورو لغيان، فكان سيعطيه المبلغ مباشرة. “وهو مبلغ يسير” بالنسبة له. ويملك خالد بقشان العديد من العقارات في باريس، ولعب دور الوسيط مع الفرنسيين خلال بيع فرقاطات للمملكة العربية السعودية، ولديه “علاقات عمل” مع مجموعات التسليح تاليس وEADS .
وقد حاول الوزير السابق تعزيز حجته من خلال تمكين القضاة من صورة تم التقاطها في مكتب المحامي الماليزي سيفا راجندرام، المكان الذي تمت فيه عملية التحويل المالي من ماليزيا إلى باريس. ويمكن في الصورة رؤية مساعدة المحامي وهي تحمل اللوحتين لأندريس فان إيرتفلت، مع وجود صحيفة محلية في مكتب المحامي تثبت تاريخ هذه الصورة. ولكن هذه الصورة عززت فكرة أن اللوحتين لم يتم بيعهما …
وأمام الشرطة، قال كلود غيان بأنه تناقش حول احتمال بيع هذه اللوحات خلال لقاءه في فندق الريتز مع المحامي الماليزي، في خريف عام 2007، عندما كان الأمين العام لقصر الاليزيه. وكان المحامي مهتما بهذه اللوحات حتى أنه ذهب في اليوم التالي إلى منزل غيان، الذي قال: “لقد استقبلته زوجتي التي أخبرتني عن دهشتها عند سماعها المحامي يسأل إن كنا سنبيع اللوحتين. كما عاود الاتصال بنا عدة مرات ليقترح علينا في الأخير مبلغ 500.000 يورو، ما اعتبرناه مبلغا مثيرا للاهتمام”.
إلا أن كلود غيان لم يذكر سعر شراء اللوحتين، وحتى هوية تاجر التحف القديمة الذي باعه إياها. كما لم تكن لديه فاتورة الشراء. وعلاوة على ذلك، ومن الغريب، أن اللوحتين لو تكونا مؤمنتين.
في 4 يناير 2008، وحتى قبل استلام الأموال من ماليزيا، وبالتالي الانتهاء من بيع لوحاته، وقّع كلود غيان الوعد بشراء شقة تمسح 89 متر مربع في الدائرة السادسة عشرة. وفي 30 يناير 2008، أبلغ المحامي الماليزي الأمين العام للاليزيه “بتعليمات” العميل، الذي كان “يرغب في عدم الكشف عن هويته” دون مزيد من التفاصيل. ووفقا للمحامي، فإن العميل سيدفع 500.000 يورو وينتظر شهادة خبير لتقييم قيمة “اللوحتين” هذه الشهادة التي لم يكن لها أي أثر. ولا يملك كلود غيان إلا وثيقة ممضاة بخط اليد كتب عليها “جيدة للقبول”، وهي الوثيقة الوحيدة التي تشهد بعملية “البيع”، على الرغم من عدم ذكر اللوحتين في هذه الوثيقة لتبرير تحويل الأموال .
وتلقى الوزير السابق 500.000 يورو من ماليزيا بتاريخ 3 مارس 2008. ما مكنه من دفع نقدا، وبعد أسبوعين، ثمن الشقة الذي كان 717.500 يورو.
منذ بداية استجواب وزير الداخلية السابق، كان الشك يحوم حول وقائع هذه العملية. حيث لم يكن يمتلك أي معلومات تمكنه من إثبات أنه كان حقا صاحب هذه اللوحات: لا صورة، لا شهود … أما بالنسبة لزوجته فقد توفيت. وعلى الرغم من ذلك يقول كلود غيان بأن اللوحات كانت معلقة في غرفة نومه. ويقترح سؤال مدبرة منزله. ولكن للأسف، قالت هذه الأخيرة للشرطة أنها لم تشاهد هذه اللوحات من قبل!
كما دعّم قسم مكافحة غسل الأموال هذه الشكوك من خلال تمكين القضاة من البيانات التي تم الحصول عليها من نظيره في ماليزيا. فقد تم تحويل مبلغ 500.000 يورو من المملكة العربية السعودية، نحو الحساب البنكي للمحامي الماليزي، يوم 27 فبراير 2008، خمسة أيام قبل خلاص “اللوحات”. لتبرير العملية، قدم السيد سيفا راجندرام فاتورة لكلود غيان، تحتوي على أخطاء إملائية في أسماء وأعمال الفنان، ومقومة بالجنيه، وليس باليورو … وعند رؤية هذه “الفاتورة” أكد الوزير السابق أنها لم تكن بخط يده.
وعند السؤال عن مصدر هذه اللوحات، وصل المحققون إلى إجابة مثيرة للاهتمام، ففي يونيو 1990، تم بيع اللوحتين في مزاد علني في أمستردام كريستي، وبلغ السعر الإجمالي 48300 يورو. وكان المشتري شركة مقرها في جنيف ولم يتم بعد العثور على مديريها. كما قام خبير في الأعمال الفنية بتحليل أسعار أعمال الرسام أندريس فان إيرتفلت مبينا أن اللوحات كبيرة الحجم تباع ما بين 30.000 و 140.000 يورو، أما البقية فهي تباع حتى بأقل من 10.000 يورو. ويخلص الخبير إلى أن اللوحتين يمكن تقدير سعرهما ما بين 30.000 و 35.000 يورو في عام 2008 وبين 40 و 50 ألف يورو في عام 2013. وهو مبلغ أقل عشر مرات من ذلك الذي تلقاه كلود غيان.
وخلال هذا البيع المزعوم، لم يكن هناك من تكفل بأعمال الشحن، كما لم يتقدم كلود غيان بطلب ترخيص تصدير من وزارة الثقافة، بالرغم من أن هذا الإجراء إلزامي عندما يتجاوز سعر البيع 000 150 يورو.
وفي دفاعه، وجد وزير الداخلية السابق شهادة أصالة مرفقة مع اللوحتين. ولكن للأسف، أدرك المحققون وبسرعة أن هذه الشهادة سلمها خبير مورط في قضية شهادات مزورة … وخلص قضاة التحقيق إلى أن كلود غيان شارك “في إعداد مجموعة من الوثائق (وعد بالشراء، فاتورة) لإضفاء الطابع الرسمي على صفقة بيع وهمية”.
صحيفة ميديا بارت الفرنسية