عاشت تركيا في الأسبوع المنصرم أعمال عنف ارهابية راح ضحيتها ما يقارب 40 شخصا، وقد استهدفت المنظمات الارهابية مثل داعش وحزب العمال الكردستاني المواطنين الأتراك وقوات الأمن في هجماتها، وبرغم أنّ هناك اختلاف جذري ودوافع مختلفة تماما بين المنظمتين إلا أنهما يتصرفان بصورة مماثلة ويستخدمون نفس التكتيكات، وفي مقابل ذلك تحركت القوات التركية وأرسلت تعزيزات مكثفة في أراضيها وعلى حدودها.
لو ألقينا نظرة سريعة على المرحلة الماضية، لوجدنا أننا حققنا نجاحات ومكاسب عديدة وهامة جدا على صعيد الديمقراطية، فقد ازداد التمثيل الكردي في البرلمان بصورة كبيرة، وازدادت نسبة الاستثمار وتحسن الاقتصاد في المناطق ذات الأغلبية الكردية، ومن أبرز المكاسب أيضا دعوة أوجلان للأكراد لترك السلاح، لكن حزب العمال الكردستاني رفض هذا الطلب، ولم يكتف بذلك وإنما بدأ بشن هجمات مسلحة، وأصبح يستخدم الارهاب مجددا من أجل أنْ يستمر وجوده.
في الحقيقة سبب ذلك واضح، وهو أنّ حزب العمال الكردستاني يخشى من انتهاء دوره وتفككه في حال موافقته على الحلول الديمقراطية والحل السلمي، ولهذا يحاول الآن تحقيق مكاسب سياسية عبر الارهاب، وهذا أمرٌ غير مقبول به على الإطلاق في أي دولة ديمقراطية في العالم، وتركيا أيضا لن تقبل بذلك.
وفي نفس السياق، يسعى حزب الشعوب الديمقراطي إلى إضفاء الشرعية على سياسة حزب العمال الكردستاني الارهابية، لكنه لم ولن ينجح في ذلك، وهذا هو السبب الذي جعل حزب الشعوب الديمقراطي يدين ويستنكر مجزرة سوروج، وكلنا نستنكرها وندينها بشدة، لكنه –أي حزب الشعوب الديمقراطي- لم يستنكر ولم يدين مقتل جنود ورجال شرطة أتراك على يد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما لاحظناه، فعندما تم اتهام حزب العمال الكردستاني بتنفيذ هجوم مقتل رجال الشرطة والعساكر لم ينف الحزب ذلك، وإنما اكتفى حزب الشعوب الديمقراطي بإدانة مقتل 32 شخصا في سوروج، ولم يأتوا على ذكر مقتل رجال الشرطة والجنود الأتراك.
من الواضح جدا أنّ حزب العمال الكردستاني يسعى إلى استثمار عملية السلام لصالحه، ولتحقيق ذلك أصبح يستهدف كل الأمور الأساسية لعملية السلام، ويستهدف الجمهورية التركية بكل مواطنيها بمن فيهم الأكراد أنفسهم، وكل تصرفات الحزب اليوم تهدف إلى منع ترك سلاحه ووقف هجماته وعملياته، كما ويتصرف الحزب وكأنه الناطق الرسمي والممثل الشرعي للأكراد، يتصرف وكأنه يريد تحقيق طلبات ومطالب الشعب الكردي.
ومن جهة أخرى، يعمل حزب العمال الكردستاني، مع المنظمات الراكبة في ركبه، على شيطنة أهم رجلين يقودان عملية السلام والمصالحة الوطنية، وهما رجب طيب اردوغان واحمد داود أوغلو، وفي كل مرة يهاجم فيها حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي شخص اردوغان، لا يفجرون بذلك عملية السلام فحسب، وإنما ينسفون إمكانية أنْ يكون حزب الشعوب الديمقراطي حزبا لكل الأتراك.
موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار
يسعى حزب العمال الكردستاني إلى فتح جبهة مواجهة مسلحة لتحقيق أهداف سياسية، ويتحجج بذلك بداعش التي تستمر في حربها في سوريا، والتي يتم استهدافها من قبل التحالف الدولي، وقد بدأ حزب العمال الكردستاني في استخدام قواه المسلحة والسياسية من أجل تشكيل موجة عنف ونزاع جديدة.
حساباتنا مع حزب العمال الكردستاني، ربما تحقق لنا مصالح على المدى القصير، لكن ما يجب علينا ألا ننساه، هو أنّه سيكون لذلك ارتدادات في سوريا وفي المنطقة، وما يجب علينا عدم نسيانه ايضا، أنّ القضاء على منظمة ارهابية لا يعني القضاء على المنظمات الارهابية الأخرى تلقائيا.
الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي هو أيضا منظمة عنف وارهاب، تجبر الناس على الهجرة، وتهدد الناس وتشكل خطرا عليهم، ولهذا نجد اليوم أنّ الأكراد والعرب والتركمان السوريين قد ازداد غضبهم جدا على حزب الاتحاد الديمقراطي.
وفي هذا المشهد أيضا، علينا عدم نسيان أين تقف الحرب في سوريا وأين يقف نظام الأسد، فهذا النظام الملطخة أياديه بدماء السوريين قد قتل حتى الآن ما يزيد عن 300 ألف شخص، وهجّر الملايين إلى خارج البلاد، ويتعاون مع المجموعات الارهابية التي تشارك في الحرب السورية.
وما دام هذا النظام الظالم قائما في سوريا، فإنّ تنظيم داعش سيكسب المزيد من الوقت والمزيد من الإمكانيات للاستمرار في هجماته الدموية سواء في الشرق الأوسط أو في مختلف المناطق الأخرى في شتى أنحاء العالم، وفشل المجتمع الدولي في القضاء على نظام الأسد، انعكس اليوم على شكل تهديد أمني واضح وصريح بالنسبة لتركيا.
وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أحقية المطالب التي كانت تطالب بها تركيا، خصوصا تلك المتعلقة بتشكيل منطقة حظر جوي على الحدود التركية السورية، وتشكيل غطاء وحماية للجيش السوري الحر وللمعارضة السورية المعتدلة.
وبهذا أصبح تنظيم داعش الارهابي في المنطقة اليوم أكثر خطرا وتهديدا، ولذلك على التحالف الدولي المتشكل ضد داعش، أنْ يعمل جاهدا وبصورة أكبر من الوضع الحالي وأكثر فاعلية وتأثيرا من أجل إيقاف هذه المنظمة الارهابية.
من الآن فصاعدا
مسألة مواجهة تركيا المباشرة لتنظيم داعش على حدودها كانت مسألة وقت، وقد حدثت الأسبوع الماضي، وقد يكون الهجوم ضد داعش الذي أدى لمقتل جندي تركي، قد يكون هجوما فرديا، وقد يكون جزءا من خطة أكبر، لكن مهما كان السبب، فإنّ تركيا قد أعطت الرد المناسب والقوي والحازم على هذا الهجوم، وستستمر في ذلك، وهدف تركيا من ذلك هو إزالة كل التهديدات التي تهدد أمنها وأمن حدودها مع سوريا سواء من قبل داعش أو العناصر الأخرى، وتأمين الحدود ضروري جدا من أجل الجيش السوري الحر، ومن أجل اللاجئين الهاربين من بطش داعش ونظام الأسد.
واليوم ثبت مجددا بطلان الادعاءات التي كانت تتهم تركيا بأنها لم تقم بشيء ضد داعش، وبانها تدعم تنظيم الدولة الارهابي، ومع أنّ تركيا في الماضي اتخذت كل التدابير اللازمة ضد داعش، واعتقلت ما يزيد عن 500 شخص متهم بمحاولة انضمامهم لداعش، وما يزال 100 منهم في السجون.
وقد تم ترحيل 1600 شخص أجنبي إلى خارج تركيا بسبب علاقات لهم بداعش، وتم منع ما يزيد عن 15 ألف شخص أجنبي من دخول تركيا لذات السبب، وفي العملية الأخيرة تم إلقاء القبض على عدد كبير من المتهمين، وبدأت الإجراءات القضائية بحقهم.
أكدت تركيا مرارا وتكرارا أنّ تسرّب العناصر الارهابية إلى سوريا ليس مسؤولية تركيا وحدها وإنما مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، وعلينا تأكيد ذلك مجددا، فعلى الدول التي يتسرب منها المقاتلون الارهابيون الذين ينضمون لداعش أنْ تقوم بما يجب عليها القيام به، وعليها اتخاذ اجراءات أكثر صرامة.
الأحداث التي حصلت في هذا الأسبوع تثبت أنّ كلا من حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش، وبرغم أنهما منظمتان مختلفتين، إلا أنهما يشتركان في أنهما يريدان تحقيق مكاسب سياسية من خلال استخدام العنف، وهذا الأمر لا تسمح به أي ديمقراطية، فالإرهاب مرفوض ويجب مواجهته مهما كان مصدره سواء من داعش أو من حزب العمال الكردستاني أو من أي جهة أخرى، وهذا ما قامت وتقوم به تركيا.
صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس