ترجمة وتحرير نون بوست
فيما عدا الإرث الذي تركته السياسات الاستعمارية، غالباً ما تُعرّف العلاقات الباردة ما بين الإسلام والغرب من خلال أحداث 11 سبتمبر وما بعدها، لذلك تم استخدام عدة طروحات ومصطلحات مثل صراع الحضارات، حرب الأفكار، الحرب على الإرهاب، الحروب الصليبية، والفاشية الإسلامية، بشكل كبير لتحكم هذه العلاقة إلى حد كبير.
في خضم الهذيان الثقافي الغربي، كانت عقليات الجيش، والعقليات الاقتصادية والسياسية، التي تحكم غزو العراق وأفغانستان والتدخلات السرية وغير السرية في باكستان، تستهدف بشكل أساسي تشويه حياة، شخصية، وأفعال النبي محمد.
أدب الإسلاموفوبيا المنتشر في العقد الحالي، والذي يتخذ من الإنترنت أرضاً خصبة له، يتميز بضمه للمسلمين السابقين مثل أيان حيرسي علي، وفاء سلطان، وليد شعيبات، وغيرهم من الذين يستعملون أسماء مستعارة، مثل ابن وراق أو علي سينا، حيث يحاول هؤلاء مواجهة الاستشراق التقليدي بتقديم الاستشراق المعاصر في زي ديني، حيث يُستخدم هذا المنهج الأخير كوسيلة لتصوير شعوب الشرق بطريقة متدنية، كنعتهم بالآخرين أو بالهمج، وعلاوة على ذلك، فإن السرعة الخيالية التي تنتشر بها النصوص والرسومات والملفات السمعية والبصرية اليوم، أضافت أبعاداً جديدة لهذا التهجم العنيف واللاذع، حيث تركز محاولات تصوير الحياة النبوية في هذه الأيام على تشويه صورة النبي، من خلال تركيزها على ممارسة الجنس مع الأطفال، الرق، تعدد الزوجات، والحروب الإسلامية المقدسة، علماً أنه في الماضي، كان نهج المستشرقين السائد يستخدم فقه اللغة، التاريخ، الدين المقارن، لوصف حياة النبي محمد.
الكراهية، الغضب، الافتراء، والتحامل على الإسلام في الغرب، هي حملات لا تميز بين القرآن والنبي والمسلمين بشكل عام، وكلاً من الاستشراق المعاصر والإسلاموفوبيا، رغم أنهما يعترفان بالوضع الأصولي للنبي، بيد أنها يستهدفان أحد هذه المقدسات أو جميعها باعتداءاتهما المستمرة على الكرامة والنزاهة الإسلامية، والبعض يعتبر بأن هذه الحرب الأيديولوجية الخاطفة غالباً ما تتوج من خلال غزو واحتلال أراضي المسلمين.
في عام 2011 في غاينيسفيل- فلوريدا، وتحت إشراف ومراقبة قس إنجيلي أمريكي، تم حرق نسخة من القرآن في الكنيسة بعد أن تم وصمه بأنه مذنب بوقوع الجرائم، وهذا الحادث ليس معزولاً أو فريداً من نوعه، كونه يمثل نمطاً عاماً متداولاً بشدة، حيث أن قصة تدنيس القرآن في معتقل غوانتانامو تم توثيقها بشكل جيد، حيث قيل بأنه تم وضعه داخل المرحاض وفتح الماء عليه لاستثارة مشاعر المعتقلين المسلمين، وعلى الرغم من أن هذه القصة تم نفيها فيما بعد من قِبل مجلة نيوزويك، ولكن تم توثيق حوادث مماثلة أخرى؛ ففي ذات العام، دنس السجانون الأمريكيون نسخة من القرآن الكريم ببولهم، كما قاموا بالدعس عليه والوقوف فوقه وإغراقه بالماء، وعمد رجل أعمال ألماني إلى طباعة اسم القرآن على ورق المراحيض، وعرضها للبيع، وفي حوادث مماثلة تم استعمال الآيات القرآنية ضمن وشوم رُسمت على أسفل ظهر الإناث، كما تم طبع هذه الآيات على الجلود المستخدمة لصناعة الأحذية النسائية، والملابس التي ترتديها نساء نصف عاريات في عروض الأزياء، فضلاً عن قيام نائب هولندي يدعى جيرت فيلدرز، بنشر صور على الإنترنت بعنوان “فتنة”، يقارن من خلالها القرآن مع قصة أدولف هتلر “كفاحي”، حتى وصل الأمر إلى التحاق البابا بنديكتوس السادس عشر بركب تقريع وإهانة الإسلام، من خلال إهانته للنبي، وتوجيهه لملاحظات مهينة للغاية حول الإسلام.
هذه الحوادث ليست سوى جزءاً صغيراً جداً من الأحداث والمواد المنتشرة بشدة، والتي تستمر باستهداف الإسلام والنبي والمسلمين، بسلوك يعتبر قمة بالإساءة والدناءة؛ فاللغة والرسومات المستخدمة للتعبير عن هذا الكم الهائل من التعصب لا يستطيع أي شخص متحضر وفي القرن الواحد والعشرين تصورها أو تقبلها، وخاصة تلك التي تصوّر الطرد المروع لليهود والمسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية بعد استردادها من قِبل المسيحيين.
إن الهجوم والإساءة اللفظية والبصرية، التي يختبرها مرتادو الانترنت المسلمين، بالكاد يتم تسليط الضوء عليها أو ذكرها في وسائل الإعلام، ويمكننا ببساطة قياس الحجم الهائل لهذه الكراهية من خلال إدخال كلمات بحث بسيطة على جوجل؛ ففي وقت مبكر من هذا الأسبوع، حقق مصطلح بحث “الإسلاموفوبيا” أكثر من مليوني نتيجة بحث؛ تتضمن حوالي 2000 كتاب تتحدث حول هذا الموضوع، وما يقرب من 1.000.000 صورة معنونة بوسم “الإسلاموفوبيا”.
من هذا المنطلق، يحق لنا التعجب والاستغراب من الممارسات الفظيعة التي تتم ممارستها باسم كأس حرية التعبير المقدسة، حيث يتم التذرع بهذه الحرية واستخدام التطور التكنولوجي الحديث لبث الكراهية ضد الدين الإسلامي؛ فلا يوجد أي دين آخر تعرض للامتهان والتشويه أكثر من الدين الإسلامي، كما لم يتعرض أي نبي لذات درجة الفظائع والتحقيرات التي مورست ضد نبي الإسلام، ولم يخضع أتباع أي دين آخر لذات درجة الندوب النفسية الغائرة والعميقة والمستديمة التي عانى منها المسلمون باسم حق الحرية، ولكن مع ذلك، فإن تزايد معادة السامية ما بين المسلمين، وهو الأمر الذي لم نشهده على طول التاريخ السلمي الطويل للعلاقات اليهودية – الإسلامية، هو مصدر قلق خطير لأنه يفتح باباً جديداً أمام بث ونشر الكراهية.
من الخطأ أن نعتقد إن تصريحات الكراهية قد صدرت ضمن سياق سياسي صحيح معين بذاته، وأن لها قيمة عابرة، تنتهي بمجرد انتهاء هذا السياق، فالحق أن هذه التصريحات تمثل وتحدد الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الإسلام ونبيه والمسلمين، ونحن لسنا بحاجة لنتعمق ونحفر ضمن أسس الواقع، لنفهم تأثير هذه الآراء والتصريحات ضمن الأوساط الأكاديمية وعلى ساحة الرأي العام، ناهيك عن تأثيرها في صياغة سياسات الدول أو إدخال ضوابط جديدة؛ فعلى مدى العقد الماضي شهدنا الموت البطيء للتعددية الثقافية، وضع الحدود أمام الفكر الليبرالي، زيادة القيود على الحريات الشخصية، تعزيز الرقابة على الأفراد، انخفاض عتبة التسامح، المضايقات، الاعتقالات غير القانونية، وفرض الحظورات على تطبيق الشريعة، أما في مجال الحياة العامة فشهدنا وضع قيود على السفر، التمييز الممارس ضد المسلمين، العنف، حظر النقاب، وقف أدونات تشييد المآذن أو المساجد، وفرض قيود على صناعة الحلال، وهذا جميعه ليس سوى غيض من فيض التحيزات التي يواجهها المسلمون في عالم اليوم.
إن المتابع المدقق لواقع اليوم يلاحظ إن صورة رومانسية الشرق وسحره، وأسرار الصحراء العربية، التي يتناحر ضمنها البدو، وتظهر فيها الحريم المترفة، يتم استبدالها في جميع أنحاء العالم اليوم بفيض جديد من القوالب النمطية التي تتحدث عن النبي العربي وأتباعه، وتصورهم في حلة جديدة.
ومن خلال استقراء الفظائع التي ترتكبها ما يسمى بدولة الخلافة، التي يقوم عليها حفنة من إرهابيي داعش، يواجه أكثر من 1.3 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم اليوم عبء الذنب الجماعي للتقارير التي تصل عن ممارسات داعش الفظيعة، مثل صلب الجواسيس، اغتصاب الأطفال، ذبح غير المسلمين، إعدام الأطفال الجماعي، حرق الأعداء وهم على قيد الحياة، القطع الوحشي للرؤوس، نهب وحرق المكتبات، وضع الأعداء في قفص وقتلهم غرقاً، الاسترقاق الجنسي، سلب حقوق الأقليات، تدريب الأطفال ليصبحوا جلادين وانتحاريين، التدمير واسع النطاق للآثار بما في ذلك قبر النبي يونس، هذه الممارسات هي بعض من العديد من أفعال الموت والدمار الدنيئة الأخرى التي يمارسها تنظيم داعش، وعلى الرغم من أن أياً من هذه الممارسات غير معترف بها من قِبل المذاهب الإسلامية، بيد أن متبعي مذاهب الإسلاموفوبيا “الإسلاموفوبيون” لا يلكون ولا يملون من ترديد شعار: داعش هي الإسلام، والإسلام هو داعش.
من الخطأ أن نفترض أن لواء كتّاب الإسلاموفوبيا الجديد هو الاسم المستعار للاستشراق المعاصر، بل على العكس من ذلك، فهؤلاء هم نوع جديد له استقلاليته الذاتية، ويعوزهم الصدق الفكري والضمير أو أي أساس أخلاقي آخر، وعلى الرغم من أنهم صاغوا طريقاً جديداً لتحقيق الربح من صناعة الإسلاموفوبيا، فالبعض منهم ينعت نفسه بأنه من متبعي مذهب الاستشراق الجديد.
أخيراً، فإن الاستشراق الكلاسيكي لا يملك الوسائل ولا الخيال الشرير اللازمين لتصوير النبي بالطريقة التي نشهدها اليوم، وهذا التحول النمطي بالفكر هو تحول معزز إلى حد كبير بالتكنولوجيا الحديثة، بحيث لم يعد يعتبر المساعي الفكرية الأصيلة كسمة للانضباط الأكاديمي، والحقيقة تقف اليوم كأضحية على مذبح المصالح السياسية، بحيث أصبحت الدراسات التي تشيد بالإسلام تبدو وكأنها جانٍ مشكوك بانتماءاته، وباسم الانتقام من هجوم 11 سبتمبر، يجري تشديد الخناق على الفكر والسياسة، في محاولة لتشويه شخصية ورسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه بعض الصور لطلاب وأساتذة لمناهضة الإسلاموفوبيا
المصدر: هافنغتون بوست