كشفت دراسة حديثة نشرتها مجلة “تايم” أن السن المناسب للزواج يتراوح ما بين 28 و32 عاما للإناث والذكور باعتبار أن الإحصائيات أكدت تقلص نسب حدوث الطلاق في السنوات الخمس الأولى. ووفق “نيك ولفينجر”، عالم الإجتماع الذي أجرى الدرسة، تنخفض نسب الطلاق للأزواج الذين تتراوح أعمارهم ما بين 28 و32 عاما، ولا تتأثر هذه النتيجة باختلاف المستوى التعليمي والمنطقة السكنية التي يعيشون فيها، والنوع والعرق والدين.
ورغم ما توصلت إليه هذه الدراسة، وبالرجوع للمعايير الإجتماعية العربية، يعتبر تجاوز الفتاة سن ال 25 دون ارتباط أحد أهم المشاكل الي قد تسبب أرقا، وإن كان الوضع أقل حساسية بالنسبة للرجل. وقد شهدت البنية المجتمعية العربية تحولا تدريجيا لسن الزواج مع بداية الألفية، لتصبح المعدلات المقبولة تحوم حول الثلاثينات لمن استطاع إليها سبيلا، وليصبح تأخر سن الزواج وتأخره إلى ما لا نهاية أحد أهم المشاكل الإجتماعية التي تنذر ببروز انعكاسات على المدى المتوسط والبعيد.
ورغم تشارك مختلف الأقطار العربية في تفشي هذه الظاهرة، وتوحدها على أن البعد المادي وارتفاع تكاليف الزواج يُعد السبب الرئيس لها، يظل لكل بلد خصوصياته.
أهم 6 أسباب وراء تأخر زواج مليوني شاب وفتاة في السعودية
في المملكة العربية السعودية مثلا، خلُص الوقف العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز، من خلال دراسة معمقة لهذه الظاهرة محليا، إلى ستة أسباب قدمها في شكل قائمة تحوصل أسباب تأخر سن الزواج لمليوني شاب وفتاة بناء على دراسة ميدانية.
وبحسب الدراسة، استحوذ ارتفاع تكاليف الإرتباط على المرتبة الأولى في سلم الصعوبات التي تحول دون الإنشاء الطبيعي لأسرة في حدود المجال العُمُري المُتعارف عليه، تلاه التدخل الكبير للأهل الذين يضبطون المعايير، بالإضافة إلى تعصب بعضهم (الأهل) لمسألة الحسب والنسب.
وتحصل على المرتبة الرابعة في TOP 6 مسألة المُبالغة في البحث عن مواصفات مُعينة في الشريك الآخر، تلاه التأثر بالتجارب الفاشلة في المحيط الضيق التي يتحول بعضها إلى هواجس من الوقوع في مثيلاتها لدى الباحثين عن الإرتباط. كما تحدثت الدراسة عن ما أسمته “مفاهيم خاطئة” عن الزواج يُكرسها الإعلام والإنتاج الدرامي والسينمائي تُساهم في خلق حالة نفور منه.
وقد انتهت عملية البحث إلى وجود 45 مفهوماً مغلوطاً عن فكرة الزواج لدى الزواج من بينها التفكير في المستقبل الوظيفي في ظل الزواج، وضعف العلاقات الاجتماعية، وإخفاء بعض المشكلات الجسدية والنفسية عن الطرف الآخر والغيرة من تميز الطرف الآخر، والخوف من الالتزام بالمسؤوليات، والعنف الأسري كذلك.
وبحسب إحصائيات محلية سعودية صادرة عن وزارة التخطيط، فإن عدد الفتيات المتأخرات عن سن الزواج يصل إلى 1.4 مليون فتاة، فيما يقدر عدد الشباب الذي لم يتزوجوا بعد بنحو 600 ألف شاب.
8 ملايين فتاة مصرية يلاحقها شبح العنوسة
وحسب آخر الإحصائيات والدراسات التى أجريت فى مصر، يلاحق شبح العنوسة أكثر من 8 ملايين فتاة مصرية، ومن أبرز الأسباب التي أفضت إلى هذا الرقم المُفزع هي الأسباب الاقتصادية الخاصة بارتفاع تكاليف الزواج، بالإضافة إلى أسباب مُجتمعية أخرى، دفعت لاستفحال ظاهرة تأخر الزواج ليس فقط على صعيد الفتيات، بل لدى الشباب أيضًا.
وتلقي بعض التحاليل بمسؤولية تأخّر سن الزواج على عاتق الدولة التى تخلت عن دورها الإجتماعي في ظل ارتفاع تكاليف الحياة، فبالإضافة إلى مشاكل السكن، لا يمكن الحديث عن تأسيس أسر في ظل ارتفاع نسب البطالة لدى الشباب في مصر والتي بلغت وفق آخر الإحصائيات عتبة ال 25 بالمائة.
كما تُعتبر سطوة الموروث الثقافى والاجتماعى سببا رئيسا في استفحال هذه الظاهرة وخاصة الإصرار على شروط معينة فيمن تختار زوجاً أو يختار زوجة له بالإضافة إلى اشتراط عائلة الفتاة عديد من الترتيبات التي بات من الصعب على الشاب المصري تحقيقها في ظل الوضع الإقتصادي والإجتماعي للبلاد.
تراجع نسب زواج الكويتيات وارتفاع نسب الطلاق
وفي الكويت، تراجع عدد عقود الزواج المبرمة من 20 ألفا في 2010 إلى نحو 15 ألفا في 2013، أي بنسبة 25 بالمائة. وبينت أرقام أخيرة قدمتها المجموعة الاحصائية أن عدد العزاب الكويتيين زاد خلال خمس سنوات بين 2005 الى 2011 بنسبة أكبر من زيادة نسبة الكويتيات غير المتزوجات، حيث ارتفع عدد الكويتيين الرجال غير المتزوجين الى نحو 145 الفا أي بزيادة قدرها نحو 38 الفا (ممن أصبحوا في سن الزواج) خلال خمس سنوات. في المقابل ارتفع عدد الكويتيات غير المتزوجات الى نحو 128 ألفا بزيادة نحو 32 ألف امراة دخلت سن الزواج ولم تتزوج خلال الفترة نفسها.
وبالإضافة إلى ارتفاع تأخر سن الزواج في الكويت، فإن ظاهرة الطلاق باتت أكثر وضوحا، إذ تشير الإحصائيات أن نحو نصف الكويتيات اللواتي تتزوجن سنويا لا يكملن حياتهن الزوجية ويحصلن على الطلاق، فخلال السنوات الأربع الأخيرة منذ 2010 الى 2013 وصلت نسبة الطلاق بين الكويتيات إلى أكثر من 43 في المئة، وهو ما يعني أن نحو نصف الكويتيات المتزوجات كل سنة انتهى زواجهن إلى الطلاق، حيث بلغ عدد المطلقات في 2013 نحو 4261 مطلقة من بين 9597 متزوجة مقارنة بـ3747 حالة طلاق من بين 8132 حالة زواج في 2010، بينما وصل عدد المطلقات في 2011 إلى 3802 من بين 9481 حالة زواج، و4067 حالة طلاق في 2012 من اصل 9405 حالات زواج موثقة.
أرقام أخرى لأقطار أخرى
وبحسب دراسات متفرقة، بلغت 35 بالمائة تقريبا من فتيات قطر والبحرين والإمارات مرحلة العنوسة، في حين بلغت 20 بالمائة في كل من السودان والصومال و 10 بالمائة في سلطنة عمان والمغرب.
أما في تونس، فقد تجاوزت 40 بالمائة من التونسيات سن الثلاثين دون زواج، في حين بلغت في الجزائر 35.3 بالمائة. وسُجّل أعلى معدل عنوسة في العراق بنسبة 85 بالمائة، في حسن سُجّل أدناها بفلسطين بنسبة 1 بالمائة، وعلى خلاف باقي الدول العربي، شهدت ليبيا واليمن انخفاضا لنسب العنوسة لتصل إلى 30 بالمائة
“العنوسة” لا تشمل الفتيات فقط
ورغم أن “العنوسة” في استعمالها المجتمعي عادة ما تُوجه للفتاة، توضح لإحصائيات أن العنوسة لا تقتصر على النساء فقط، فهناك نسبة كبيرة من الرجال يعانون هذه الظاهرة، ففي سوريا بينت الأرقام الرسمية أن أكثر من 50% من الشباب السوريين لم يتزوجوا بعد، في حين لم تتزوج 60% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و29 عاماً، وبلغت الفتيات اللاتي تخطى عمرهن 34 عاماً دون زواج أكثر من نصف النساء غير المتزوجات، وفي لبنان أكدت إحصائية أن نسبة الذكور غير المتزوجين ما بين 25 و30 سنة تبلغ 95.1% والإناث 83.2%. وأشارت نتائج دراسة أردنية إلى تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول إلى 29.2سنة، بينما يتأخر إلى 31. 9 سنة لدى الذكور.
وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية أن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن بعد، على الرغم من تجاوزهن الرابعة والثلاثين، وأن عدد العزاب تخطى 18 مليوناً من عدد السكان البالغ 36 مليون نسمة.
وأخيرا في مصر فقد أكدت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين بلغت 29.7% للذكور، و28.4% للإناث.
مخاطر جسدية واجتماعية يسببها تأخر سن الزواج
وقد دقت عديد الدراسات الإجتماعية ناقوس الأخطار التي يسببها عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع معدلات العنوسة لدى الجنسين، وتوزعت بين الأضرار النفسية والجسدية وأيضا بعض الأمراض الإجتماعية التي تهدد المجتمعات.
فقد أجمعت الدراسات الطبية على أن الزواج في سن متأخرة يجعل حدوث الحمل في مثل هذه السن خطرًا ويكون له بعض المضاعفات المترتبة عليه، كزيادة في نسبة حدوث ارتفاع ضغط الدم، وحدوث مرض السكر المصاحب للحمل، وزيادة احتمالات حدوث العيوب الخلقية في الجنين، كأن يكون مثلاً الطفل المغولي؛ بالإضافة إلى ما قد تتعرض له من احتمالات متزايدة لحدوث الولادة المتعثرة والاحتياج إلى إجراء ولادة قيصرية، ورغم أن تأخر سن الزواج لا يسبب للفتاة العقم؛ إلا أنه قد يؤدى في بعض الحالات إلى زيادة في نسبة إفراز هرمون الاستروجين، وبالتالي إلى زيادة في نشاط الخلايا المبطنة للرحم .
وتشير الدراسات النفسية أن الفتاة وبنسبة أقل الشاب الذين تخطوا سن الزواج يتميزون بأنهم أكثر انعزالية وانطوائية، كما يكونون عرضة للإصابة بأمراض الاكتئاب والقلق والمرض النفسي، ومما يسببه تأخر سن الزواج، انتشار العلاقات خارج هذه المؤسسة وتطبيعها مع الواقع وانتشار مظاهر التحرش ونسب جرائم الإغتصاب، وهو ما يهدد كيان الأسرة كنواة أساسية في المجتمعات السليمة.
بالنظر إلى الإرتفاع المطرد في نسب النمو الديمغرافي داخل بلداننا العربية والإنخفاض المتواصل للمقدرة الشرائية، سيتواصل ارتفاع معدلات تأخر سن الزواج لدى الشباب. ورغم كل المحاولات الخجولة التي تقوم بها بعض الأنظمة هنا وهناك، تبدو الحاجة مُلحة لتحقيق بعض التعديل على مستوى القناعات والثقافات الفردية حتى يعود الزواج لقيمته الأصلية بعيدا عن سطوة الموروث الذي جعل منه شيئا صعب المنال.