كحال المنافسة بين الأهلي والزمالك، فإنه في الأسبوع الماضي أعلن تنظيم القاعدة بصورة شبه رسمية تواجده في مصر عبر تنظيم جديد باسم “المرابطين”، يقوده ضابط الصاعقة المصرية المفصول من الخدمة، هشام العشماوي، ليدخل التنظيم الجديد في منافسة مع تنظيم الدولة الإسلامية – سواء بفرع ولاية سيناء أو مع الفروع الجديدة تحت الإنشاء – بالإضافة إلى عدد آخر من التنظيمات المسلحة، ليكون شريكًا بحصة جديدة في سوق العنف السياسي المسلح ضد النظام العسكري الحاكم في مصر حاليًا، فهل مع التطورات المحلية والتنظيمات الجديدة تلحق مصر بطريق سوريا والعراق؟
طبقًا لتقديرات منظمات دولية، فإن عدد المقاتلين الذين سقطوا برصاص الجيش المصري في سيناء خلال العاميين الماضيين يتخطى الألف مقاتل (لا يمكن التعامل مع التقديرات الرسمية بجدية لأن الأرقام بها أعلى من هذا بكثير، يكفي أن تعرف أنه في شهر يوليو من العام الحالي أعلن المتحدث الرسمي مقتل 600 مسلح في سيناء).
ورغم ذلك فإن تنظيم أنصار بيت المقدس، ولاية سيناء حاليًا، استمرت عملياته ضد الجيش والشرطة ثم أخيرًا القضاء دون انقطاع، وعلى فترات زمنية متقاربة، مع تطور في الكفاءة القتالية وتعقيد العمليات التي شملت عمليات برية، وجوية، بإسقاط طائرة مصرية وامتلاك أسلحة مضادة للطائرات، وبحرية، عمليتين على الأقل، ثم أخيرًا خلال الشهر الماضي عاد للعمل في منطقة قناة السويس بتبنيه لعملية مهاجمة معسكر للجيش على طريق القاهرة السويس بعد أن كانت عملياته تقتصر على سيناء في الفترة الأخيرة، التنظيم كان قد تبنى عمليات مهاجمة مديريتي أمن القاهرة والدقهلية في وقت سابق.
أيضًا، تنظيم الدولة الاسلامية – بدون ذكر اسم ولاية سيناء في البيان – أعلن تبنية الهجوم على القنصلية الإيطالية، فهل معنى ذلك أن فرعًا جديدًا قد تم إنشاؤه وسوف يعلن عنه قريبًا، خاصة مع تقارير صحفية، لا يمكن التأكد من مدى مصداقيتها، تتحدث عن ولاية الصعيد.
على الجانب الأخر، فإن هشام العشماوي، واحد من ضمن 15 ضابطًا سابقًا في الجيش المصري أعلنوا انضمامهم لجماعات جهادية ضد النظام الحاكم، أعلن في بيان صوتي عن جماعة جهادية جديدة يبدو ارتباطها واضحًا بتنظيم القاعدة، عشماوي الذي يُعتقد أنه كان المخطط لمحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد ابراهيم التي تمت بواسطة ضابط مفصول من الجيش، كما أنه العقل المدبر للهجوم على كمين الفرافرة بالصحراء الغربية، وهو أول هجوم يستطيع من خلاله المهاجمون القضاء على كل أفراد الكمين عدا جندي واحد، بالإضافة إلى تدميره.
عشماوي كان يُعتقد في وقت سابق أنه المسؤول عن عمليات جماعة أنصار بيت المقدس في وادي النيل، لكن البيان الصوتي الجديد يفيد بأنه القائد الجديد لتنظيم المرابطين الوليد في مصر التابع لتنظيم القاعدة، ويؤكد التسجيل الصوتي صحة الأنباء التي ترددت عن رفضه مبايعه البغدادي والانضمام لتنظيم الدولة، بيان عشماوي خلا من تكفير قوات الجيش والشرطة على عكس بيانات ولاية سيناء التي تطلق عليهم “جيش الردة”، كما أنه ظهر فيه بصورة واضحة المسجد الأقصى.
التنافس الآن سوف يكون على أشده بين التنظيم الوليد وبين الدولة الإسلامية على جذب مؤيدين وأتباع جدد في وادي النيل وفي تنفيذ عمليات فيها.
من التنظيمات الجهادية الأخرى النشطة في مصر، تنظيم أجناد مصر، الذي تبنى أكثر من عملية اغتيال لعدد من ضباط الشرطة الذين شاركوا في فض اعتصام النهضة أو في قتل المتظاهرين، ووضعوا عبوة ناسفة في محيط قصر الاتحادية في وقت سابق، أعلن الأمن المصري قتل قائد التنظيم في أحد شقق محافظة الجيزة، ثم ترددت أنباء على تويتر عن اعتقال كل أعضاء التنظيم لكن لا يمكن تأكيد هذه الأخبار، التنظيم كان تبنى بصفة أساسية القصاص ممن شاركوا في القتل العمد وكان هذا هو الخط المعلن له.
أخيرًا، هناك مجموعات صغيرة مثل العقاب الثوري، والمقاومة الشعبية التي تستهدف المصالح العامة، ومحولات الكهرباء، ورجال الشرطة، ورغم أنها الأكثر من حيث الأعمال والأوسع انتشارًا إلا أن حجم عملياتها صغير مقارنه بالتنظيمات السابقة، ومدى تعقيدها أقل بكثير.
رغم وجود هذه التنظيمات المتعددة إلا أن الوضع في مصر يختلف كثيرًا عن سوريا والعراق؛ مصر على الأقل لديها جيش لازال يقاتل ولا ينسحب من المعارك ويترك أماكنه كما يحدث في سوريا والعراق، ورغم أن المحصلة في النهاية تكون سقوط عدد من القتلي من جنود التجنيد الإجباري وصغار الضباط، إلا أنه في النهاية لايزال الجيش المصري يقاتل حتى الآن ويطور من أساليب مواجهته للهجوم المتكرر.
مصر أيضًا ليس لديها انقسامات طائفية (سنة/ شيعة) أو عرقية (عربي/ كردي)، والشعب في أغلبه متجانس وهذا يصعب من مهمة تواجد أي تنظيمات مسلحة في مصر، هذا على الرغم من أن مصر تشهد واحده من أسوأ حالات الانقسام السياسي والمجتمعي في تاريخها الحديث والذي يوفر بيئة حاضنة لمثل هذه التنظيمات، مصر لديها أيضًا تاريخ طويل من التعامل مع الهجمات المسلحة في الصعيد في فترة التسعينات وخبرة أمنية في هذا المجال.
لكن هذا كله لا يمنع أن الجو العام والتربة في مصر أصبحت مهيأة لنمو هذه التنظيمات وخروجها عن السيطرة؛ لديك حالة سياسة مغلقة تمامًا لا مجال فيها للمشاركة إلا لفئات محدودة من المجتمع مع انعدام الأمل في أفق سياسي جيد، وعشرات الآلاف من شباب الإسلاميين الذين جربوا “سلميتنا أقوى من الرصاص” فكان مصيرهم الاعتقال والتعذيب ثم المحاكمات العسكرية، ولا مانع لديهم من تجريب بديل آخر يبدو أكثر جاذبية خاصة مع توالي نجاحاته في أماكن متعدده وتبنية “لشرعية الإنجاز” كعامل جذب لضم عناصر جديدة، وتراجع الإسلام السياسي تحت ضغط الاعتقالات، وغياب الحريات والانتخابات، بالإضافة إلى سلاح كثير متوفر من ليبيا، ودعم خارجي من خبراء في تصنيع المفرقعات والمفخخات، أو من المقاتلين في سوريا والعراق القادرين على نقل خبرات متطورة في وقت قصير، بالإضافة إلى ضباط الجيش المصري السابقين.
لذلك لن يكون مفاجئًا تصاعد الهجمات المسلحة ضد الجيش والشرطة المصرية في الفترة القادمة، وتصاعد وتيرة وقوة العمليات العسكرية ضدهم، ويبقى هناك سؤال، هل تستطيع أن تصمد الداخلية المصرية والجيش المصري مع توالي الضربات وتعدد التنظيمات أمام هذه الهجمة الجديدة؟