بعد أيام من حادثة ثكنة الحرس الوطني بالعوينة والتي قام خلالها أعوان أمن منتمون لإحدى النقابات الأمنية التونسية بمنع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي من المشاركة في مراسم تأبين اثنين من شهداء الحرس الوطني، وفي الوقت الذي منحت فيه منظمة الشفافية الدولية لتونس “شرف تنظيم المؤتمر العالمي السادس عشر للمنظمة حول مكافحة الفساد المقرر العام القادم”، وتزامنا مع أول جلسة رسمية للحوار الوطني، دعت جبهة الإنقاذ المعارضة أنصارها للمشاركة في مسيرات شعبية منادية ب”إسقاط الحكومة” وب”إنهاء الاستبداد الإسلامي”.
وذلك في ظل أجواء متوترة تعيشها البلاد بسبب تسييس عدد من المؤسسات الحكومية وتوظيفها لصالح قوى سياسية بعينها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي سياق التطورات التي تلت أحداث ثكنة العوينة، نقلت قناة تي أن أن التونسية الخاصةتصريحا لعدنان منصر، الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، قال فيه أن “ما حدث في ثكنة الحرس الوطني بالعوينة تنطبق عليه كل خصائص التمرد” وأن “القضاء العسكري سينظر في هذه الحادثة”، تصريح لم يرق لوكالة تونس افريقيا للأنباء –الحكومية-، التي نشرت خبرا مفاده أن مصدرا في رئاسة الجمهورية نفى ما نشرته قناة تلفزيونية خاصة حول تكليف رئيس الجمهورية للقضاء العسكري بفتح تحقيق حول ما شهدته ثكنة العوينة باعتباره تمردا، قبل أن تعود بعد قليل وتصححه بأن المصدر نفى علمه بهذه المعلومة، ثم مرة ثالثة لتحذف التكذيب الذي لم يكن هناك من مبرر لنشره سوى قلة المهنية.
والاضطرابات التي تلت أحداث ثكنة العوينة، وسببتها محاولات توظيف مؤسسات الدولة لأجل إرباك الحكومة، لم تتوقف عند وكالة الأنباء الحكومية الأولى في تونس، وطالت أيضا الواجهة الإعلامية الرسمية لوزارة الداخلية، حيث قامت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية التونسية بنشر بيان شديد اللهجة ممضى من طرف المدراء العامين للحرس الوطني تبرؤوا فيه من تصرفات الأعوان الذين منعوا الرؤساء الثلاثة من المشاركة في مراسم التأبين، واتهموا من خلاله النقابة الأمنية التي ينتمون إليها بالانحياز السياسي وبعدم احترام واجباتهم الوطنية، ورغم الاستحسان الكبير الذي وجده البيان لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنه حذف من صفحة وزارة الداخلية بعد دقائق من نشره دون تقديم أي مبررات أو تفسيرات عن أسباب حذفه.
والنقابة الأمنية التي أصبحت متهمة رسميا بالتمرد، وشعبيا بالتآمر على أمن البلاد وبالسعي للانقلاب، لم تقدم اعتذارا عن ما بدر من أفرادها وإنما شجعت عليه وهددت على لسان قياداتها من إمكانية التصعيد في وجه الحكومة، وذلك في تصريحات حضرها قيادات من أحزاب معارضة أبرزهم أحمد نجيب الشاب ومية الجريبي، المشاركان بدورهما في الحوار الوطني.
هذا التعنت من قبل النقابة، جعل المدير العام لجهاز الحماية المدنية (تابع لوزارة الداخلية) بالعوينة، شكري بن جنات، يصدر مساء اليوم بطاقة إيقاف عن العمل بحق أمين عام النقابة الأساسية لموظفي الحرس الوطني، حلمي الوسلاتي، بسبب ما اعتبره “عصيانا وإهانة لرموز الدولة”، وكذلك أربعة نقابيين آخرين شاركوا في حادثة ثكنة العوينة، بالإضافة إلى قرارات أخرى لم تتأكد بعد إلا أنها أفادت بوجود تنسيق ما بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والقيادة العامة للجيش التونسي تهدف إلى التصدي إلى أي محاولة عصيان أو تمرد ربما تقودها النقابة يوم غد بالتزامن مع المسيرات التي ستنظمها المعارضة.
وهذه التطورات والأحداث، دفعت رئيس الوزراء التونسي السابق حمادي الجبالي، والذي غاب عن المشهد السياسي التونسي جزئيا منذ استقالته من منصب رئيس الوزراء بسبب خلافه مع الخيارات السياسية لحركة النهضة، ظهر مجددا في حوار تلفزيوني مع قناة فرنس 24 قال فيه أنه يدعم “خط الوفاق الوطني السياسي”، وأنه يدعو حركة النهضة إلى أن تكون إيجابية في توجهها نحو الوفاق الوطني، وأضاف أنه ورغم معارضته لكثير من سياسات الحركة إلا أنه يحيي جهودها التي تبذلها في سبيل إنجاح الحوار، وأنه يلقي باللوم على “أطراف سياسية أخرى” في حال فشل الحوار، وأن هذه الأطراف تريد إفشال الحوار لأجل مطامع حزبية وشخصية و”لأجل سعي البعض إلى الوصول إلى قصر قرطاج مهما كانت التكاليف”.