ترجمة وتحرير نون بوست
بقلم لينا الخطيب وباسم دعيبس:
ظهر يوم أربعاء عادي في الأسبوع الماضي في بيروت، شب نزاع بين سائقين لسيارتين خاصتين، أسفر بالمحصلة عن جريمة قتل وحشية وقعت في وضح النهار، والقصة تتلخص إنه إثر قيام المعتدي، طارق يتيم، بصدم سيارة جورج الريف في أحد شوارع بيروت وعدم توقفه، طارد الأخير سيارة يتيم بغية تسجيل رقم لوحة سيارته والإبلاغ عنها، فقام يتيم باستدراج ضحيته، وهو أب لأربعة أطفال، إلى شارع منعزل، حيث اعتدى عليه هناك، وطعنه حوالي 15 مرة، وتركه مضرجًا بدمائه متلويًا إثر جروحه المميتة، وفعلًا توفي الريف في المستشفى بعد وقوع الحادث بيومين.
هذه الجريمة النكراء صدمت ضمير المجتمع اللبناني، ليس لكون هذا النوع من الحوادث لم يسبق وأن حدث سابقًا، بل لأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توثيق الجريمة بالكامل ضمن مقطع فيديو، حيث تم التقاط وقائع الحادث برمته من خلال كاميرات المراقبة، وانتشرت لقطات الفيديو على وسائل الإعلام الاجتماعية، وتصدرت عناوين الأخبار على شاشة التليفزيون.
هذا الحادث يشكل تذكيرًا مؤلمًا للشعب اللبناني أنه في بلد يفتقر نظام العدالة فيه إلى الشفافية والمساءلة، يمكن للمرء أن يفلت من العقاب حرفيًا عن الجرائم التي يرتكبها؛ فالجاني يتيم معروف بتعدياته القانونية السابقة التي فر منها بدون عقاب أو مساءلة قانونية.
الافتقار للمساءلة الرسمية
يعتقد الكثيرون أن انعدام المساءلة الرسمية عن الحادثة سببه كون يتيم حارسًا شخصيًا لرجل أعمال ثري وقوي ويتمتع بعلاقات وصلات مهمة، ولكن على الرغم من هذه الخلفية، ورغم الغضب الهائل الذي اجتاح وسائل الإعلام الاجتماعية، فلم يتم تنظيم سوى احتجاج هزيل واحد فقط اعتراضًا على الحادث.
ربما الذكرى الأشد إيلامًا التي تطرحها حادثة مقتل الريف، هي أن المجتمع اللبناني يبدو وكأنه انصاع لكونه خاضعًا للنخبة السياسية والاقتصادية في البلاد ضمن الوضع الاجتماعي الراهن، وفي هذا الوضع الراهن، حماية ورعاية الأحزاب أو الشخصيات السياسية والاقتصادية القوية، أصبحت هدفًا واجب الاتباع من قِبل أي مواطن لبناني، لأنه يضمن من خلال ذلك إيجاد وسيلة للإفلات من عقاب القانون.
يتيم ما هو إلا مثال واحد لفرد ارتكب جنايات واُتهم بجريمة قتل سابقة أيضًا، ولكنه لم يواجهه عواقب تصرفاته، فهناك العديد من القصص في لبنان مماثلة لقصة الريف؛ ففي ذروة الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1982، تم قتل حسيب رضا من قِبل مجرم، قام برمي جثته في إحدى حاويات القمامة، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الجريمة، لا تزال عائلة رضا تنتظر حكم العدالة بجريمة القتل.
إذن، لن يكون مستغربًا أن يكون شعور يتيم بأنه أكبر من المساءلة والمحاسبة، هو الذي دفعه لارتكاب جريمة قتل شنيعة نتيجة لخلاف تافه، وهناك العديد من أمثال يتيم في لبنان.
الغضب الإلكتروني
إبان حادثة القتل، شهدت صفحات التواصل الاجتماعي اللبنانية طوفانًا عارمًا من المشاركات الغاضبة على الفيسبوك، تويتر، والمدونات، وجميعها كانت تعبر عن الاشمئزاز تجاه ما حصل، ولو كان بالإمكان أخذ دوائر وسائل الإعلام الاجتماعية كمقياس لرد الفعل الاجتماعي، فلزامًا علينا أن نتصور اندلاع أعمال شغب في لبنان، كاستجابة على هذه الحادثة.
ولكن مع ذلك، جميع هذا الغضب الإلكتروني تمت ترجمته إلى احتجاج صغير نظمته عائلة الضحية، وعدد قليل من أعضاء الحزب السياسي الذي ينتمي إليه المغدور، فقط لا غير.
وما كان ملفتًا للنظر وساخرًا ولكن بطريقة مأساوية، هو أن الكثير من مشاركات وسائل الإعلام الاجتماعية حول الموضوع، كانت تنتقد المارة الذين صوروا جريمة القتل من خلال هواتفهم المحمولة، ولكنهم لم يتدخلوا لمساعدة الريف وإنقاذه من براثن المعتدي، وما كان مخيبًا للآمال أيضًا، هو غياب أي عمل اجتماعي تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني؛ فعلى الرغم من أن وزير العدل اللبناني دعا للمباشرة بإجراء التحقيق في الجريمة على الفور، بيد أن الشرطة باشرت نشاطها من خلال منع المظاهرة التي قادتها عائلة الضحية.
من خلال ما تقدم، يمكننا القول إن وسائل الإعلام الاجتماعية أصبحت، ولمرة جديدة أخرى، عبارة عن قنوات يمارس فيها الناشطون نشاطهم من مقاعدهم الوثيرة خلف شاشات الكمبيوتر، وهذا يدل دلالة بشكل واضح على شعور المواطنين اللبنانيين العاديين بالعجز، في مجتمع أصبح فيه الفساد شيئًا يُطمح إليه، ويُنظر له على أنه الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.
الامتيازات والحصانة من القانون
في الوضع الراهن اللبناني، لا يسعى المواطنون لمحاولة تغيير النظام القائم، بل يسعون بدلًا من ذلك للحصول على موطئ قدم ضمن فئة أصحاب الامتيازات الذين يتمتعون بحصانة من تطبيق القانون عليهم، وهذا الوضع أدى إلى تحول أولويات الشعب اللبناني من محاربة الظلم والفساد، إلى محاولة الانضمام إلى القلة المحظوظة الذين يستفيدون منهما.
وجدير بالذكر هنا التقرير الحديث الصادر عن مجموعة الأزمات الدولية الذي خلص إلى إن معظم اللبنانيين “قد تخلوا عن أي فكرة لمساءلة الطبقة السياسية، ويسعون بدلًا من ذلك إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب الفردية وحماية المصالح الخاصة، حيث تبنى العديد منهم القواعد غير الرسمية للعبة، والتي تنص على أن الشبكات الشخصية، المحسوبيات، والفساد هي الأمور المهيمنة والتي تحكم المبادئ الأساسية للبقاء”.
إذا لم تؤدِ جريمة القتل المروعة والهمجية هذه إلى تعبئة الشعب اللبناني ليقود احتجاجًا مدنيًا كاملًا، أو على الأقل لطلب تطبيق العدالة الجاد والحقيقي بشكل عام، وليس فقط في حالة مقتل جورج الريف، فمن ثم يمكن للمرء أن يتساءل، ما الذي من شأنه أن يحرك هذا الشعب؟
هذا الحادث يسلط الضوء على محنة انعدام الشعور بالمسؤولية الاجتماعية المشتركة في لبنان، وإن إلقاء اللوم على الآخرين لتقاعسهم عن العمل، في الوقت الذي ينتظر فيه الشعب بشكل سلبي أي شخص آخر للقيام بأي عمل بالنيابة عنه، هو طاعون اجتماعي ينخر في صميم المجتمع؛ لذا فإن المواطنين اللبنانيين بحاجة للاعتراف بأن المجتمع هو المسؤول الأول عن اغتيال جورج الريف، قبل أي شيء أو أي شخص آخر.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية