ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
أصبح رئيس بلدية روما لا يتحرك إلا تحت الحراسة المشددة. وأُجبر مساعده الأول على الاستقالة منذ عشرة أيام للاشتباه في ضلوعه في عمليات فساد. كما يمكن أن توضع البلدية في نهاية المطاف تحت وصاية الدولة. وتعرف روما، في منتصف هذا الصيف، أجواء مشحونة بسبب هذه الفضيحة. فقد تسبب تقرير سري بعث به المحافظ غابرييلي في الكشف عن قضية ما أصبح يعرف “بمافيا العاصمة” هذه القضية التي ورطت عديد المسؤولين في بلدية روما. وإذا كان هذا التقرير يبرئ المسؤول المنتخب الأول، إجنازيو مارينو، فإنه يوصي وزير الداخلية الإيطالي بالتحرك بسرعة لتنظيف البلدية من الفساد والفاسدين.
وبدأت الموجة الأولى من الاعتقالات منذ ديسمبر كانون الأول الماضي لتكون الصدمة لسكان روما عند اكتشاف وجود مافيا محلية تمكنت من التسلل إلى أعلى هرم مبنى الكابيتول، مقر البلدية. ويرأس هذه المافيا إرهابي سابق من اليمين المتطرف. وهو ماسيمو كارميناتي الملقب بالأعور، والذي تمكن ولعدة سنوات من تقديم الرشوة لسياسيين من اليمين واليسار، ولكن أيضا لموظفين سامين، مع تدخله في المناقصات وقيامه باختلاس أموال عمومية. وتدخل هذا الأخير في المجالات التي لها علاقة بالساحات الخضراء، ومعالجة النفايات، والتعامل مع قضية المهاجرين.
هذه المافيا “الأصيلة والأصلية”، كما يعرفها المدعي العام المسؤول عن القضية، أصبح من المشكوك في قدرة رئيس البلدية الحالي على مقاومتها. فهذا الأسبوع، أوصت رئيسة اللجنة البرلمانية لمكافحة المافيا روزي بيندي بوضع البلدية تحت الوصاية من قبل الدولة. ويوشك رئيس الحكومة، ماتيو رينزي، على سبيل المثال، على تعيين محافظ روما وحده المسؤول عن تنظيم “سنة الرحمة”، التي أقرها البابا فرانسيس لعام 2016، والمناقصات الجارية لهذا الحدث الذي سيشهد توافد الملايين من الحجاج بداية من العام المقبل.
كما هو الحال في باليرمو في منتصف ثمانينات القرن العشرين
يقول الصحفي ليريو أباتي من مجلة إسبرسو الإيطالية إن “الحال اليوم في روما مشابه للحال في باليرمو في منتصف ثمانينات القرن العشرين”، فالجميع يتصرف كما لو أن المافيا لم تكن موجودة، خاصة مع عدم وجود جرائم قتل. ويضيف الصحفي: “وجود المنظمات الإجرامية ليس شيئا جديدا في مدينة التلال السبعة (مدينة روما)”.
وتتعايش المنظمات الإجرامية لأن كل واحدة تستأثر لنفسها بسوق خاص بها. وتستثمر هذه العصابات دائما في الشقق والمطاعم والشركات لغسيل الأموال. وقد اعتاد أهل روما على رؤية مداهمات الشرطة الخاطفة، والتي، في يوم واحد، تضع تحت الحراسة القضائية المطاعم المزدحمة في المركز السياحي. ولكن إلى جانب العصابات المعروفة على غرار ندرانغيتا أو كامورا والموجودة أيضا في روما، توجد عصابات أخرى ومن بين أكثرها نفوذا عصابة ماسيمو كارميناتي الملقب بالأعور .
لقاءات في محطة وقود
ولدت هذه العصابة في سبعينات القرن العشرين، عندما قدمت المافيات الجنوبية إلى روما لتطوير أنشطتها على غرار الإتجار بالمخدرات. لهذا، فقد أبرمت صفقة مع العصابة الشهيرة “ماغليانا”، وهي منظمة إجرامية في روما مرتبطة باليمين المتطرف. ولعصابة كارميناتي علاقات وطيدة هي الأخرى باليمين المتطرف، فبعد أن تدرب في معسكرات تدريب الكتائب في لبنان، تحول ماسيمو كارميناتي إلى زعيم للمافيا. وفي غضون سنوات قليلة، تمكن كارميناتي من السيطرة على شمال روما مع تعيين رجاله في البلدية، بما في ذلك السكرتير الخاص لرئيس البلدية. كما تمكن أيضا من التحالف مع رجل سياسي من اليسار من الصعب أن يكون محل شبهة وهو سلفاتور بوزي. “بوزي هو الرجل الغير مشكوك فيه، ويدير مؤسسات اجتماعية والتي تقوم بتشغيل المساجين السابقين، كما أنه يعمل مع واحد من مؤسسي “كاريتاس روما”، وهو رمز للرجل المتخلق”، بحسب روزي بيندي، رئيسة اللجنة البرلمانية لمكافحة المافيا.
ومع تقديم الرشاوى التي تصل قيمتها إلى 15.000 يورو، … أصبح كارميناتي “قاضي السلام”، حيث قال الصحفي أباتي: “كان كارميناتي يلعب دور القاضي بين الجماعات الإجرامية، فقد كان بإمكانه حل المشاكل بمكالمة هاتفية، حتى أصبح الناس يعرفون أين يمكنهم إيجاده”. ومن محطة وقود شمال المدينة حيث كانت تعقد اجتماعاته، تمكن كارميناتي من بناء قاعدة عمل واضحة: فهو الوسيط، وهمزة الوصل بين عالم الجريمة وعالم السياسة.
ألقي القبض على كارميناتي وسلفاتور بوزي، ولكن الوضع هو أبعد ما يكون عن التمكن من القضاء تماما على الفساد، فروما واسعة جدا، مع 3 ملايين نسمة و 15 منطقة إدارية… حيث تقول روزي بيندي: “ما اكتشفناه هو جزء صغير جدا …”. خلال هذا الوقت، ينتظر رجال الظل المحاكمة المقررة في نوفمبر تشرين الثاني. وتقول روزي بيندي: “نحن نأمل أن تكون سنة الرحمة هي سنة تجديد روحي لهذه المدينة …”. ولكن ليس من المؤكد أنه بحلول ديسمبر ستتحقق هذه المعجزة.
المصدر: صحيفة جورنال دي ديمانش الفرنسية