في عام 2013 فاجأت فاطمة طيب الصوماليين بإعلان نيتها التّرشح لرئاسيات 2016، ظن كثيرون أنّها مجنونة، كيف لها أن تخاطر بحياتها وتخوض غمار السياسة في بلد فشل في إعادة بنائه الرّجال طوال عقدين ونصف من الزّمن، ودفع الفضول وربما الدّهشة وسائل الإعلام لملاحقتها والاستفسار عن مدى جديّتها، لتأكدّ في كل لقاء قدرتها على حمل المسئولية وإثبات أن المرأة قد تنجح فيما فشل فيه الرجال، وأنّها حين تترشح للرئاسة لا تتنافس مع مرشحين من قبائل أخرى كما درجت العادة في السنوات الأخيرة بل مع المرشحين الذكور.
فاطمة في الظاهر امرأة صومالية عادية، زوجة وأم لأربعة أطفال، أكبرهم في التاسعة عشر من عمره، وهذا ما أعطاها الجسارة الكافية للتّرشح لهذا المنصب، فالمرأة الصومالية -كما تقول- تمّر بخطر الموت أربع مرات في حياتها الطبيعية، مرة عند ميلادها، ومرة عند تعرضها لتجربة الختان، ومرة في ليلة زفافها، ومرة رابعة عند وضعها لمولودها الأول؛ وقد مرّت بكافة تلك التّجارب، فإن نجحت وتجاوزت تلك المخاطر وعاشت، فهي مؤهلة للترشح لرئاسة بلد مثل الصومال.
غير أنّها من ناحية أخرى؛ تبدو امرأة غير تقليدية في نظرتها للمرأة، فبينما يميل بعض الصوماليين لتبرأة المرأة من المشاركة في الحرب الأهلية، وتصوير دورها الملائكي في حمل مسئولية الأسر وإعالتها، وعلى أنّها ضحية لا حول لها ولا قوة، فإنها تعتقد أنّ المرأة كانت وما تزال شريكة في الكوارث، فصورة نساء يعتلين الدبابات ويزغردن ويحرضن على القتل حاضرة في الذاكرة الجمعية للصوماليين، وجمع المال لتمويل مليشيات قبائلهم في حربها مع العشائر الأخرى من أكثر المشاهد ألفة، وتدين دور النساء الصوماليات في الغرب على جمع التبرعات لدعم الجماعات الإرهابية في الصومال كحركة الشباب، ليس هذا فقط، فالنساء في البرلمان مشاركات في عمليات الفساد، إذ يقبلن بشراء أصواتهن لصالح من يدفع أكثر لتمرير مقترحات تشريعية.
ما هو برنامج فاطمة طيب الرئاسي؟
تبدو فاطمة سيدة شديدة الثقة بنفسها ومؤمنة بقدرتها على تولّي المسئولية، وعلى الرّغم من أنّها تعلّمت القرآءة والكتابة في عمر الرابعة عشرة، إلا أنّها نجحت في مسيرتها التعليمية، واستطاعت الالتحاق بواحدة من أرقى جامعات العالم (هارفارد) لتحصل على درجة الماجستير، وتتقن الإنجليزية والفلندية بالإضافة للغة الصومالية.
في حسابها على تويتر تعرّف نفسها على أنّها مؤيدة لتيار الأفرقة، (Pan-Africanism) وهي حركة سادت في الخميسنات إبّان صعود حركات التّحرر في القارة الإفريقية، ومن أهم ملامح هذه الحركة رفض التبعية للاستعمار الأبيض والعبودية والعنصرية ضد السود، ورفض هيمنية لغات غير افريقية، وتعزيز التّضامن بين الأفارقة، ولعل هذا ما يفسر عدم ارتياحها لانتماء الصومال للجامعة العربية التي لا تعير البلاد أهمية تذكر، ولا ترى في هذه العضوية سوى كونها عملية تجميلية، بدليل غياب الدّعم الملموس من هذه المؤسسة، (شاهد الدقيقة 20)
وتصرّ فاطمة في أكثر من مقابلة على أنّها ليست سياسية، (مقابلتها مع نون بوست) ولكن كيف يكون مرشح للرئاسة غير سياسي؟ وهل ممارسة السلطة تعني شيئاً غير السياسة؟ فاطمة تدرك أن السياسة أصبحت عاراً وممارسة خاطئة، فالسياسيون الصوماليون فاسدون، مرتشون، وعنصريون، ولهذا تنأى بنفسها عن تبني صفة “سياسي” هرباً من إيحاءاتها كالاسترزاق بالسياسة، غير أنّ هذا يظهر ضبابية في تصورها للسياسة.
إضافة لكل ما سبق لا تقدّم برنامجاً سياسياً أو ربما لم تتح لها الفرصة، إذ تدور أغلب أحاديثها حول من تكون، وماذا تريد وماذا ترفض، فهي تعلن رفضها للفيدرالية المبنية على القبلية، وترفض المحاصصة القبلية، ولن تترشح ما لم تعقد انتخابات مباشرة بحيث تُختار وتنتخب من قِبل الشعب لا من قِبل ممثلين عن العشائر ويسمونهم برلمانيين. ولن تقبل بتواجد قوات افريقية، لأن ذلك إهانة للسيادة الصومالية! وستعلّم الأطفال وتدعم النّازحين، ولا شكّ أن الصومالي البسيط سيتحمسّ كثيراً لهذه الشعارات، ويجدر بفاطمة طيب أن تشرح كيف يمكنها تحقيق هذه الأمنيات على أرض الواقع.
ردود أفعال الصوماليين على إعلان التّرشح
على الصعيد الشعبي، أثار ترشحها استنكار بعض المتدينين التقليديين ممن يرون أنّه لا يجوز تولي المرأة ولاية أمر المسلمين، بناء على الحديث ( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)، واعتبروا ترشحها امتداداً للمؤامرة الكونية ضد الشعب الصومالي المسلم السني الشافعي. في حين رحب آخرون من باب لنجرب حكم المرأة، فالصومال استنفذت تجارب كثيرة منذ اسقاط النّظام في مستهل التسعينات، فبعد الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري، فجرّب الصوماليون لرجل مدني لعله يكون أفضل من العسكري، ثم عادوا لفلول النّظام فلم ينفع ذلك لشيء.
ثم جاء أحد المعارضين القدماء لنظام سياد بري ولكنّه استفزّ الإسلاميين الذين تحالفوا مع وجهاء قبائل الجنوب، فاستقال قبل إتمام فترته، ليأتي بعده زعيم اتحاد المحاكم ليرى كيف يُبلي الإسلاميون في الحكم، ولم يوفق في شيء، لينتقل التفضيل لفئة رجال المجتمع المدني ليتكشف مع الوقت أنّ العمل في المنظمات غير الحكومية وعدم المشاركة في النزاع المسلح لا يضمن الحكم الرشيد، فلم يبق سوى إعطاء المرأة فرصة ليرى المجتمع الصومالي إن كانت تقدر على ما لم يقدر عليه الرّجال. وثمة فئة أخرى من الشعب يرون أن فاطمة لا يمكنها خوض الانتخابات، ليس لأنها غير مؤهلة، وإنما لأنها تتبنى مواقف مثالية، والسياسة ليست عملية مثالية، بل ممارسة لفن الممكن. والممكن هو أن تأتي وتقيّم الموقف بنفسها، أو أن تنتظر إلى حين انتهاء تفويض قوات الاميصوم في يوم ما، ثم تأتي لترشح نفسها.
احتمالية الفوز في الانتخابات:
لا يمكن الجزم بأن فاطمة ستخوض سباق الانتخابات في العام القادم بعد أن أعلن رئيس البرلمان أن مجلس النّواب ومجلس الوزراء توصّلا لاستحالة عقد انتخابات مباشرة في 2016 كما كان مخططاً له، لأنّها كما ذكرنا في الفقرة السابقة ترى في اختيارها من ممثلين غير منتخبين إهانة، كما أنّ المرشحة المحتملة لم تأت للصومال لتقدّم نفسها للشعب بعد، فهي ترفض أن يتولى تأمين سلامتها رجال أمن غير صوماليين! ولو أتيحت للصوماليين فرصة اختيار رئيس لهم، لربما حصلت فاطمة على أصوات تكفي للفوز بمقعد الرئاسة، بينما لن تحصل سوى على صوتها إذا وضع خيار الاختيار بين يدي ممثلي العشائر بحسب وصفها أو البرلمانيين بحسب وصفهم الرسمي.