في الوقت الذي أعلنت فيه عدد من الدول المتقدمة تخليها عن الطاقة الأحفورية وعلى رأسها الفحم الحجري، يتعزم المغرب إطلاق محطة لانتاج الطاقة الحرارية والتي تم تشييدها في آسفي. بهذا يكون المغرب مهددا بأكبر كارثة بيئية على الإطلاق في شمال إفريقيا.
استثمار أجنبي
في خريف العام الماضي أعلن عبد القادر اعمارة؛ وهو وزير الطاقة والمعادن المحسوب على حزب العدالة والتنمية، أعلن متفاخرا بجلب أكبر استثمار أجنبي من نوعه، بلغت قيمته 2.6 مليار دولار. وأكد الوزير فرحته بالثقة التي يضعها المستثمرون الدوليون في الاقتصاد الوطني.
الاستتثمار يتعلق بتشييد أكبر محطة حرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد، وقيل أنه سيوفر إنتاجا سنويا لتغطية حوالي 25 في المائة من الطلب الوطني على الكهرباء بحلول سنة 2018، وهي السنة التي يتوقع فيها بداية استغلال المشروع بعدما انطلقت أشغال بنائه قبل سنتين تقريبا.
ويقوم بإنجاز واستغلال المحطة الحرارية التي يجري تشييدها على ساحل مدينة آسفي، الشركة المغربية “سافييك” التي أسستها المجموعة الفائزة بصفقة إنجاز واستغلال المشروع، والمكونة من “ناريفا هولدينغ” المغربية، و”جي دي إف سييز” الفرنسية، و”ميتسو” اليابانية. وحسب وزارة النقل والتجهيز فإن المحطة الحرارية ستستقبل في بداية عملها ثلاثة مليون ونصف طن من الـفحم الحجري عبر ميناء الجديد لآسفي، ليصل فيما بعد إلى تسعة مليون طن.
الفحم النظيف
ذكر بلاغ صدر في وقت سابق عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إن المشروع يشمل تشييد وحدتين حراريتين من الجيل الجديد بطاقة تصل إلى 1386 ميغاوات، أي 693 ميغاوات لكل واحدة منهما، وادعى المكتب أن هذه المحطة تعتمد على تكنولوجيا “الفحم النظيف” فائقة التطور.
ويتسبب تلوث الهواء الناتج عن حرق الفحم الحجري لتوليد الطاقة في مليون حالة وفاة حول العالم. ولو كان الفحم نظيفا كما يتم الترويج له، لما سعت البلدان المتقدمة إلى تخليها عنه تجنبا للكارثة الكبرى؛ ومنها الدول الصناعية السبع التي أعلنت مؤخرا التزامها بعدم اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري إلى الأبد، وسوف تعوض ذلك باعتمادها على الطاقة النظيفة وحدها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه محطة الطاقة الحرارية على ساحل آسفي إلى تلبية الحاجة الطاقية فإنها تسعى أيضا إلى تلويث البحر و الثروة الطبيعية و الفرشة المائية وتحطيم الارواح البشرية؛ فخروج “الزئبق” من المحطة وإيداعه في البحر يجعل الأسماك غير آمنة للأكل، كما يسبب صعوبات التعلم وتلف الدماغ والاضطرابات العصبية، و”الكروم” يتسبب في فقر الدم وسرطان الرئة، و”السيلينيوم” الذي يتسبب في ضعف البصر و الشلل، وأيضا “البورون” يؤثر على العين والأنف والحلق وفي معظم الحالات يسبب تلف الخصيتين والأمعاء والكبد والكلى والدماغ. هذا علاوة على انبعاث غازات وجسيمات سامة تؤدي في النهاية إلى الموت، وفي أرحم حالاتها تؤدي إلى نشأة جيل هش وضعيف. كما لنا أن نترك العنان لمخيلاتنا ونسافر نحو مكان ما من المستقبل؛ إلى الصين التي خنقها التلوث وهي الرائدة في “الفحم النظيف”، بحيث شرعت في دراسة هذه التكنلوجيا وتطويرها منذ عام 1995.
المغرب شأنه شأن العديد من الدول التي تعرف أزمة طاقة، ولكن أزمة الكهرباء به ليست خانقة ويمكن تجاوزها في غنى عن هذا “الفحم النظيف”، بل الأزمة الخانقة هي الشركات الخاصة التي فوضت لها الدولة تزويد الكهرباء وتدبير السائل فى المدن الكبرى ومنها “أمانديس” بمدينة طنجة التي انتفض سكانها مرات عديدة على غلاء فواتيرها وطالبوا برحيلها ولكن الحكومة لم تستجب حتى ولو تبت تورط هذه الشركة في تهريب الأموال واكتفت بفرض غرامات مالية كعقوبة لها.
للمغرب صحراء شاسعة ومرتفعات شاهقة تكفيه لتشييد المزيد من اللوحات الشمسية والمروحيات للانتاج طاقة متجددة ونظيفة، وهي وحدها من ستلبي الحاجة المتزايدة للطاقة خلال المستقبل دون إلحاق أي ضرر بالبيئة وصحة الأفراد.
المسؤولون يدركون فعلا حجم المخاطر المتوقعة، إلا أنهم يتجاهلون ذلك ولا يهمهم سوى جلب استثمارات أجنبية تقوم في معظمها على صالح البيئة. ولا يفكرون في الأجيال التي سوف تنشأ في بيئة يعمها الخراب؛ “لا تفكرو في ماستقولونه لنا مبريين أفعالكم البشعة، بل فكروا فيما سوف تقولونه لتلك الأجيال الصاعدة، فالتاريخ لا يرحم أحدا”.
ثم كيف سولت لكم نفسكم أن تساهموا في قتل أبناء وأحفاد من منحوكم ثقتهم لاعتلاء المناصب، ومنحوكم الفرصة كذلك لتعلم طريقة عقد ربطة العنق؟