شهدت المملكة العربية السعودية تحديات جمّة داخلية وخارجية صعبة للغاية خلال العقود الماضيّة، وقد تعاظمت هذه التحدّيات بشكل مستمر على المستوى الإقليمي منذ الثورة الإيرانيّة عام 1979 مرورا بالحرب العراقيّة-الإيرانيّة، ثم حرب الخليج الثانية وملحقاتها في التسعينيات من القرن الماضي، ثم حرب الخليج الثالثة أو الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وتبعاته، وأخيرا وليس آخرا اندلاع الثورات العربية.
وفي كل هذه الاستحقاقات وحتى العام 2011 تقريباً، كانت طبيعة التحالفات والتوازنات الدوليّة والإقليميّة تساعد المملكة على تجاوز المصاعب، وكانت المملكة تحسن استخدام الآخرين بما يخدم مصلحتها في تجاوز هذه المصاعد، فقد استعانت بالعراق في مرحلة، وبسوريا ومصر في مرحلة أخرى، وبطبيعة الحال بالحليف الأميركي بكل هذه الاستحقاقات.
لكن ومع اندلاع الثورات العربية، بدا أن المملكة تواجه التحدي الأكبر على الإطلاق لاسيَّما مع انفراط عقد التوازنات الإقليميّة إثر خروج كل من العراق وسوريا ومصر من المعادلة بشكل شبه كامل، وتوجّه الولايات المتّحدة إلى اتخاذ مواقف تتماشى مع ظروفها الاقتصاديّة الخانقة وسياساتها الجيوبوليتكيّة التي تعكس تراجعا في قيادتها العالمية، لا تراعي فيها متطلبات أو مخاوف حلفائها في المنطقة.
لقد بدت الولايات المتّحدة مترددة وغير واثقة من موقف نهائي من هذه التحولات الشعبيّة، فاتخذت قراراتها بالنسبة إلى كل حالة بحالتها، وقد انعكس ذلك تدخلا في ليبيا وعدم تدخل في مصر وتونس لصالح حلفائها الذي حكموا لعقود وتدخّل ضد مصلحة الثورة رغم الموقف العلني الذي يظهر عكس ذلك.
وفي هذه المحطّات خلال الثورات العربية، أظهرت المملكة جرأة غير معهودة على مستوى السياسة الخارجية للبلاد على الأقل من الناحية العلنيّة، إذ اشتهرت عادة بتفضيلها الدبلوماسيّة الصامتة ولكنها فعلت العكس هنا، كما أظهرت المملكة استقلاليّة نسبيّة في القرارات المتّخذة لعل أهمّها قرار إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين، والمناداة علنا بضرورة تسليح المعارضة السورية منذ البداية.
كما وعبّرت المملكة عن عدم رضاها على سياسات الحلفاء ولاسيَّما الولايات المتحدة الأميركية بطريقة غير تقليديّة كان منها انسحاب وزير الخارجيّة سعود الفيصل عدة مرات من اجتماعات مهمة لبحث الملف السوري في حضور الجانب الأميركي أذكر منها اجتماع تونس، وكذلك تراجع المملكة عن إلقاء كلمة كانت مخصصة لها في الأمم المتحدة مؤخرا، إلى جانب رفض مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة احتجاجا على ازدواجية المعايير في المنظّمة وعدم قدرتها على حل المشاكل المتعلقة بالقضية الفلسطينية والملف السوري وجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.
لا شكّ أنّ هذه الرسائل غاية في الأهميّة للتعبير عن الامتعاض الشديد للمملكة تجاه ما يجري إقليميّا، لكنّها غالبيتها تحمل طابع التعبير السلبي غير الفعّال. بمعنى آخر، فإن امتناع السعودية عن قبول المنصب لن ينجم عنه فعل يخدم مصلحة السعودية أو يغيّر من المعادلات القائمة على الأرض، المطلوب هو رؤية استراتيجية بعيدا عن ردود الفعل التكتيكيّة.
هناك عدم إدراك على ما يبدو لدى المملكة بشكل عام والخليجيين بشكل خاص أنّ تحولات كبرى حصلت منذ العام 2003 حتى اليوم، وأنّ هذه التحولات جعلت دول الخليج العربي أقل أهمّية للولايات المتحدة مما كانت عليه سابقا، وهو ما يستوجب رد فعل استراتيجي يحمل طابعاً جماعياً وله أبعاد بعيدة المدى، وهي مسؤولية لم تعد خليجيّة فحسب خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ المملكة قد تكون اللاعب العربي الوحيد ذا الوزن المتبقي على الساحة العربية الآن.
نقلاً عن العرب القطرية