في مساء الثامن والعشرين من يناير 2011، تجمع آلاف من المصريين الغاضبين أمام مقر جهاز أمن الدولة في تلك المدينة شماليّ القاهرة، كان الثوار قد أحرقوا قبل قليل أحد أقسام الشرطة، ووقفوا على استعداد لاقتحام مقر أمن الدولة، كان الضباط داخله مرتعبين، حملوا لافتات كتبوها بأيديهم ووضعوها داخل الباب الزجاجي للمقر سيء السمعة، كانت اللافتات تحاول استجداء عطف الثوار، كُتب على بعضها “إحنا إخواتكم”، لكن الغاضبين خارج أسوار المقر بدأوا في إلقاء الحجارة على الباب الزجاجي وعلى نوافذ المبنى، إلا أن عددًا من الشباب وقفوا أمام المتظاهرين يصرخون بعنف “سلمية .. سلمية”، كان أحد من وقفوا أمام الثوار في هذا اليوم “حسام”، الذي أصابته من حجارة الثوار في صدره؛ ما آلمه لأسابيع بعد تلك الحادثة.
لم يقتحم الثوار في تلك المدينة مقر أمن الدولة، ورحلوا بعد أن رأوا أن من بين صفوفهم من يمنعهم عن اقتحام المبنى أو حرقه، وسار معهم حسام أيضًا.
بعد ثلاثين شهرًا من تلك الحادثة، وفي يونيو 2013، كان المعارضون لحكم الرئيس حينها محمد مرسي في تلك المدينة يشاركون صورًا على مواقع التواصل لشباب من الإخوان، يظهرون في غضب عارم، وهم يلقون بالحجارة على “متظاهرين” آخرين، كان في الصف المقابل لصف الإخوان بلطجية كثر يحملون أسلحة وقليل من المخلصين ممن يرون في حكم الإخوان نهاية لثورتهم، كانوا يحاولون منع المحافظ الجديد الذي عينه مرسي من دخول مكتبه.
الأمر لم يؤد إلى استياء الإخوان فحسب، لكنهم أصروا على أن لهم الدولة، وهم من على رأسها، ولذلك فقد قرروا أن يحموا المحافظ وأن يدخلوه إلى مكتبه رغمًا عن المتظاهرين خارجه، كانت الصورة التي تمت مشاركتها على مواقع التواصل واضحة بشكل لا يدع مجالاً للشك، كان حسام يحمل حجرًا ويلقيه بعنف تجاه المتظاهرين، أو البلطجية كما سيحب أن يطلق عليهم، 30 شهرًا من الحشد والحشد المضاد كانت كفيلة بأن يحمل حسام حجرًا كان يرفض أن يُرسل إلى الجلاد في مقر أمن الدولة.
بعد 60 يومًا، ذلك اليوم من منتصف أغسطس، وفي ذلك الميدان شرق القاهرة، كان حسام يقف في الصفوف الأولى التي تتصدى، باندفاع يائس أو بحماسة غير واقعية، لجحافل من قوات الأمن، قررت أن تقتل معارضيها وتفض اعتصامهم في “رابعة”.
لا نعرف تحديدًا ما الذي كان بحوزة حسام للدفاع عن نفسه وعن اعتصام “إخوانه”، لكن قبل نهاية اليوم، كان حسام قد أُصيب إصابة بليغة برصاصة أطلقها الأمن، سيظل يتألم حسام جراء إصابته لفترة طويلة بعد ذلك، وسيظل يمشي منكفئًا على جسده بسببها لبقية حياته.
اشتُهر حسام بحضوره مظاهرات الإخوان عقب الانقلاب وعُرف لدى أصدقائه بأنه أحد القلائل الذين يستطيعون الدُّنو من المدرعات وآليات الجيش والشرطة لإلقاء المولوتوف من نقطة الصفر، اعتُقل حسام، وتم تعذيبه هو وصديقيه اللذين اعتُقلا معه، بالكهرباء وبالضرب المبرح وبتعليقهم لأيام في مقر أمن الدولة الذي وقف حسام لحمايته في أول الثورة، ليظهروا بعد ذلك في فيديو أمني شديد الركاكة ليعترفوا بوجوه دامية أنهم قتلوا عرّيفًا للشرطة، استطاع حسام أن يبعث برسالة من سجنه يخبرنا فيها بتعذيبه، وبما حدث معه من الشرطة ومن محققي أمن الدولة.
بعد أشهر من إصدار ذلك الفيديو، وعقب محاكمة هزلية مما اشتُهر به القضاء المصري، صدر حكم بإعدام حسام، ورفيقيه، وعدد آخر من شباب الإخوان.
قصة حسام ليست الوحيدة، وليست الأخيرة، ونهايتها لن تكون بحكم الإعدام ولا حتى بإعدامه إن تم، لكن التحولات التي يمكن أن نلمسها في تسلسل الأحداث يمكنها أن تعكس الكثير مما تمور به جماعة الإخوان المسلمين الآن.
على مدار تاريخ الجماعة المصرية، لم يتبن الإخوان، أو التنظيم العام بشكل أدق، أي دعم للعنف الموجه ضد السلطات الحاكمة في البلاد، كان النظام الخاص قد مثل استثناء قبيل مقتل الأستاذ حسن البنا، مؤسس الجماعة، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً ولم يتغلغل في عمق التنظيم.
بيد أنه لا يمكن فصل العنف الذي قام به منتمو النظام الخاص داخل الإخوان عن الحالة الوطنية التي كانت تستعر في مصر في ذلك الوقت، فالأحزاب المصرية والحركات الوطنية في ذلك الوقت لم تجد غضاضة في تكوين تشكيلات شبه عسكرية أو عسكرية، مثل أصحاب القمصان الخضراء التابعين لجمعية مصر الفتاة، والقمصان الزرقاء التي شكلها حزب الوفد.
وعلى الرغم من التخطيط من قِبل بعض أفراد وقيادات الإخوان لتنفيذ عمليات ذات طابع عسكري، مثل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في المنشية بالإسكندرية عام 1954، والتي لا يزال يدور خلاف كبير حولها، رغم تأكيد أطراف تاريخية عدة على تورط بعض عناصر الإخوان بها، أو التخطيط لمحاولة اغتياله مرة أخرى في منتصف الستينات، والتي – بحسب شهادة القيادي الإخواني الراحل الأستاذ فريد عبدالخالق – كان يخطط لها المرحوم سيد قطب بالفعل، إلا أن “أفندية حسن البنا” كما كان يُطلق عليهم، كانوا أحرص على الحفاظ على ركائز مثل الابتعاد عن التكفير، والقبول بالديموقراطية كآلية للوصول للسلطة وتداولها، وبالعمل السلمي كوسيلة أساسية لنشاط الجماعة.
هذه الركائز الثلاث ترسخت في فكر الإخوان المسلمين على مدار سنوات “المحنتين” في 54 و65، وتبلورت بشكل شديد الوضوح عقب خروج أعضاء الجماعة من السجون بعد وفاة جمال عبدالناصر، والمشاركة في العمل السياسي المباشر بداية من منتصف الثمانينيات.
ولا يمكن اعتبار الجماعات التي خرجت عن الإخوان، مع الإقرار بأنها استفادت من بعض أفكار رموز الجماعة، امتدادًا للإخوان المسلمين بقدر ما كانت انشقاقًا عنهم، فجماعة “المسلمين” التي أنشأها شكري مصطفى تُعد مثالاً واضحًا، وجماعات أخرى كالجهاد أو الجماعة الإسلامية فقد نشأت بالأساس كحالة احتجاجية ضد الإخوان المسلمين لتخليهم عن “الجهاد”.
ساهم في تشكيل طبيعة الإخوان تلك، الخلفية الاجتماعية لأغلب أعضاء وقيادات التنظيم، والذين ينتمون للطبقة الوسطى بكل ما تحمله من بذور لـ “الثورة المضادة” بمعناها الواسع، ورفضها للتغيير الجذري سواء كان عنيفًا أو لم يكن، وزاد من ذلك موجة الهجرة من مصر إلى دول الخليج، وتأثر قطاع كبير من الرعيل الأول للجماعة بالأفكار السلفية والوهابية، وهو ما أثر بجلاء في خطاب الإخوان وخياراتهم الفقهية، وهو ما أدى كذلك إلى استمرار السجال حول قضايا عديدة، وتأخر حسم الموقف الفقهي للجماعة من قضايا مثل المشاركة السياسية للمرأة، وحتى المشاركة في الانتخابات العامة بالأساس.
استمر الإخوان في العمل تحت مظلة السلطة، ولم يُعرف عن الإخوان خروجًا سافرًا على النظام، حتى عام 2004 عندما بدأت ما يُعرف بمظاهرات الإصلاح، وحينها استغل السياسيون المصريون بشكل عام الانفراجة النسبية في جسد النظام التي حدثت بضغوط دولية؛ أدى ذلك لنتائج سريعة تمثلت في حصول الجماعة على 20% من مقاعد البرلمان رغم التزوير السافر ضد مرشحي الجماعة الذي رُصد في معظم الدوائر الانتخابية في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات.
تطور الخطاب السياسي الإخواني كان شديد الوضوح في هذه الفترة، وهذا ما ظهر في نشاط الكتلة البرلمانية للإخوان بين 2005 – 2010، والذين عملوا بجهد ضد الأغلبية التي يسيطر عليها الحزب الوطني الحاكم حينها.
ورغم تطور الأداء السياسي لنواب الجماعة والمتحدثين باسمها في ذلك الوقت، إلا أن الجماعة ظلت تنأى بنفسها عن العمل الفكري العميق، إلى حد أن أشهر منظري جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت كان الباحث القبطي رفيق حبيب، والذي – على سبيل المثال لا الحصر – يرفض قبول تجربة الإسلاميين في تركيا باعتبارها تجربة “إسلام جزئي وليس علمانية جزئية”.
شارك الإخوان في انتخابات 2010 رغم النوايا المعروفة مسبقًا بالتزوير، ومع الدعوات التي وُجهت للشعب، رفض الإخوان المشاركة في التظاهر يوم 25 يناير، وكان الخيار واضحًا بالرغبة في إصلاح النظام من تحت مظلته، وأكدت الجماعة حينها أن الإخوان “ليسوا دعاة ثورة”، ولذلك رفضت الجماعة المشاركة حتى يوم 28 يناير.
منذ 28 يناير، كان الإخوان ملتزمين بشكل واضح – مستفز في بعض الأحيان – بالنهج الإصلاحي التقليدي وبالعمل تحت مظلة السلطة، أو تحت مظلة المنظومة بأكملها، إن صح التعبير، التي وضعها نظام يوليو 1952؛ وهو ما أوصل الجماعة بالنهاية لتكون على رأس السلطة صوريًا، تتلقى الاتهامات واللوم، في حالة من العجز الشديد، والتبلد وعدم القدرة على الفعل، وحتى على رد الفعل في الاتجاه المناسب.
خلال تلك الفترة أيضًا، وككل الجماعات العقائدية، خشي قادة الإخوان من انفراط عقد التنظيم أو فقدانهم السيطرة على قواعده، مع بروز قيادات شابة، وذات خلفية تختلف بشكل جذري عن الخلفية التي يأتي منها الصف الأول الذي يقود التنظيم، وهو ما هدد شرعية وجوده، بشرعية ثورية جديدة.
استطاعت الجماعة التخلص من تلك الشرعية الجديدة عبر مسارين اثنين، الأول تمثل في الإقصاء المباشر والسريع للعديد من شباب الجماعة، والثاني تمثل في استحضار الفزاعات التي من شأنها أن تبقي على تماسك الصف الإخواني؛ فزاعات مثل الإعلام والمعارضة والعلمانيين و”باسم يوسف” وشباب الثورة واليساريين والاشتراكيين الثوريين و6 أبريل، لم تبق للإخوان من صديق مُتوهّم سوى المؤسسة العسكرية.
الفزاعات ساهمت بشكل فوري في إحداث حالة من الاغتراب بين شباب الإخوان عن المجتمع ككل، وهو ما تجلى في التعامل العنيف مع اعتصامات المعارضين أمام قصر الاتحادية، وفي الأحداث التي تلت ذلك، وفي اشتباكات عدة بالمحافظات، وساهم في ذلك الخطاب الإعلامي التحريضي، وعودة الجهاز الأمني لنظام مبارك بالعمل وسط دوائر تأثيره القديمة من رجال أعمال وكبار عائلات ومنتفعين محليين.
كان هذا هو الإرث الذي يتعامل معه شباب الإخوان، ومن بينهم “حسام”، حتى لحظة الانقلاب العسكري، لم تكن لحظة الانقلاب مفصلية لأنها نقلت الإخوان من دائرة السلطة (ولو الصورية) إلى دائرة المعارضة، بل ودائرة العدو في أحيان كثيرة فحسب، بل لأنها أثبتت للإخوان، لا سيما الشباب منهم، أن النهج الذي التزمته قيادة الجماعة، بصوابه وخطأه لم يصلح في أن يجنب الجماعة نفس المصير الذي قاسته قبل ستين سنة.
بالتوازي مع ذلك، كانت الثورات المسلحة، والمجموعات الجهادية الإقليمية وحتى المحلية تحقق نجاحات نسبية، الثورة الليبية كانت قد حققت نجاحها الأكبر بقتل معمر القذافي، أما الثورة السورية، وعلى الرغم من نتائجها الكارثية من الناحية الإنسانية على المواطنين السوريين، إلا أن المعاناة تكبدها النظام كذلك، على عكس النظام المصري الذي كانت اعتداءاته “مجانية” بشكل شبه كامل.
خيارات الإخوان في هذه اللحظة كانت قد تقلصت إلى حد كبير، جاءت لحظات “المحنة” التي تلت الانقلاب، بما فيها المشهد الكربلائي في “رابعة العدوية”، ولذلك لم يكن مستغربًا أن يشهد بعض المراقبين المنصفين بوجود أسلحة في الاعتصامات، التي ما كان لها أن تؤثر في مسار فض الاعتصام، ولم تكن في معظمها تتعدى المسدسات اليدوية و”فرد الخرطوش”، مع استثناءات نادرة، إلا أن أهميتها الأساسية تتمثل في رفض العديدين داخل الجماعة للنهج السابق، أو لشعار “سلميتنا أقوى من الرصاص”.
بعد عام بالكاد من انقلاب مصر، أُعلنت “الخلافة الإسلامية” على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وحققت نجاحات ضخمة مسيطرة على مساحة من الأرض تتجاوز مساحة بريطانيا أو مساحة الأردن، مع خطاب شديد العنف، شديد السطحية من الناحية الفكرية، وشديد الإغراء والتأثير من الناحية البصرية، ويخاطب رغبات الثأر.
الحالة “الداعشية” رفعت سقف طموحات العديد من المقهورين من شباب الإسلاميين، الانتقام لم يعد مرهونًا بالصبر الذي لا نهاية له، والعدل قد يتحقق على “أيدينا” إذا ما اتخذنا مسارًا آخر غير المسار الذي لم تفتأ الجماعة غارقة فيه منذ تأسيسها.
لا يفكر أفراد الإخوان في الانضمام لداعش باعتبارها أقرب للإسلام على المستوى الفكري من جماعتهم، لكن التفكير في الانضمام للمجموعات الجهادية أو تأسيس مجموعات أخرى، ينبع من الحاجة الماسة للانتقام، وإذا ما استخدمنا كلمة أكثر قربًا من الخطاب الإسلامي، فإن “التدافع” يجب أن يتحقق كي لا تفسد الأرض، وهي جدلية يتبناها مؤيدو “العمليات النوعية” أو العنف الذكي ضد النظام.
في نفس الوقت، يأتي التعامل الأرعن من النظام العسكري الحاكم ليقضي على أي فارق، ولو شعوريّ، بين الجهاديين والإخوان عن طريق وصم الإخوان جماعة إرهابية، والحكم على أفرادها بالإعدام، وقتلهم في التظاهرات وأثناء الاعتقال وفي أقسام الشرطة وداخل السجون تحت التعذيب، كذلك الخطاب الإعلامي المحرّض، والذي عزل شباب الإخوان عن قطاعات واسعة من المصريين عزز من حالة الاغتراب ، الموجودة بالفعل، لدى الشاب الإخواني.
ومع ازدياد الاغتراب، ووسط تفكك نسبي للجماعة الحاضنة، وربط مهمة الجماعة بالإنجاز الذي من الممكن أن تقدمه من تعاملها مع الانقلاب العسكري، ما يعني انتفاء معنى وجود الجماعة للكثيرين في ظل فشلها في التعامل مع ذلك التهديد، يصبح الانضمام لكيان آخر فعّال، أو إيجاد كيان آخر يمكنه التعامل مع الواقع الجديد، بالنسبة لكثير من شباب الجماعة مسألة وقت فحسب.
لكن ما هي احتمالية تحول الجماعة بأكملها إلى العنف؟
لا يمكن تصور أن يتحول “شعب الإخوان” لتبني خيار المواجهة العنيفة مع الدولة؛ فبنية الجماعة ذاتها كقطاع طولي من الشعب المصري لا تسمح بأن يخرج التنظيم عن القيم الحاكمة للمصريين، من ناحية أخرى، وكنتيجة مباشرة لفشل الجماعة في سياسة البلاد خلال عام حكمهم، وفي التعامل مع الحالة الثورية قبل حكمهم، ومع الانقلاب العسكري بعد صيف 2013، يصبح من الصعوبة بمكان تصوّر إمكانية أن يحصل العنف على دعم قطاعات كبيرة من مؤيدي الإخوان الذين لا يرون بشكل فعلي أي مؤسسة قادرة على الحفاظ على حد أدنى من الأمن، والاحتفاظ بالقوة، والاستمرار فيها، مثل المؤسسة العسكرية، ومع انتفاء بديل لها، يصبح المسار الوحيد الذي يمكن أن يرسمه خيار العنف هو الخيار الذي برع الإعلام المصري في التبنؤ به: “سوريا والعراق”.
طبيعة المجتمع المصري، على الرغم من تعدد مظلومياته لدى السلطة، وتمددها بطول القطر المصري، لا تسمح له بافتراض غياب الدولة، وحتى في المناطق التي تغيب فيها الدولة بشكل عملي، مثل محافظات الصعيد، لا يبدو أن سكان تلك المناطق مستعدون لتبني خيار العنف أو دعمه، فحالة الاغتراب الإخواني سارت في الاتجاهين، بحيث شعر المصريون في المجمل بأن القمع الذي يصيب الإخوان لا يمكن أن يمتد لما سواهم، وبالتالي فلا مجال للتهديد، ولا استنفار لغريزة البقاء، مثلما نجد لدى الإخوان سواء التنظيم أو الأفراد.
إن تحول قطاعات داخل الإخوان للعمل العنيف لن يفضي إلا إلى انفضاض قطاعات أكبر من المؤيدين للجماعة عنها، وإلى تحول جذري في مسار الإسلام السياسي حول العالم، وإلى رهن مآلات تطوره بنتائج معارك سياسية، ولن يعبر هذا التحول إلا عن عجز متأصل عن إجابة الأسئلة الكبرى التي تواجهها الأمة، أو كخيار غير واعٍ للهروب منها.
تيار الإسلام السياسي كنتاج تاريخي لسياق معقد من تعاظم قوة الدولة الحديثة واغترابها عن المجتمع، لا يمكن أن يساهم في حل إشكالية الدولة أو دور الدين في المجتمع، أو حل إشكالياته التنظيمية أو الفكرية ومعضلاته مع الدولة والناس إذا ما قرر انتهاج العنف، إن ما سيفعله النهج العنيف هو تعميق هذه الهوة التي يراد لها أن تُجسر بين الدولة والمجتمع، وإلى تأجيل الإجابة عن الأسئلة الكبرى لحين الانتهاء من المعركة، التي ربما لن تنتهي أبدًا.
نهاية، فإن افتراض العقلانية في خيارات المقهورين والمظلومين هو افتراض شديد السذاجة، وطالما استمرت الدولة المصرية في مسارها الحالي فإن مسألة العنف ستكون الإجابة الوحيدة الممكنة على السؤال الوحيد المطروح، وإغلاق المجال العام يجعل من عملية طرح الأفكار والاشتباك معها ترفًا سمجًا، وإذا ما كانت الحياة مهددة فإن نِصاب البقاء هو ما يحدد خيارات المقهور، وسواء في ذلك الأفراد أو التنظيمات.