فيما يشبه أنه رسالة تعمد النظام الجزائري إرسالها لمن يهمه الأمر، نشر أحد المواقع المقربة من الإستخبارات الجزائرية صورا لمواقع عسكرية تفيد تركيز منظومة دفاع جوي صاروخية روسية الصنع من طراز S-400. وأوضح الموقع أن الصور المنشورة تم التقاطها في الربيع الماضي وتعود إلى مرحلة تجربة الصواريخ من قبل فرقة مختصة داخل الجيش الجزائري.
وبحسب المعلومات التي تداولتها مواقعة عديدة بطلب من السلطة الجزائرية فيما يبدو، فإن الجزائر أبرمت مع روسيا صفقة لشراء تلك الصواريخ في العام الماضي، وبأن المتحصل عليه منها من قبل الطرف الجزائري يبلغ 3 أفواج كاملة أي 6 كتائب، تحمل كل واحدة منها 8 منصات لإطلاق الصواريخ، محملة على شاحنات عسكرية ضخمة.
وبمثل هذه الصفقة، تكون الجزائر قد تجاوزت تفوق القوات الجوية المغربية التي كان خبراء عسكريون قد صنفوها الأقوى في إفريقيا، لتنضاف كفصل جديد من فصول سباق التسلح بين البلدين وكتمظهر آخر من تمظهرات التوتر بينهما.
ما هي خصائص ال S-400 ؟
تُعتبر منظومة S-400 أوالتريومف أكثرَ الصواريخ أرض–جو تطورا في العالم، وتشير بعض الدراسات العسكرية إلى أن هذا الجيل الجديد المطور من صواريخ الاعتراض الروسية قادر على التصدي لجميع أنواع الطائرات الحربية، بما في ذلك طائرة الشبح الأمريكية التي طالما أُشيع بأنها عصية عن الرادارات.
وتشير المعلومات العسكرية بأن هذا الجيل الجديد من الصواريخ قد دخل الخدمة في روسيا منذ صيف العام 2007، عندما تم نشر كتيبة مزودة بمنصات لإطلاقها لأول مرة حول العاصمة موسكو. وبلغ مداها العادي إلى 250 كلم قبل أن يعلن الجيش الروسي في أبريل الماضي عن تطويرها بعد أن كشف نائب قائد قوات الدفاع الجوي والفضائي الروسي بأنهم رفعوا مداها بحيث اعترضت بنجاح هدفا يحاكي طائرة معادية كان يحلق على بعد 400 كلم.
وتتميز منظومة الصواريخ S-400 على سابقتها S-300 بقدرتها على تدمير كافة أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك تدمير صاروخ كروز الأمريكي الشهير واستهداف الصواريخ ذات التحليق شديد الإنخفاض والطائرات صغيرة الحجم دون طيار، بل وتستطيع تدمير حتى رؤوس الصواريخ الذكية بسرعة تبلغ 5000 متر في الثانية. ويؤكد الخبراء بأنه ليس بمقدور أي سلاح آخر القيام بذلك، حتى الآن.
ومن الخصائص الفنية الأخرى لصواريخ S-400 أنه يمكن نصبها على أرض المعركة خلال خمس دقائق، وفي استطاعتها تدمير 36 هدفا في الوقت نفسه من التي تكون محلقة على ارتفاع يتراوح بين 100م كحد أدنى و 27 كلم كحد أقصى. ولهذه الخصائص الفريدة نشرت روسيا منظومات من هذا السلاح الفائق التطور على ترابها، كرد استراتيجي على نشر الولايات المتحدة لصواريخ هجومية فوق الأراضي التركية. ويُذكر أن تقارير مُختلفة تحدثت على رفض موسكو تزويد السعودية بهذه الفئة من الصواريخ، وتعتبر الصين البلد الوحيد في العالم الذي تمكن من شرائها.
حول العقدة المغربية
ورغم غياب تأكيد رسمي للصفقة سواء من الجانب الروسي أو الجزائري، لا شك أن سباق التسلح بين المغرب والجزائر كآية من آيات الصراع البارد بين الجارين أمر لا شك فيه، سباق كانت الغلبة فيه دائما للجزائر إلى سنوات قليلة مضت بحكم ارتفاع إيرادات النفط، قبل أن تنعكس الآية مع الهبوط الحاد الذي عرفته أسواق البترول في العالم.
ومن الواضح كذلك أن الجزائر لم تهضم أبدا اقتناء المغرب في صيف 2011 ل 24 مقاتلة أمريكية متطورة من نوع إف 16 بلوك، محققا بذلك تفوقا كبيرا على المقاتلات التي كانت الجزائر اقتنتها وهي من نوعي (ميغ 29) و(سوخوي 30) الروسية الصنع. وقد ظهر مدى التفوق العسكري المغربي جويا بجلاء من خلال مشاركة المقاتلات المغربية المذكورة في الحرب على «داعش» في كل من العراق وسوريا، وكذا في الحرب القائمة حتى الساعة ضد الحوثيين في اليمن.
هذا وقد سبق أن أدلى كبار القادة العسكريين الجزائريين لوسائل إعلامية في بلدهم، بما مفاده أن القوات المغربية آخذة في اكتساب تجارب قتالية نفيسة، من خلال مشاركتها في معارك حقيقية خارج المغرب (في مالي أيضا)، ما يجعل منها عدوا صلبا ويُحسب له ألف حساب.
بين النفي والتأكيد … شيء ما في الطريق
ومن المعلوم أن سوق السلاح الروسية تعتبر المصدر الأول لتموين الجيش الجزائري بعتاده، إذ يستأثر بـنسبة تناهز 13%من مصادره. وقد نقلت وسائل الإعلام الجزائرية سابقا عن مصادرها كون المؤسسة العسكرية الجزائرية تقدمت ضمن طلبات عروضها الجديدة، بعرض لشراء صواريخ من منظومة الدفاع الجوي S-400 الحديثة، إلى جانب صواريخ أرض جو متنوعة لغرض حماية المنشآت الحيوية.
وبمتابعة وسائل الإعلام الروسية، انقسمت التعاليق بين مُستبعد للصفقة ومُقلل من أهميتها من جهة، وغير مُستبعد لها من جهة أخرى. فقد اعتبر بعض الإعلاميين الروس المتخصصين في الشأن العسكري أن الخبر لا يعدو أن يكون من جنس أخبار الانترنت التي لا يمكن التعويل عليها وأن الصور التي عُرضت قد تكون متعلقة بحصول الجزائر على منظومات صواريخ S-300، بل كشف بعضهم بأن الصين هي التي انطلقت دراسة طلب تزويدها بهذا النظام وليس الجزائر.
وكشفت تقارير إخبارية بأن روسيا نفسها لم تتمكن بعد إلى حد الآن من تأمين بلادها كاملة بمنظومات صواريخ S-400، وذلك لمحدودية قدراتها الإنتاجية الحربية؛ حيث لا تتوفر القوات المسلحة الروسية الآن سوى على 19 كتيبة من تلك الصواريخ، بينما المطلوب منها توفير 56 كتيبة بحلول نهاية العام 2020، وهو ما قد يٌفنّد فرضية المضي نحو التصدير الخارجي والحال أن الطلب الداخلي لم تقع الإستجابة له كليا.
ومن جهة أخرى، اعتبر خبراء آخرين أنه ليس هناك ما يبعث على الاستغراب في احتمال أن تمتلك الجزائر أحدث المنظومات الصاروخية، بالنظر إلى مساحتها الجغرافية الشاسعة وحدودها الممتدة واكتنازها لموارد طبيعية هامة، وهو ما قد يبر احتياجها لاقتناء أسلحة دفاع تناسب وضع الجيوسياسي، وتضمن لها قدرة كبيرة لحماية مجالها من أي عدوان.
في انتظار تأكيد من هذا الجانب أو ذاك، من الصعب أن يكون إخراج هذا الخبر معزولا عن سياق كامل مُقدّمته حقيقة التنافس على سيادة المنطقة بين المغرب والجزائر وتفاصيله ما سيكشفه قادم الأيام فلا مكان للغو متى تعلق الأمر بجيوش الدول … فان لم تصح قصة الصفقة، الثابت أن هنالك شيئا ما في الطريق.