ترجمة وتحرير نون بوست
هل هيمن أنصار تجارة الجنس العالمية على منظمة العفو الدولية؟ ربما قد تستغربون من هذا السؤال، ولكن ستدركون فحوى القول حينما ستعقد منظمة حقوق الإنسان غير الربحية اجتماعها الدولي في الأسبوع المقبل في دبلن، وسيُطلب من مندوبي جميع أنحاء العالم التصويت على مقترح للاعتراف بالدعارة كحق من حقوق الإنسان.
تتحجج منظمة العفو الدولية بأن الدعارة هي مسألة تتعلق بحرية الاختيار، وهذا الموقف يرُوج له بشكل هائل من قِبل صناعة الجنس العالمية التي تقدر واردتها بمليارات الدولارات، حيث تطرح المجموعة رأيها القائل بأن العمل في مجال الجنس يتوافق مع مبدأ المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، مثلها مثل أي وظيفة أخرى في العالم.
يشير اقتراح منظمة العفو أنه “وفقًا للتعريف، العمل الجنسي يعني أن العاملين في مجال الجنس الذين يشتغلون في تجارة الجنس قد وافقوا طوعًا على القيام بذلك”، ولكن هذا التعريف يفشل بأن يأخذ في عين الاعتبار الحاجة الاقتصادية الملحة للعاملات في هذا المجال، والاعتداء الجنسي الواقع على الأطفال، والإكراه الوحشي المُمارس من قِبل القوادين، والاختلافات الجذرية في ممارسة السلطة المتأتية عن اختلاف الجنس والعرق التي تدفع صناعة الجنس التجارية.
ولكن منظمة العفو تؤكد أن هذه الظروف لا تجعل الأفراد الذين يعملون بهذا المجال غير قادرين على ممارسة حريتهم الشخصية”، وهذه الحجة تتجاهل الواقع الذي يحكم الغالبية العظمى من الأفراد الذين يتم استغلالهم في صناعة الجنس التجارية؛ فمثلًا عندما يقوم موظفو الأمم المتحدة بمبادلة الطعام بالجنس، هذه المعاملات تدعى بـ”ممارسة الجنس بغية البقاء”، ومن الناحية الفنية قد يكون شكل هذا الجنس توافقي (متفق عليه)، ولكن على أرض الواقع لا يمكن اعتبار هذه المعاملة أحد أمثلة ممارسة حرية الإرادة، وفي الحقيقة، جميع أنواع الدعارة تقريبًا تتخذ شكلًا من أشكال ممارسة الجنس بغية البقاء، فلا يوجد حرية اختيار في ظل غياب وجود أي خيار آخر.
موقف منظمة العفو الدولية من الدعارة يبين أنها أضاعت بوصلة التمييز بين الجنسين، فهذه ليست المرة الأولى التي تتوانى بها المنظمة عن حماية حقوق المرأة، حيث فشلت المجموعة بالاعتراف بالإتجار بالجنس باعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان حتى أواخر التسعينات، ولكن تعترف المنظمة اليوم بأن الاغتصاب هو سلاح من أسلحة الحرب، وتعترف بأن بعض الأشكال الأخرى من العنف المُمارس ضد المرأة، بما في ذلك الإتجار بالجنس، تمثل انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفضلًا عما تقدم، نأت المنظمة بنفسها بعيدًا عن الاعتراف بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث باعتبارها ممارسة تنتهك حقوق الإنسان، رغم أنها ممارسة متجذرة في تقاليد بعض الشعوب، ولكن بعد تناول هذه القضية في عام 1995، اعترفت بأن هذه المسألة تشكل ضررًا محضًا، ولا تشكل خيارًا بالأساس.
ربما يجب على منظمة العفو الدولية أن تتمعن باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1949 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، والتي تُعرّف الدعارة، وما يصاحبها من آفات الإتجار بالأشخاص لأغراض الدعارة، بأنها تتنافى مع كرامة الشخص البشري وقدره، وتُعرّض للخطر رفاه الفرد والأسرة والجماعة؛ فإذا كانت المنظمة تؤيد الدعارة باعتبارها حق من حقوق الإنسان، فإنها بذلك لا تدعم النساء اللواتي لا يمتلكن خيارًا بهذه الممارسة، بل تدعم القوادين وتجار الجنس الذين يمتلكون جميع الخيارات المتعلقة بهذه الممارسة.
منظمة العفو تحث أعضاءها على فصل صناعة الدعارة عن الإتجار بالجنس باعتبارهما أمران لا علاقة لهما ببعضهما بتاتًا، ولكن المنطق السليم، واقتصاديات العرض والطلب، يشيران بشكل لا يقبل الشك بأن الطلب على الدعارة يحفز الإتجار بالجنس لتلبية هذا الطلب، فليست كل النساء الداعرات ضحايا للإتجار بالجنس، ولكن جميع ضحايا الإتجار بالجنس يتم بيعهن لممارسة الدعارة، وبالمحصلة، فإن منظمة العفو وفي خضم سعيها لحث أعضائها لإضفاء الشرعية على صناعة الجنس، تسقط أي تفرقة ما بين النساء العاملات بالدعارة، والأشخاص الذين يدفعون لشراء هذه النساء، والذين يستغلونهن لتحقيق الربح.
وفي سياق متصل، قدمت السويد تمييزًا قانونيًا ما بين النساء اللواتي يتم سوقهن إلى صناعة الجنس نتيجة للفقر والتمييز الممارس ضدهن، وأولئك الذين يشترون الجنس كطريقة وأسلوب لممارسة السلطة والامتياز، حيث يجرّم القانون حالة شراء الجنس، وبذات الوقت يقدم خدمات الدعم والمساعدة للنساء اللواتي يتم شراؤهن، وتهدف هذه المقاربة لنزع الصفة الجرمية عن النساء الممارسات للدعارة، ولكن بدون إضفاء الشرعية على الرجال الذين يشترون الجنس منهن.
في كتاب دُفع ثمنها (Paid For)، تقدم الكاتبة رايتشيل موران تجربة مقنعة حول تجارة الجنس، حيث تصف ثلاثة أنواع من الرجال الذين يطلبون الدعارة، أولئك الذين يفترضون بأن النساء اللواتي يشتروهن لا يمتلكن مشاعرًا إنسانية، وأولئك الذين يدركون إنسانية المرأة ولكن يختارون تجاهلها، وأولئك الذين يستمدون المتعة الجنسية من امتهان إنسانية المرأة التي يشترونها، فهل حقًا ستذهب منظمة العفو نحو الدفاع عن حقوق هؤلاء الرجال لشراء النساء؟
إنها لحظة مفجعة للمعجبين منا بمنظمة العفو الدولية، علمًا أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي جعل حقوق الإنسان محورًا للسياسة الخارجية الأمريكية في عهده، رفع التماسًا على الإنترنت لحث المنظمة على عدم تأييد الاستغلال الجنسي التجاري عن طريق تشريعه واعتباره حقًا من حقوق الإنسان، وفي النهاية، فإن مفهوم حقوق الإنسان بحد ذاته، ناهيك عن المساواة ما بين الجنسين، هي التي توضع اليوم على المحك.
المصدر: الجادريان