ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
جلست النسوة على المقاعد قبالة المسرح الكبير لمدينة كاليه، وهن يتابعن بنظراتهن شيء ما، وفجأة، أضاءت وجوههن وقمن مسرعات في اتجاه الشاحنة التي تعبر الطريق، وإذا بناشط مدني يتقدم نحو الثلاث إريتريات ليمنعهن من المشي حتى مخيم “الغابة”، الذي يبعد سبعة كيلومترات، إنهن مرهقات بعد أن حاولن طوال ليلة البارحة العبور إلى إنجلترا عن طريق نفق المانش الذي يربط الأراضي الفرنسية بجزيرة بريطانيا، على غرار مئات المهاجرين الذين يجربون حظهم كل يوم.
تحدثت شركة إيروتينال Eurotunnel المسؤولة عن النفق، الأربعاء 29 يوليو، عن تعدد محاولات عبوره، وعن “انفجار في عدد المهاجرين”، حيث بلغ عدد الاعتقالات 37.000 اعتقال منذ 1 يناير، وقام وزير الداخلية الفرنسي ، برنار كازنوف، بإرسال تعزيزات بوحدتين متنقلتين لمجابهة هذه الظاهرة، وقال المدعي العام جان بيير فالانسي إنه تم العثور، صباح الأربعاء، على مهاجر وجد ملقيًا على أرضية النفق، مضيفا أن “كل المؤشرات تدل على أنه سقط من شاحنة ولا وجود لدليل حول إمكانية إسقاطه من الشاحنة”، ولم يتم التعرف على جنسية الضحية حتى الآن، ليرتفع عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم وهم يحاولون عبور النفق إلى تسعة أشخاص منذ بداية يونيو.
كما يتم تداول حديث بين المهاجرين، بأن باكستاني لقي حتفه بسبب صاعقة كهربائية في منطقة النفق، وهذا ما أكدته النيابة العامة لمدينة بولوني بأن الرجل الذي أُصيب في منطقة النفق الأوروبي، يوم 27 يوليو، توفي في المستشفى في كاليه، يوم الثلاثاء 28 يوليو، وقال المدعي العام جان بيير فالانسي بأن “الرجل ضرب رأسه بينما كان يحاول القفز من على منصة في النفق”.
وقال أحد المتطوعين الذي رغب في عدم الكشف عن هويته بأن الضحية “كان ينتظر الحصول على اللجوء بعد أن تقدم بمطلب في مدينة نيس الفرنسية، إلا أنه كان يفضل البقاء في كاليه حيث يوجد العديد من الباكستانيين، وقد كانت المحاولة التي توفي فيها هي الأولى من أجل عبور النفق في اتجاه إنجلترا”.
جروح عميقة بسبب الأسلاك الشائكة
في مخيم “الغابة”، حيث يعيش 2500 مهاجر، تعمل فرق منظمة أطباء العالم على قدم وساق، ومع ذلك فإنه في كل أسبوع يتم رفض نحو 150 استشارة طبية بسبب قلة الإمكانيات، فبالإضافة إلى تلبية الحاجيات “العادية”، التي تبدأ من معالجة آثار التعذيب إلى الرعاية النسائية، مرورًا بمعالجة حالات الجرب، أصبحت منظمة أطباء العالم تقوم بعلاج الآثار المترتبة على محاولات عبور القناة.
يرتدي علم أحمد زاي، شاب أفغاني يبلغ من العمر 22 سنة، ضمادة سميكة حول المعصم بسبب تمزق في الجلد، ويحكي ما حدث له قائلاً: “أحاول كل يوم الذهاب إلى إنجلترا، مرتين أو ثلاث مرات”، ويوضح جان – فرانسوا باتري، وهو طبيب متطوع وصل منذ عشرة أيام: “هناك الكثير من الجروح على مستوى الأيدي. إنها جروح عميقة بسبب الأسلاك الشائكة، مع وجود حروق سببها التشبث بالقطار، يوم أمس، تعرضنا للعديد من الحالات، لا سيما الأطفال ما بين 12 و13 عامًا”، ويتم توجيه الحالات الأكثر خطورة إلى المستشفى، ويضيف الطبيب جان – فرانسوا باتري: “ويرتبط النوع الثاني من الإصابات نتيجة للقفز من أماكن شاهقة ما يتسبب في كسور وكدمات”.
ترتبط الزيادة في محاولات اقتحام النفق ارتباطًا مباشرًا بزيادة التدابير الأمنية في ميناء كاليه؛ ففي أوائل يونيو، تم بناء أسلاك شائكة بطول ستة أمتار على طول الطريق الدائري الذي يؤدي إلى العبارات السيارة، ليعاود المهاجرون التوجه إلى النفق، حيث المخاطرة تكون أكبر.
ويتساءل طارق، هذا الإثيوبي البالغ من العمر 25 سنة والذي وصل منذ شهر ويحاول يوميًا عبور النفق، عن أي خطر تتحدثون؟ ليجيب: “في بلدي توجد الحرب والديكتاتورية، وهذا هو الخطر بعينه”، أربعة من أصدقاء طارق تمكنوا من العبور ووصلوا إنجلترا الأسبوع الماضي، وطارق لم يعد يطيق الحياة في مخيم “الغابة”.
لكن البعض لا يريدون مغادرة فرنسا، على غرار صدام مطر وهو سوداني ويبلغ من العمر 20 سنة؛ فهو يعيش في المخيم منذ ثلاثة أشهر، وهو دائمًا ما يكرر: “كاليه هي المشكلة” بلغة إنجليزية متعثرة، وقد وزعت فرق الإغاثة 125 كابينةً منذ منتصف يوليو، مع القيام بالعديد من الأعمال التطوعية، وتشتكي كليمنس، وهي متطوعة قائلة: “ولكن الكثير من المطالب لم تتحقق”. كما وصلت للتو للمخيم أم سورية وأطفالها الصغار الثلاثة، إلا أن مركز فيري جول، الذي افتتح في مارس في مخيم “الغابة” لإيواء الحالات الخاصة جدًا، لم يستطع استقبالهم بسبب عدم وجود شغورات، وبدلاً عن الإيواء في المركز منحت للعائلة السورية خيمة، وتقول كليمنس: “لقد انهارت الأم، فأولادها لا يريدون البقاء هنا، وهم لا يشعرون بأنهم في حالة جيدة. كما أنها تريد الذهاب إلى إنجلترا، في هذه الليلة”.
قلة المعلومات
بالنسبة لفوستينا دويار، ناشطة اجتماعية في مؤسسة “فرنسا أرض لجوء”، فإنالكثير من الناس سيفضلون البقاء إذا ما وجدوا ظروف ملائمة، كما أنها تلاحظ عدم توافر المعلومات، حيث تضيف: “اليوم، هناك معدل أربعة إلى خمسة أشهر من الانتظار للوصول إلى مسكن في مركز لاستقبال طالبي اللجوء، ومنذ شهرين ونصف ونحن على هذه الحالة، ما جعل اللاجئين يصابون بالإحباط”.
هرب محمود أحمدي خان من أفغانستان في يناير، وتمكن الشاب البالغ من العمر 21 سنة من الحصول على اللجوء في إيطاليا منذ ثلاث سنوات، لكنه لا يريد البقاء هناك، إما إنجلترا أو لا شيء؛ فقد عاش هناك ما يقرب من عام، ليتم القبض عليه ويطرد منذ شهر، وها هو يعاود الكرة من أجل عبور النفق للوصول إلى إنجلترا وهو يقول: “أنا أحاول بكل الوسائل، أنتم لا تفهمون، كيف سأبني مستقبلي خارج إنجلترا؟ “
إنها حوالي الساعة السابعة مساءً عندما شق العشرات من المهاجرين طريقهم نحو النفق، وها هي مريم غيراي، من هيئة الإغاثة الكاثوليكية، تصطحب البعض منهم في شاحنتها لتجنبهم السير، نساء وأطفال، على غرار هذا الصبي الإريتري البالغ من العمر 12 عامًا، والذي يريد عبور النفق وحده، وبعد لحظات، وراء موقف للسيارات، سيختفي ليعبر الطريق السريعة ويجرب حظه في “العبور” مرة أخرى.
المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية