“تزايد المدارس الخاصة يثير غياب العدالة الاجتماعية والمساواة في الحق في التعليم”، التغيير الثقافي يحتاج المزيد من الجهد عن التغيير الاقتصادي أو السياسي، وعلى الرغم من ذلك فإن التقارير الخاصة بإحصائيات التعليم الحكومي في الدول النامية صادمة على كافة المقاييس، نصف عدد الأطفال المُقيدين في التعليم الأساسي في جنوب أسيا وثلثه في أفريقيا لا يستطيعون القراءة، أما على الصعيد العربي فالمآساة أكبر، حيث يخيّم خطر الأميّة على كثير من البلاد العربية واضعًا التعليم الحكومي في موضع حرج، حيث تشير الإحصائيات إلى نسبة كبيرة من الأطفال في التعليم الأساسي في العالم العربي لا يتلقوا أساسيات التعليم بشكل جيد مع الغياب الكامل لمستلزمات التعليم وغياب الاستقرار الأمني داخل المدارس؛ مما يزيد من نسبة غياب الطلاب وكذلك المعلمين.
آخر إحصائيات تشير إليها منظمة اليونيسيف عن أعداد الأميين (إناث ورجال) في البلاد العربية
ومع التغيير الجذري لكثير من البلاد العربية في كثير من المراحل السياسية، والنزاعات الطائفية وغيرها من ثورات وصراعات وتغييرات جغرافية داخل البلد الواحد، زاد عدد المشردين في بلادهم وخارجها مع زيادة فرص الحرمان من التعليم، ليرفع من نسبة تدخل المنظمات الإنسانية في إنشاء مدارس داخل المخيمات لتقليل عدد الأميين ومنح الأطفال فرصة في استكمال تعليمهم.
فشل المدارس الحكومية
فشلت المدارس الحكومية فشلًا ذريعًا في احتواء سعة كبيرة من الطلاب وتوفير تعليم مناسب ومتكافئ لهم، نصف عدد الأطفال في الدول العربية لا يتلقى تعليمًا أساسيًا حتى ولو ثبت قيده داخل العملية التعليمية، 57 مليون طفل لا يذهب للمدرسة، وذلك نتيجة لتردي مستوى التعليم الحكومي وعدم الاهتمام به من قِبل حكومات البلاد، على الرغم من وعودها في توفير كافة الاحتياجات اللازمة للمدارس الحكومية فهي تفشل كل عام في تحقيق تلك الوعود، فالمدارس الحكومية لا توفر أي من أساسيات عملية التعليم وهي:
1- طرق التعليم والتدريس: غياب التكنولوجيا الواضح في كثير من المدارس الحكومية جعل التعليم مجرد أداة للإلقاء ما يحفظه المعلم إلى أذن التلميذ؛ مما يحوّل التعليم إلى حركة روتينية، يكوّن غياب التواصل الواضح بين المعلم والتلميذ كذلك فجوة عميقة في محاولة أي من الطرفين استيعاب وفهم الآخر.
2- الأمان: طبقًا لكثير من الاستفتاءات التي نشرتها اليونيسيف مؤخرًا عن مدى شعور طلاب الدول النامية والعربية بخاصة بالأمان داخل المدارس، وكانت النتائج صادمة، معظم التلاميذ لا يشعرون بالأمان جسديًا واجتماعيًا وعاطفيًا داخل المدرسة، التلميذ دومًا تحت حالة تهديد إما من المعلم أو من غيره من التلاميذ أو حتى من والديه؛ مما يؤثر وبشدة على إنتاجية الطالب الواحد كل عام.
3- العلاقات الشخصية: وهي تتركز على متابعة التلميذ داخل الفصل والمدرسة بوجه عام، وتكوين علاقة مستمرة تمنحه الفرصة للنقاش والتحدث بحرية عما يجول بخاطره، ضعف الرابطة بين التلميذ ومعلمه واضحة وبشدة في العالم العربي، الخوف يحل محل تلك الرابطة، فالتلميذ لا يريد مناقشة الأستاذ بقدر أن يحاول حماية نفسه منه.
4- البيئة التعليمية: وما تتضمنه من وسائل التعليم بداية من الفصل وحتى الكتاب الذي يقرأه التلميذ، ضعف الإمكانيات الواضح في المدارس الحكومية هو السبب الرئيسي لفشل تلك المدارس في تكوين بيئة تعليمية مناسبة للطالب.
إحصائيات معلمين الرياضيات الحاصلين على شهادة جامعية في الدول العربية
إحصائيات عن عدد التلاميذ المسموح لهم باستعارة الكتب من مكتبات المدرسة
ظاهرة المدارس الخاصة
فشل المدارس الحكومية فيما تم عرضه من أساسيات التعليم سهّل ظهور المدارس الخاصة أو كما يسميه البعض التعليم العالي الخاص، تختلف ظاهرة التعليم الخاص في العالم العربي عن البلاد النامية وكذلك البلاد الأوروبية، ولكنها تتحد في الهدف في كونها مؤسسات ربحية استثمارية، طبقًا لإحصائيات البنك الدولي فخُمس عدد التلاميذ في البلاد النامية يُكمل تعليمه في المدارس الخاصة وهذا ضعف العدد الذي كان موجودًا منذ 20 سنة؛ فعلى سبيل المثال تستوعب المدارس الخاصة في نيجيريا 26 % من عدد التلاميذ، وكذلك الهند حيث29 % من الطلبة الهنود في المدارس الخاصة.
تختلف النظرة العامة للمدارس الخاصة في البلاد العربية عن غيرها من البلاد النامية وكذلك البلاد الأوروبية، يرتبط ذهن المواطن العربي بالمدارس الخاصة بأنها عالية التكاليف، ففي البلاد الاستبدادية تكون فرصة التعليم الخاص لطبقة معينة من الشعب وتكون غالبًا الطبقة البرجوازية، فنسبة الطلاب المستفيدين من التعليم الخاص في البلاد العربية لا تتجاوز 10%.
واحد من بين عشرة يدخل المدرسة الخاصة
أما نظرة الآخريين في البلاد النامية أو الأوروبية أن المدارس الخاصة تكلفتها أقل من المدارس الحكومية، وجودة التعليم فيها أعلى من نظيرتها الحكومية، وذلك لجودة المعلمين ووجود الإمكانيات، فالمال اللازم للمدارس الخاصة في وفرة دائمة على العكس في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة هدفها الأساسي هو الربح، ليس فقط من الآباء ولكن من المستثمرين كذلك، فلم تعد المدارس الخاصة لها مستثمر واحد وعددها محدود في البلاد النامية، بل أصبح لها سلاسل وأكثر من فرع داخل البلد الواحد، فعلى سبيل المثال أكاديميات التعليم العالمية لها أكثر من 400 فرع في كينيا وأوغندا وتنوى التوسع في الهند و نيجيريا، “مارك زوكربيرج ” مؤسس موقع فيسبوك و”بيل جايتس” والبنك الدولي هم من مؤسسي هذه الأكاديميات.
ينظر الآباء للمدارس الخاصة على أنها استثمار لقيمة المال، فبدلًا من إهدار المال في تعليم سيء يمكنك أن تضعه في يد منظمة وستمنحك جودة التعليم التي ترغبها، إحصائيات المدارس الخاصة تشير أن الطلاب الذين يكملون سنوات تعليمهم في المدارس الخاصة يؤدون بشكل أفضل عن الطلاب في المدارس الحكومية ولا سيما في اللغات الأجنبية والمواد العلمية مما يتيح لهم فرصة أكبر في سوق العمل بعد ذلك، المدارس الخاصة تلعب دورًا مهمًا في ذلك المجال كنوع من الدعاية لها، فهي تطبق أحدث الأساليب التعليمية وتستخدم التكنولوجيا في ذلك، كما أنها توفر تخصصات ومجالات لا تحتوي عليها المدارس أو الجامعات الحكومية؛ مما يجعل طالب المدارس الخاصة مؤهلًا لكل ما هو جديد ومتطور في سوق العمل.
من الصعب إيجاد إحصائيات محددة عن عدد ونسب المدارس الخاصة في البلاد وذلك بسبب تعدد أنواعها واختلاف مُسمياتها، فهي بدأت تغزو العالم منذ نهاية عام 1990 لتدخل في منافسة شرسة مع المدارس الحكومية وتثبت بجدارة جودة التعليم واختلافه عن المدارس الحكومية داخل أجواءها.
يجب على البلاد العربية أن تعيد التفكير في وجود وتزايد المدارس الخاصة ذات التمويل والمنهج الأجنبي على أراضيها، فالمدارس الخاصة لا تؤمن بمبدأ العدالة الاجتماعية وهو ما تنادي به الدول العربية منذ أكثر من خمس سنوات، 40 % من سكان الوطن العربي تحت عمر الـ18 سنة ، إنهم المحرك الأساسي لمستقبل الوطن السياسي والاقتصادي فيما بعد، ممثلين العملية الديموقراطية التي يحلم بها الوطن العربي منذ القدم، إذا كانت نسبة المُتعلمين في أجواء كتلك التي في المدارس الخاصة لا تتجاوز الـ 10%، فماذا سيكون مصير البقية؟