ترجمة وتحرير نون بوست
المعروف عن القائد الجديد لحركة طالبان، الملا أخطر منصور، بأنه يدعم محادثات السلام مع الحكومة المركزية الهشة في أفغانستان، ولكن من المؤسف بالنسبة لواشنطن وكابول على حد سواء، أن نائب الملا منصور، وهو قائد الميليشيات الأشد فتكًا في البلاد، لم يعطِ أي مؤشر واضح عن كونه مستعدًا ليأمر رجاله بإنزال أسلحتهم ضمن المدى المنظور.
سراج الدين حقاني، هو ثاني أكبر قيادي في طالبان، ويترأس شبكة حقاني، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، يصفها القادة العسكريون الأمريكيون بأنها العدو الأخطر على ساحة المعركة؛ فشبكة حقاني هي أول من استخدم بانتظام التفجيرات الانتحارية في أفغانستان، ونفذت العديد من الهجمات الأكثر دموية في الحرب المستمرة هناك، بما في ذلك التفجير الشهير في عام 2009 لمركز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) شرق أفغانستان، والذي أسفر عن مقتل سبعة أفراد من المخابرات الأمريكية، وتعد هذه العملية أحد أشد الضربات فتكًا التي استهدفت وكالة التجسس منذ عقود.
بناء على ما تقدم، فإن المسؤولين الأمريكيين يقرون بأن مجموعة حقاني مسؤولة عن مقتل المئات من القوات الأمريكية والآلاف من الجنود الأفغان، ووزارة الخارجية الأمريكية، التي تدعو شبكة حقاني بـ”الجماعة المتمردة الأشد فتكًا التي تستهدف قوات التحالف والقوات الأفغانية في أفغانستان”، تصنف سراج الدين حقاني على أنه “إرهابي عالمي”، وتعرض مكافأة تقدر بـ7 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى قتله أو اعتقاله.
من جهته يقول الجنرال المتقاعد ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان حتى عام 2010، إن شبكة حقاني هي “مجموعة منضبطة ودقيقة”، مدفوعة، إلى حد كبير، بالرغبة بالسيطرة على مناطق شاسعة من شرق أفغانستان وحكمها إما بالأيديولوجية الدينية أو السياسية، ويتابع مكريستال قائلًا لفورين بوليسي “وصف الشبكة بأنها مدفوعة بالمصلحة فقط يقلل من شأنها للغاية، لأنها شبكة عملية، دقيقة، وعنيفة”، ويردف قائلًا “شعرت بأن الجماعة، على عدة أصعدة، تشكل أخطر تهديد لقدرة حكومة أفغانستان على تحقيق الاستقرار في المناطق المتنازع عليها والتي تعمل ضمنها الشبكة”.
تأسست الميليشيا على يد والد سراج الدين، المدعو جلال الدين، وهو مقاتل قبلي شهير تلقى كميات هائلة من الأموال والأسلحة من وكالة الاستخبارات المركزية في الثمانينيات، كجزء من الجهد الأمريكي الناجح لاجتثاث نفوذ الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، ويُقال إن حقاني الأب يعاني منذ فترة طويلة من قضايا صحية خطيرة، وتشير بعض التقارير غير المؤكدة، بأنه توفي قبل سنة واحدة على الأقل، ودفن في مسقط رأسه في أفغانستان.
ارتقاء حقاني الابن داخل صفوف جماعة طالبان المسلحة، يطرح خيارين إستراتيجيين غاية بالصعوبة أمام كل من واشنطن وكابول؛ إما مواصلة السعي لإجراء محادثات السلام مع الجماعة المسلحة على أمل أن يتم تهميش حقاني لصالح قادة الميليشيات المستعدين للحوار وإلقاء السلاح، أو الاستمرار، وربما حتى تكثيف، الجهود الجارية لتصفية مقاتلي طالبان وحقاني، وقطع خطوط إمداداتهم من دولة باكستان المجاورة.
بزوغ نجم حقاني ضمن الجماعة المسلحة في الفترة الماضية، يطرح تذكيرًا مقلقًا يتمثل بأن الجيل القادم من قادة طالبان قد يكون أكثر عنفًا وقسوة من الجيل الذي سبقه؛ فالملا محمد عمر، الذي تم تأكيد وفاته هذا الأسبوع منذ عام 2013، كان يؤوي أسامة بن لادن، وشن حرب عصابات بقيت ألسنة لهيبها مستعرة حوالي الـ14 عامًا منذ وطأت أرجل القوات الأمريكية أرض البلاد لأول مرة، وسراج الدين حقاني، الذي أصبح الآن يقود مقاتلين تعدادهم يفوق ما كان يقوده في أي وقت مضى، ستضمن قيادته مستقبلًا لبلاده أكثر دموية من ماضيها.
حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، وصف سراج الدين حقاني بأنه “مزيج من توني سوبرانو وتشي غيفارا”؛ فهو منظّر على استعداد للانخراط في أعمال إجرامية، مثل تهريب المخدرات أو الاختطاف بهدف الفدية، بغية جمع الأموال لتمويل العمليات العسكرية.
“إجرامه يغذي أيديولوجيته، وأيديولوجيته تغذي إجرامه” قال حقاني، الذي لا تجمعه أي صلة قربى مع سراج الدين، وتابع موضحًا “على سبيل المثال ليس من المستغرب أن يقول: إذا قمنا ببيع الهيروين، الذي سيتم استخدامه في الغرب، فإن هذا سيساعد على تدمير العدو من الداخل، وإذا خطفنا المدنيين، فإن ذلك سيساعد على توفير التمويل لشراء الأسلحة، إنه ليس كوالده، الذي كان محاربًا إسلاميًا كبيرًا، فسراج الدين يدير حاليًا شبكة إجرامية”.
تاريخيًا، شبكة حقاني لم تكن مكرسة ومتطلعة إلى قتل الأمريكيين، بل على أرض الواقع، الأسرة ومقاتليها كانوا لفترة من الزمن من بين أقرب حلفاء واشنطن في أفغانستان؛ ففي عام 1987، حضر النائب تشارلي ويلسون إلى شرق أفغانستان، وقضى أربعة أيام مختبئًا مع جلال الدين حقاني ومقاتليه، وفي إحدى المرات، ساعد حقاني الأب المشرع الأمريكي ويلسون، على إطلاق صواريخ على قاعدة سوفيتية مجاورة، كما يوجد أكثر من صورة تجمع الرجلين معًا.
حقاني الأب كان يتمتع بعلاقات وثيقة للغاية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي زودته بالمال والسلاح، بما في ذلك صواريخ ستينغر المحمولة على الكتف، والتي ساعدت الجماعة على استهداف وإسقاط عدد هائل من الطائرات السوفيتية، وفي إحدى الحوداث، عندما اخترق طلق ناري ركبة حقاني الأب خلال تبادل لإطلاق النار، أرسلت له وكالة الاستخبارات المركزية جهاز أشعة سينية محمول، ساعد على تحديد مكان توضع الرصاصة، ويشير ميلتون بيردن، الذي كان يدير برنامج السي آي إيه السري في أفغانستان في ذلك الوقت، إن حقاني رفض تناول الدواء المخدر أثناء العملية اللاحقة التي أُجريت لاستخراج الطلق الناري، كون العملية أُجريت خلال شهر رمضان، ولم يرضَ حينئذ بالإفطار خلال ساعات الصيام، ويوضح بيردن قائلًا بعد سنوات من وقوع الحادث “بدلًا من ذلك، وضع عصا بين أسنانه، وقال للمسعف بأن يستخرج الرصاصة بالسكين”.
بالإضافة إلى ما تقدم، فقد تمتعت شبكة حقاني بعلاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات الداخلية الباكستانية القوية، التي وفرت للجماعة الأسلحة والتدريب والمال، كما كانت المجموعة تمتلك ملاذات آمنة داخل باكستان، أعطت المقاتلين مساحة للتخطيط للهجمات، ومن ثم العبور إلى أفغانستان المجاورة لتنفيذها.
يرى بعض المسؤولين الأمريكيين، الباكستانين، والأفغان بأن حملة أسرة حقاني الحالية ضد القوات الأمريكية والأفغانية، كان يمكن تجنبها؛ ففي خريف عام 2002، اجتمع ممثلون عن حقاني الأب مع موظفي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في دولة الإمارات العربية المتحدة وباكستان، وكان من ضمن الوفد شقيق جلال الدين، المدعو إبراهيم، وكان السبب الكامن خلف المحادثات هو التوصل لاتفاق محتمل، لمنح جلال الدين حقاني منصبًا رفيعًا في حكومة الرئيس الأفغاني المعين حديثًا، حامد كرزاي، بمقابل تخلي المقاتلين عن أسلحتهم، وفقًا لما ذكره مسؤول متقاعد في وكالة المخابرات المركزية مطلع على المسألة.
بالمحصلة، لم يتم التوصل إلى اتفاق ما بين الجانبين، وتبخر أي احتمال للتوصل إلى اتفاق سلمي بعد أن اعتقلت القوات الأمريكية إبراهيم حقاني، وشنت غارة جوية على مجمع العائلة، أسفرت عن مقتل عشرات النساء والأطفال، وإثر هاتين الحادثتين، لم تشارك عائلة حقاني بأي محادثات سلام حقيقية مع واشنطن أو كابول، والسبب بهذا عائد، بجزء منه، لكون المسؤولين الأمريكيين يعتقدون بأن سراج الدين حقاني غير مهتم ببساطة بالتوصل إلى اتفاق.
منذ فترة طويلة يُعتبر حقاني الابن، أشد تطرفًا أيديولوجيًا من والده، حيث أقام علاقات وثيقة مع جماعة عسكر طيبة، المجموعة الإرهابية التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، والمسؤولة عن تنفيذ الهجوم الدموي في مومباي عام 2008، كما وتتضمن أيديولوجيتها استخدام التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة المتطورة الثقيلة بما فيه الكفاية لتدمير المركبات المدرعة الأمريكية الثقيلة.
كما لم يُظهر سراج الدين أي ندم عن استهداف المدنيين في تفجيراته، فمن بين التفجيرات التي تُسأل عنها شبكة حقاني، تفجير سيارة مفخخة في يوليو 2008 أمام السفارة الهندية في كابول أسفر عن مقتل 41 شخصًا، وهجوم في يونيو 2011 على فندق شديد التحصين في كابول خلّف 12 قتيلًا، وتفجير انتحاري في مباراة للكرة الطائرة في شرق أفغانستان في أواخر العام الماضي أسفر عن مقتل 57 شخصًا، كما حاولت الشبكة سابقًا اغتيال حامد كرزاي أيضًا.
بالإضافة إلى ما تقدم، العبوات الناسفة والمتفجرات الأخرى التي تستخدمها الجماعة، ساهمت بقتل وتشويه الآلاف من القوات الأمريكية والأفغانية، ففي الوقت الذي كانت فيه طالبان تستعمل لوحات الضغط المتفجرة التي تنفجر بمجرد مرور السيارة فوقها، صنّعت شبكة حقاني متفجرات أكثر تطورًا يمكن تفجيرها عن بعد.
من جهتها، فإن الولايات المتحدة حاولت وفشلت بقتل سراج الدين، وشملت محاولاتها شن هجوم عن طريق طائرة بدون طيار في نوفمبر 2013، أسفرت عن مقتل حفنة من كبار قادة شبكة حقاني الآخرين، كما تم قتل الأخ الأصغر لسراج الدين، المدعو نصير الدين، في وقت سابق من هذا الشهر خلال إطلاق نار من سيارة قرب إسلام أباد.
ليس من الواضح تمامًا بعد الآثار التي ستنعكس على محادثات السلام بين الجماعة المسلحة والحكومة الأفغانية، جرّاء ارتقاء حقاني إلى مصافِ الدرجات العليا في التسلسل الهرمي لحركة طالبان، حيث يرى المسؤولون الأمريكيون أن لا دلائل على أن سراج الدين منفتح لإبرام اتفاق تفاوضي، ويُعتقد أنه سيستمر بالقتال حتى جلاء القوات الغربية من البلاد، وتسلّم حركة طالبان، أو مجموعة أخرى تشاطر حقاني آراءه الإسلامية المتشددة، زمام السيطرة على أفغانستان.
في الوقت عينه، عملت شبكة حقاني لسنوات كذراع فعلية للاستخبارات الباكستانية على الأرض الأفغانية، لذا من المحتمل أن تستخدم إسلام أباد علاقاتها الوثيقة مع حقاني الابن، ونفوذها ضمن الجماعة، لإقناعها بالجلوس على طاولة المفاوضات، حيث أشارت تقارير صحفية غير مؤكدة قادمة من المنطقة، أن شخصًا واحدًا على الأقل من ممثلي حقاني شارك في الجولة الأخيرة من محادثات السلام في إسلام أباد في منتصف يوليو.
أخيرًا، فإن حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق، لا يرى مجالًا للتفاؤل، حيث يقول “السبب الوحيد الوحيد لانخراطه في محادثات السلام يتمثل بضغط الاستخبارات الباكستانية الممارس عليه ليقوم بذلك، ولكن على أرض الواقع، معظم أهداف سراج الدين حقاني لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حالة الحرب الدائمة، فما الذي يمكن أن يتم تقديمه لهذا الشخص ليحثه على وقف القتال”؟
المصدر: فورين بوليسي