ترجمة وتحرير نون بوست
كتب كريستوف راينبرغر ونيكولاس ترايك:
تغيّر المناخ يهدد بزوال البشرية، كما قال منشور باباوي اختص بهذا الموضوع، نُشر الشهر الماضي، وأكد على الخطر الذي يحيق “بوطننا المشترك”، معتبرًا أن “علامات يوم القيامة لم يعد من الممكن مقابلتها بالسخرية أو بالازدراء”، ولكن وعلى اعتبار أن تنبؤات نهاية العالم غالبًا ما يتم إطلاقها من قِبل الجماعات الدينية، ما مدى خطورة هذا الادعاء؟
ربما للمرة الأولى في التاريخ، يبدو أن هناك إجماع واسع بين العلماء، الذين يزعمون بأن كوكبنا قد يواجه مستقبلًا مخيفًا ومروعًا، إذا لم نتمكن من الاتفاق على اتخاذ إجراءات حاسمة فورية؛ فالتغيّرات الجارية على كيفية توزع مياه البحر في المحيط الأطلسي، ذوبان الأنهار الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي، وارتفاع منسوب مياه البحر، جميعها ظواهر نتجت عن التقاعس عن العمل، والسيناريوهات الكارثية التي قد تنجم عن هذه الظواهر، تشكل تحديًا كبيرًا أمام العلماء والخبراء الاقتصاديين على حد سواء.
لذلك، ما الذي ينبغي أن نفعله لمواجهة هذه المخاطر الوجودية؟ أحد الاقتراحات، وربما أكثرها تشددًا، يقول “إن مجرد طرح احتمالية الانقراض البشري الكامل، ينبغي أن تلهمنا لنفعل جميع ما بوسعنا لتجنب ذلك”، ولكن بالمقابل، يتم الرد على هذا الاقتراح بأننا كجنس بشري نواجه مخاطر وجودية أخرى، وإن التركيز على خطر واحد فقط، قد يحوي في طياته قصر نظر عميق؛ ففي كتابه الرائع “الكارثة: المخاطر والاستجابة”، الذي نُشر في عام 2004، يقول ريتشارد بوسنر بأننا لا نمارس استجابة كافية للتحوط ضد المخاطر الكارثية التي تواجهنا مثل تغير المناخ، وارتطام الكويكبات أو الإرهاب البيولوجي.
لذا وفي ظل المنافسة القائمة ما بين المخاطر الوجودية التي تحيط بنا، ما هو المقدار المعين الذي يجب على البشرية أن تستثمره للتخفيف من آثار التغير المناخي؟
الحكمة التقليدية تقول، بأنه ينبغي علينا أن نخفض ظاهرة الاحتباس الحراري حتى 2 درجة مئوية، ولتبرير هذا الهدف، يسعى الاقتصاديون للمقارنة بين تكلفة تخفيض الانبعاثات الحالية مع الفوائد الناجمة عنها، وفي الواقع، هذا الأمر ينتج عنه مفاضلة كبرى، كون استثمار المزيد من الموارد اليوم في مجال الوقاية من تغيرات المناخ، يترك أمامنا مجالًا أصغر لمكافحة باقي المخاطر المباشرة التي تهدد البشرية، ومن المفاجئ بالفعل، أن تنص رسالة البابا على هذه المعضلة بقولها “يجب أن تُتخذ القرارات على أساس المقارنة بين المخاطر والفوائد المتوقعة لمختلف البدائل الممكنة”.
إن تقدير الفوائد المتأتية عن هذه السياسات، يعني بأننا بحاجة إلى تحديد قيمة هذا الحد الذي ستتم ممارسته لمنع احتمال حصول المخاطر الكارثية في المستقبل، وهذه مهمة شائكة، حيث يقول مارتن وايتزمان، وهو خبير اقتصادي في جامعة هارفارد، “إن الخسارة المتوقعة للمجتمع بسبب تغير المناخ تشكل كارثة كبيرة بحيث لا يمكن تقديرها بشكل موثوق، فأداة تحليل التكلفة والفائدة، وهي الأداة القياسية التي يستعملها الاقتصاديون لتقييم السياسات، لا يمكن استعمالها هنا، لأن الحد من الخسائر اللانهائية ينتج فائدة لا نهائية”، وعمل الاقتصاديون الآخرون، بما في ذلك كينيث أرو من جامعة ستانفورد وويليام نوردهاوس من جامعة ييل، على معاينة الحدود التقنية لحجة السيد وايتزمان، بقولهم إن تفسير اللانهائية في النماذج المناخية الاقتصادية، هو في جوهره نقاش حول كيفية التعامل البشري مع خطر الانقراض، وحجة السيد وايتزمان تعتمد بشكل كبير على المفاضلة على قيمة الحياة البشرية لدى البشر.
ويقدر الاقتصاديون قيمة الحياة البشرية استنادًا إلى الاختيارات الشخصية للأشخاص، فنحن نقوم بشراء خوذات الدراجات، وندفع مبالغًا أكبر لشراء سيارة أكثر أمانًا، ونحصل على تعويضات كبيرة لممارسة المهن الخطرة؛ لذا فإن النمط الملاحظ من المفاضلة بين السلامة والمال، يخبرنا بأن المجتمعات على استعداد لدفع مبالغ أكبر بهدف تخفيض خطر الوفاة، ومئات الدراسات تشير إلى أن الأشخاص في البلدان المتقدمة جميعهم على استعداد لدفع بضعة ملايين من الدولارات لتجنب زيادة معدلات الوفاة الإحصائية، فعلى سبيل المثال، توصي الوكالة الأمريكية لحماية البيئة بتخصيص مبلغ 8 مليون دولار لتجنب حالة وفاة واحدة، وذات هذه القيم تستخدم لتقييم برامج التطعيم، برامج الوقاية من الحوادث المرورية، وبرامج الوقاية من الأمراض المنقولة عن طريق الهواء.
من جهته، فإن السيد بوسنر يضاعف قيمة الحياة، عن طريق تقديره لعدد سكان الأرض في المستقبل، ويخلص إلى رقم توضيحي يبلغ 336 مليار دولار كتكلفة للانقراض البشري، أما نيك بوستروم، الفيلسوف في جامعة أكسفورد، فيقول بأن هذا النهج يتجاهل قيمة حياة الأجيال التي لم تولد بعد، وإن هذا الرقم البدائي ينبغي أن يكون أكبر من ذلك بكثير، أو حتى بلا حدود إن صح المعنى.
قيمة الحياة كمفهوم هي مرشح طبيعي قادر على ممارسة التقدير المبدئي لصالح الحد من خطر الانقراض، ولكن مع ذلك، فإن النهج يبدو غريبًا بعض الشيء، كون خطر الانقراض هنا يختلف تمامًا عن المخاطر الفردية التي نواجهها في حياتنا اليومية، فالانقراض البشري هو خطر يهددنا جميعًا، وسيكون حدثًًا غير مسبوق، وسيحدث لمرة واحدة فقط.
إن عدم وجود بيانات موثوقة، يفاقم الصعوبات المنهجية والفلسفية العميقة التي يواجهها الاقتصاديون تجاه تغير المناخ، فالانقراض يشكل تهديدًا للأجيال المقبلة، في حين أن تصميم وتقييم سياسات الوقاية تبدو تحديًا ملحًا واجب الاتخاذ اليوم.
مؤتمر الأمم المتحدة في باريس في ديسمبر المقبل، قد يقدم فرصة مواتية لاتخاذ الخطوات المناسبة لحماية الأجيال القادمة من هذه المخاطر، علمًا أن العديد من الاقتصاديين لا يؤمنون بآلية التعهد والتقييم الحالية المتبعة في نظم حماية البيئة، ويؤيدون تطبيق نظام الحد من انبعاثات الكربون المعمم بدلًاً من ذلك، وفي الوقت الذي يرفض به البابا في رسالته هذا الحل، فإن مهاجمته للابتكار التكنولوجي والرأسمالية، قد لا تكون حلًا فعالًا للتغلب على الجمود الحالي الذي يخيم على المفاوضات العالمية المناخية.
المصدر: الإيكونوميست